مسؤولية الوالد تجاه المولود
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} التحريم 6
ان من اظهر المسؤوليات التي عُنيَ بها الاسلام وامر بها كل من تعلقت به مسؤولية رعايته لغيره ، اذ ان هذه الرعاية امر شاق من جانب وهامة من الجانب الاخر ، فأما كونها شاقة فلأنّ هذه المسؤولية لها متعلقات في الدنيا وتبعات في الاخرة ، وأما انها هامة فلأنها تحدد مسار وحياة انسان لم يدرك ولا يستطيع رعاية نفسه بنفسه .
ان الولد حين يولد او حتى بعد مولده لا يستطيع رعاية نفسه بنفسه فكان الاب والام هما المسؤولان عنه في مراحل الطفولة والتمييز والمراهقة الي ان يصبح مكلفاً شرعا وحتى بعد بلوغه سن التكليف لا بد من رعايته في كل مرحلة رعاية تقتضيها هذه المرحلة ، فالولد حين يولد انما هو امانة في عنق والديه ، فلا يجوز التفريط في هذه الامانة او خيانتها .
ان المولود حين يولد يعطيه الله حقاً ولا يجوز التفريط في هذا الحق وليس كل حق المولود الاكل والشرب والتطبيب وانما هو جزء من هذا الحق ، فالجهل ليس بعذر في شريعة الاسلام ، فمن اراد ان يمتهن مهنة كتجارةٍ او صناعة وجب عليه تعلم الاحكام الشرعية المتعلقة بهذه المهنة ، وكذلك الامر بالنسبة للوالد فمن تزوج وولد له ولد فواجب عليه ان يتعلم الاحكام الشرعية المتعلقة بهذا الولد وحقوق ولده عليه .
ان غياب تطبيق الاسلام وغربة المسلمين عن حياتهم الاسلامية قد جعل الكثير من الاباء والامهات يجهلون هذه الاحكام جهلاً تاماً ، بل انك قد تجد منهم من يستغرب من هذا الطرح حين عرضه والتحدث فيه ، وقد تظهر أمارات التعجب والاستغراب ، فإنهم لم يألفوا هذه الاحكام لبعدها عنهم او بعدهم عنها .
ان الله جلت قدرته قد اودع في قلب الوالد والوالدةِ من حب وعاطفة ورحمة نحو الاولاد ما لا يمكن انكاره او التغاضي عنه ونحن هنا لا نناقش قضية الرحمة والحب وانما نحاول ان نضبط هذه العاطفة بالاحكام الشرعية المتعلقة بهذا الامر ، فإن اسباب الرحمة في جميع الخلائق من فيض رحمة الله عز وجل فقد روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ان الله مئة رحمة ، انزل منها رحمة واحدة بين الجن والانس والبهائم والهوام فيها يتعاطفون وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأخر تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة ) وفي رواية ( جعل الله الرحمة مئة جزء ، فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الارض جزءً واحد ، فمن ذلك الجزءُ يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية ان تصيبه )
ان عاطفة الامومة والابوة موجودة عند كل انسان مسلم كانَ او كافر ، ولكن الله عز وجل قد حدد بالاحكام الشرعية الواجب اتباعها هذه العلاقة وهذه الواجبات والحقوق المترتبة للولد على والديه ، وضبط هذه العاطفة حتى لا تكون هذه العاطفة مهلكة للولد ، فالقضية التي نحن بصددها ليست القدرة على الانجاب ووجود العاطفة وانما القضية هي القدرة على ايفاء هذا المولود حقوقه وتربيته وفق امر الله ونهيه .
ان الرحمة اذا حلت قلب الابوين وترسخت وضبطت ضبطاً يؤدي المطلوب ولا يفسد الولد ادّت ما عليها من حق تجاه من اوجب الله عليها حق الرعاية ، لا فرق في الرحمة بين ولد وولد ، فلا يقال هذه انثى وهذا ذكر ، فكلاهما ولد واجب الرعاية وشموله بالرحمة فقد روى الامام احمد وابن حبان عن النعمان بن بشير ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ( اعدلوا بين ابنائكم ، اعدلوا بين ابنائكم ، اعدلوا بين ابنائكم ) فالمحبة والمعاملة والنظرة الحانية والملاطفة الرحيمة وكل ما يدور ضمن هذه الدائرة هو المطلوب دون تمييز بين ذكر او انثى .
