الأوضاع الإجتماعية قبل الإسلام

 

الأوضاع الإجتماعية قبل الإسلام

عندما نتكلم عن الحالة الإجتماعية نعني علاقة العربي قبل الإسلام بزوجته وبناته وبني عمه وبني خاله وأهله، ونرى أن العزلة كانت هي السمة المميزة لهم في حياتهم فعدم اختلاطهم بغيرهم من الأمم الا لتجارة أو لمرور هو ما نفهمه من طبيعة حياتهم ثم اتساع أرضهم والتباعد في المسافات فنرى أنهم قد انقسموا إلى بدو وحضر.

فأما البدو فهم الذين يتنقلون في مجار الرمال، وتغلب عليهم الجلافة والخشونة وهم رعاة للحرب كما كانوا رعاة للإبل. واما الحضر فكانوا يسكنون المدن القليلة التي كانت موجودة في الجزيرة العربية مثل مكة ويثرب والطائف وخيبر في الشمال وعدن ومأرب وحضر موت ونجران وصعدة ومسقط والبحرين في الجنوب وعلى شاطىء البحر الأحمر نرى جده والمشلل وينبع وغيرها.

وقد أثْرَت قريش من التجارة ثراءً عظيماً وظهر فيها كثير من الأثرياء كأبي سفيان والوليد بن المغيره وعبد الله بن حدعان الذي استطاع أن يسلح في حرب الفجار مائة رجل بالسلاح الكامل. وقد كان القرشيون مثلاً بمثابة الوسطاء بين اقليم البحر المتوسط في الشمال كما كان أهل اليمن وسطاء في الجنوب اذ أن البعد بين الشام والحبشه مثلاً بُعْدٌ لا يستطيع تاجر أن يجوزه فكانوا هم الوسطاء بين آسيا الوسطى وفلسطين والحبشه واليمن حيث التوابل وغيرها.

وبما أن التجارة تقتضي علماً بالسياسة العامة والعلاقات التجارية فقد اهتم أهل مكة بالعلاقات السياسية بين فارس والروم وبين اليمن والحبشه وما هي العلاقات في هذا الوقت وكيف يمكن أن تنعكس على تجارتهم.

ويمكننا القول أن نظرة سريعة على هذه التضاريس الصعبة والمسافات الشاسعة بين المدينة والأخرى أن الواقع ينعكس على الطباع، فخشونة تضاريس أرضهم قد انعكست عليهم حتى في علاقة الرجل بالمرأة عندهم، حتى وإن ذكرها في شعره وتغزل بها فإن نظرته لها كانت تنم عن نظرة علوية يرى نفسه أعلى منها مرتبة وأنه هو الذي يغزوا ويركب الخيل ويرعى الإبل ويدافع عن الشرف ويحمي الأعراض حتى وصل الأمر به أن يئدها بأن يدفنها في الرمل حية خوفاً من أن يلحقه العار أو من الخوف من الجوع أو السبي. حتى اذا قيل له أن امرأته قد أنجبت أنثى حزن وأسود وجهه واشتد به الغيظ، فقد كانت الزوجة في الغالب الأعم مهضومة الحق عند زوجها فما هي الا أداة للشهوة والاستمتاع وهما الدافعان للزواج بل ولتعدد الزوجات والطلاق على مزاج الرجل ويخضع لهواه.

والزواج أنواع عند العرب قبل الجاهلية، منها نكاح الناس: وذلك بأن يخطب الرجل الى الرجل  ابنته فيصدقها ثم يتزوجها. ومنها الاستبضاع: وفيه أن يقول الرجل لامرته إذا طهرت إذهبي إلى فلان فاستبضعي منه ثم  يعتزلها زوجها حتى يظهر حملها ويفعل ذلك رغبة في نجابة الولد. ومنه أيضاً أن يجتمع الرهط دون العشرة فيدخلون على المرأة يصيبونها فإذا حملت ووضعت أرسلت إليهم جميعاً ثم تقول لأحدهم هذا ولدك. ومنه أن يجتمع الناس إلى ذوات الرايات الحمر وهن ـ البغايا ـ فإذا حملت إحداهن نسب الولد إلى من يشبهه وهو معروف عندهم بالقيافة وكان العرب يمدحون الرجل فيقولون أنه لم يكن يرخي عبائته لتمسح آثار قدميه يعني أنه لم يكن يمشي إلى ذوات الرايات الحمر.