ان الله عز وجل قد وصف حال من يحمل الفكر الجاهلي حين يأتيه البشير في قوله تعالى{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ{58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ{59}النحل ، فإذا وجد في المجتمع الاسلامي من يتصرف بهذه الطريقة فإن هذا الامر يعود لعدم فهمه للاسلام اوعيشه في البيئة الفاسدة وحمله للتقاليد الاجتماعية البغيضة وصدق الله العظيم{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ }الشورى49،فإن هذه فكرة جاهلية ولا يجوز للمسلم ان يحملها او ان يتصرف على اساسها في استقباله للمولود او في تصرفه معه او حين يتعاطى مع اولاده الذكور تعاطياً يختلف عن تعاطيه مع اولاده الاناث ، سواء في العطية او في الارث وصدق الله العظيم{آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً }النساء11.
ومن اجمل ما قرأت عن عاطفة الوالد تجاه ولده ما قاله ابو بكر الطرطوسي :
لو كان يدري الابن أيَّةُ غصَّةٍ | يتجرع الابوان عند فراقه |
امٌّ تهيجُ بِوَحدةٍ حيرانة | وأبٌ يسحُّ الدمع من آماقه |
يتجرعان لِبينِْهِ غُصَصَ الردى | ويبوح ما كتماه من اشواقه |
لَرَثى لامٍ سُلّ من احشائها | وبكى لشيخٍ هام في أماقه |
ولبدَّل الخلق الابيَّ بعطفه | وجزاهما بالعطفِ من اخلاقه |
واذا اردنا ان تستعرض حقوق الولد فإنها تبدأ قبل ولادته وذلك بإختار الزوجة التي تنجب هذا الولد ، وهذا الاختيار يقع عليها لاسباب ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه مسلم والبخاري عن ابي هريرة ( تنكح المرأة لاربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) وتربت يداك كلمة تفيد الحث والتحريض والدعاء له بكثرة المال فصار المعنى : اظفر بذات الدين ولا تلتفت الى المال وغيره وروى الطبراني في الاوسط عن انس رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال ( من تزوج امرآةً لعزها لم يزده الله الا ذُلاً ، ومن تزوجها لما لها لم يزده الله إلا فقرا ، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءةً ، ومن تزوج امرآة لم يرد بها إلا ان يغض بصره ويحصن فرجه ، او يصل رحمه ، بارك الله له فيها وبارك لها فيه ) .
وروى ابن ماجة والديلمي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه قال ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ) وروى الدارقطني والعسكري وابن عدي عن ابي سعيد الخدري مرفوعاً ( اياكم وخضراء الدمن ، قالوا يا رسول الله وما خضراء الدمن ....؟؟؟ قال المرأة الحسناء في المنبت السوء ) ومما يروى ان عثمان ابن ابي العاص الثقفي اوصى اولاده في تخير النطف فقال لهم ( يا بنيَّ الناكح مغترس ، فلينظر امرؤ حيث يضع غرسه ، والعرق السوء قلَّما يُنجب ، فتخيروا ولو بعد حين ) .
وفي الرواية المشهورة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث جاءه رجل يشكو اليه عقوق ابنه فبعث عمر للابن ولامه على عقوقه لابيه فسال الابن امير المؤمنين عمر بن الخطاب : يا امير المؤمنين اليس للولد حقوق على ابيه ..؟؟ قال بلى ، قال وما حق الولد على ابيه قال عمر ، ان يحسن اختيار امه ، وان يحسن اختيار اسمه ، وان يعلمه الذكر وتلاوة القران ، واذا بالولد يقول ، يا امير المؤمنين ، ان ابي لم يصنع شيئاً من هذا ، اما امي فهي زنجية كانت لمجوسي ، واما اسمي فقد سماني جُعلأ – وهو اسم حشرة – ثم انه لم يعلمني حرفاً واحداً من كتاب الله عز وجل ، فالتفت امير المؤمنين الى ابيه وقال : لقد جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل ان يعقك وأسأت اليه قبل ان يسيء اليك .
اعمال يوم الولادة : -
1- البشارة وادخال السرور الى القلب ، فإنه عمل من اعمال التحبب واشاعة الالفة والمحبة بين المسلمين ، وقد ذكر الله عز وجل البشارة في القرآن الكريم في مواضع منها قوله عز وجل{وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ }هود69، وقوله تعالى {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى} آل عمران 39 ، وقد روى البخاري ( ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما ولد بشرت به ثُُويبةُ عَمُّهُ ابا لهب وكان مولاها وقالت : قد ولد الليلة لعبد الله ابن ، فأعتقها ابو لهب سروراً بولادته ، فلم يضيّع الله ذلك له ، وسقاه بعد موته في النقرة التي في اصل ابهامه ) والنقرة هي الشيء المتجوف الذي بين الابهام والتي تليها من الاصابع .
اما كيفية التهنئة ، فقد روى الامام ابن قيم الجوزية في كتابه تحفة المودود عن ابي بكر بن المنذر انه قال : روينا عن الحسن البصري : ان رجلاً جاء اليه وعنده رجل قد ولد له غلام ، فقال له : يَهْنكَ الفارس ، فقال الحسن : ما يدريك افارس هو ام حمار ...؟؟؟ قال الرجل : فكيف نقول : قال قل : بورك لك في الموهوب ، وشكرت الواهب ، ورزقت برّه ، وبلغ اشده ومن طريف ما سمعت انه كان عندنا شيخاً فاضلاً له ولد وقد سماه حين ولد ( يسري ) وكان هذا الولد اينما توجه لا يأتِ بخير فقال عنه والده :
كل الامور اذا ضاقت الي يسر الا اموري اذا ضاقت فمن يسري
2 – التأذين والاقامة عند الولادة : والتأذين في اذنه اليمنى ، والاقامة في اذنه السيرى ، وذلك حين ولادته لما رواه ابو داود والترمذي عن ابي رافع انه قال ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة رضي الله عنها ) .
وروى البيهقي وابن السني عن الحسن بن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( من ولد له مولود فأذن في اذنه اليمنى ، واقام في اذنه اليسرى لم تضره ام الصبيان ) وام الصبيان هي الريح التي تعرض للولد ويخشى عليه منها ، وقيل هي التابعة من الجن وهي المسمّاة عند الناس بالقرينة .
3 – تحنيك المولود عند ولادته ، والتحنيك هو مضغ التمرة وذلك حنك المولود ، وذلك بوضع جزءٍ من الممضوغ على الاصبع وادخاله في فم المولود ثم تحريكه يميناً وشمالاً بحركة لطيفة وقد جاء في الصحيحين من حديث ابي بردةَعن ابي موسى قال ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسماه ابراهيم وحنكه بتمرةٍ ، ودعا له بالبركة ودفعه الي )
4 – حلق رأس المولود والتصدق بوزن الشعر فضة فقد روى الامام مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد بن ابيه قال : وزنت فاطمة رضى الله عنها شعر الحسن والحسين ، وزينب وام كلثوم ، فتصدقت بزنةِ ذلك فضة . وذكر ابن اسحق عن عبد الله بن ابي بكر عن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنه قال : عقَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسن شاة ، وقال ( يا فاطمة ، احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة ، فوزنته فكان وزنه درهماً او بعض درهم ) .
5 – تسمية المولود : ان المولود حين يولد يختار له ابواه اسماً يعرف به ويميزه ، وتتعلق بهذا الاسم احكاماً شرعية لا تجوز مخالفتها ، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ( اغيظ رجلٍ على الله يوم القيامة وأخبثه رجل تسمّى مَلِك الاملاك ، لا ملك إلا الله) وروى الترمذي وابن ماجة عن ابن عمر ( ان ابنة لعمر كان يقال لها عاصية ، فسماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميله ) قال ابو داود : غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسم العاصي وعزيز وعتلة – الشدة والغلظة – وشيطان ، والحكم ، وغراب ، وحباب – نوع من الحبات ، وسمّى حرباً سلماً وسمّى المضطجع : المنبعث ، وبني الزِّينة سماهم بني الرشدة ، وسمّى بني مُغوية بني رشده ، قال ابو داود تركت اسانيدها اختصاراً ) .