وكان الرجل اذا مات ألقى ولده عبائته على زوجة أبيه فيتزوجها وكانت هذه شائعة في المدينة وفي مكة، وكان هذا الرجل يسمى الضيزن (هو الذي يزاحم أبيه في امرأته)، وقال ابن عرفه كان العرب إذا تزوج الرجل إمرأة أبيه فاولدها قيل للولد (المقتي) وأصل المقت هو البغض في قول الحق )إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً( (النساء 22)، وكانت هذه السيرة في الأنصار شائعة لازمة، وفي مكة وقريش مباحه ومنهم عمرو بن أميه خلف على إمراة أبيه فولدت له مسافراً وأبا معيط وكان لها من اميه أبو العيص وغيره وقال الأشعث بن سوار: توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار فخطب إبنه قيس امرأة أبيه فقالت: إني أعدك ولداً ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه و سلم استأمره فأتته فأخبرته فأنزل الله هذه الأية، وقد كان من العرب من تزوج إبنته وهو حاجب بن زراره تمجس وفعل هذه الفعله.

ومن أنواع النكاح عند الجاهليين ايضاً الزواج بالأسر وأخبار السبي في الشعر الجاهلي منتشرة وكان يطلق على السبية إسم (النزيعة) يعني المرأة التي انتزعت من أهلها ويطلقون على ولدها النزيع وقد كانت مكة مركزاً لبيع السبي من مختلف البقاع، والعرب كانوا يعتقدون أن أبناء السبايا من خيرة الأبناء كما نستدل على ذلك من شعر حاتم الطائي: (ص78 عادات الزواج وشعائره لأحمد الشنتاوي، دار المعارف مصر).

وما أنكحونا طائعين بناتهم          ولكن خطبناها بأسيافنا قسرا

فما رادها فينا السباء مذلة           ولا تحلفت خبزاً ولا طبخت قدرا

ولكن خلطناها بخير نسائنا          فجائت بهم بيضاً وجوههم زهرا

وكائن ترى فينا من إبن سبية          إذا لقي الأبطال يطعنهم شزرا

ويأخذ رايات الطعان بسيفه          فيوردها بيضاً ويصدرها حمرا

ومن أنواع الزواج عند الجاهليين الزواج بالشراء وقد كان أكثر الأنواع إنتشاراً بين العرب في الجاهلية وكان ينظر إلى الفتاة على أنها سلعة من السلع التي تزيد من ثروة أبيها ولذلك كان العرب في الجاهلية يسمونها ( النافجه ) يعني البنت في بداية البلوغ ومن تحياتهم عند ولادة البنت (هنيئاً لك النافجه) إلى أن جاء الإسلام فأبدل الصداق بالشراء.

ومن الأنواع أيضاً الزواج بالميراث وقد كان عادةً شائعةً أيضاً، والقاعدة في ذلك أنه إذا مات الرجل ورث أخوه أرملته فإن لم يكن له أخ ورثها أقرب الرجال إليه، وظل هذا الأمر قائماً إلى أن جاء الاسلام فحرم ذلك بالآية الكريمة )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ( (19 النساء).

ومنه أيضاً زواج المتعة وهو تزويج المرأة إلى أجل فإذا أنقضى الأجل وقعت الفرقة وقد ظل هذا الزواج قائماً إلى فتح خيبر ثم حرم.


من كتاب قراآت سياسية من السيرة النبوية ، جواد عبد المحسن الهشلمون

إرسال تعليق

0 تعليقات