ان اختيار الاسم المناسب للمولود او الذي يريده ابواه لا بد ان لا يخالف ما امر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد روى مسلم وابو داود والترمذي عن سمرة بن جندب قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( احب الكلام الى الله اربع : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر ، ولا تسمينَّ غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا افلح ، فإنك تقول : اثمَّ هو ..؟؟ - يعني اهناك يسار مثلا – فلا يكون فيقول لا – يعني لا يوجد يسار فيكون الجواب قبيحاً – انما هن اربع فلا تزيدنَّ علي ) وان يجنبهُ الاسماء المعبدة لغير الله مثل عبد العزى ، وعبد الكعبة ، وعبد النبي وما شابهها ، وأن يجنبه كذلك الاسماء القبيحة التي تمس بكرامته ويكون اسمه مدعاةً للاستهزاء به والسخرية عليه مثل فرفور ، ونمله فقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( كان يغيِّر الاسم القبيح )
من جملة ما سبق نخرج ان الوالد او الوالدة عليهما الاهتمام بإنتقاء الاسم الحسن الجميل تنفيذاً لما ارشد اليه رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم وحض عليه وأمر به او نهى عنه ، فقد روى ابو داود عن ابي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( انكم تدعونَ يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا اسماءكم ) وليس كما تقول العامة بأسمائكم وأسماء امهاتكم ، وروى مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ان احب اسمائكم الى الله جل وعلا عبد الله وعبد الرحمن ) .
ان الاسم ربما يأخذ حامله منه بعض صفاته فلا بد للاب ان يجنب المولود الاسماء التي فيها تميّعٌ وتشَّبه وغرام مثل ، هيام وهيفاء ونهاد وناهد وسوسن وميادة وغاده واحلام وما شابهها حتى تتميز الامة بشخصيتها وتعرف بخصائصها ولا عجب ان يحض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الامة على ان يتسمّوا بأسماء الانبياء وبعبد الله وعبد الرحمن وما شابهها من الاسماء وحتى تتميز الامة عن غيرها من الامم في كل مظاهر حياتها حتى في اسمائها فقد روى ابو داود والنسائي عن ابي وهب الجشمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( تسمّوا بأسماء الانبياء ، وأحب الاسماء إلى الله : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث ، وهمام ، وأقبحها : حرب ، ومُرة ) .
وروى الامام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد : ان عمر بن الخطاب قال لرجل : ما اسمك ..؟؟ قال : جَمره ، قال ابن من ....؟؟؟ قال : ابن شهاب . قال :ممن...؟؟ قال : من الحرقة ، قال : اين مسكنك ...؟؟؟ قال : بحرةِ النار ، قال : بأيتها ...؟؟؟ قال : بذات لظى ، قال عمر : ادرك اهلك قد هلكوا واحترقوا ، فكان كما قال عمر .
6 – تكنية المولود : فإنها من السنة ، وتكنية المولود بأبي فلان ومناداته بها تعطيه من الاحترام والثقة بالنفس وأنه محترم من قبل الناس ، وكيفية ادب الخطاب للكبار وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكنّي الاطفال يناديهم بها تعليما وأرشاداً للامة حتى ينهجوا نهجة ويستنوا بسنته ، فقد جاء في الصحيحين من حديث انس قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احسن الناس خلقا ، وكان لي اخ يقال له ابو عمير ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم اذا جاءه يقول له : ( يا أبا عُمير ما فعل النُّغير ) – النغير اسم طائر كان يلعب به .
7 – العقيقة : ومعناها في اللغة الشقٌ ، ومنه عقَّ والدية اذا شق طاعته وقطعهما ، وأعقَّ جاء بالعقوق ، وفي الحديث : قال ابو سفيان بن حرب لحمزة سيد الشهداء رضي الله عنه يوم احد حين مرَّ عليه وهو مقتول : ذُق عَقق ، يعني ذق جزاء فعلك ، ومنه قول عنترة : -
وسيفي كالعقيقة فهو كمعي سلاحي لا افلَّ ولا فُطارا
فهو سيف مسلول انشق وسطع وعقَّ البرق انشق واما معناها الاصطلاحي : فإنها ذبح الشاةِ على المولود يوم سابعه ، ودليل مشروعية العقيقة ما روى البخاري في صحيحه عن سلمان بن عمار الضبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( مع الغلام عقيقة ، فاهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الاذى ) ويقول صاحب لسان العرب في هذا المعنى ان العقيقة هي الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد ، وانما سُميت تلك الشاة التي تذبح في تلك الحال عقيقة لانه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح ، ولهذا قال في الحديث اميطوا عنه الاذى ، يعني بالاذى ذلك الشعر الذي يحلق عنه ، وهذا من الاشياء التي ربما سميت باسم غيرها اذا كانت معها او من سببها ، فسميت الشاة عقيقة لعقيقة الشعر .
فكان من اعمال اليوم السابع ترافق العقيقة بالحلق والتسمية ، فقد روى الترمذي والنسائي وابن ماجة عن الحسن بن سمره : ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في العقيقة ( كل غلام مرتهن بعقيقته ، تذبح عند يوم سابعه ، ويحلق رأسه ، ويسمّى ) وهي تشمل الذكر والانثى لما رواه الامام احمد والترمذي عن ام كرز الكعبيه انها سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال ( عن الغلام شاتان ، وعن الانثى واحدة ) وان تذبح العقيقة على اسم المولود فقد روى ابن المنذر عن عائشة قالت : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( اذبحوا على اسمه فقولوا ، بسم الله ، اللهم لك وإليك ، هذه عقيقة فلان ) .
8 – الختان : في اللغة هو موضع القطع من الذكر والانثى وأصل الختن القطع ، ويقال اطرّحت ختانته اذا استقصيت في القطع ، وهي القُلْفَةُ – الجلدة – التي على رأس الذكر .
قال الاصمعي : ابن الاعرابي : الختن ابو امرأة الرجل ( حماه ) واخوا امرأته وكل من كان من قبل امرأته .
وأما الختان اصطلاحاً فهو الحرف المستدير على اسفل الحشفة ، يعني موضع القطع من الذكر ، وهو الذي تترتب عليه الاحكام الشرعية المتعلقة بالجنابة ووجوب الغسل والزنى فقد روى الامام احمد والترمذي والنسائي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ( اذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ) وفي رواية الطبراني ( اذا التقى الختانان وغابت الحشفة فقد وجب الغسل ، انزل او لم ينزل )
اما حُكمه : فانه سنة للرجل ومكرمة للمرأة عند الحنفية والامام الحسن البصري وبعض الحنابلة للحديث الذي رواه احمد عن شداد بن اوس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : ( الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء ) ومن حججهم ما قاله الحسن البصري انه : قد اسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس : الاسود والابيض والرومي والفارسي والحبشي .. فما فتش احداً منهم . فلو كان الختان واجباً لما قبل اسلامهم حتى يختتنوا .
والذين قالوا بوجوبه هم : الشعبي وربيعة والاوزاعي و يحيى بن سعد الانصاري ومالك والشافعي وأحمد . وشدد الامام مالك في امر الختان حتى قال ( من لم يختتن لم تجز امامته ، ولم تقبل شهادته ) وحجتهم ما رواه الامام احمد وابو داود عن عثيم بن كليب عن ابيه عن جده انه جاء الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : قد اسلمت ، قال : ( القِ عنك شَعرَ الكفر واختتن ) يعني احلق رأسك . وروى الترمذي والامام احمد عن ابي ايوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( اربع من سنن المرسلين : الختان والتعطر والسواك والنكاح ) .
وروى وكيع عن سالم عن عمرو بن هرم عن جابر عن يزيد عن ابن عباس قال ( الاقلف لا تقبل له صلاة ، ولا تؤكل له ذبيحة ) ولخبر ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( من اسلم فليختتن ) ذكره الحافظ ابن حجر في التخليص وقد ذكر في نيل الاوطار حديث لابي هريرة ( اختتن ابراهيم خليل الرحمن بعدما اتت ثمانون سنة ، واختتن بالقدّوم ) .
واما انه مكرمة الاواجب للنساء عند الحنابلة حديث ام عطية ( اذا خفضت فأشمّي) وما روى عن جابر بن زيد موقوفاً عليه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للخافضة – الخاتنة – اشمّي ولا تنهكي ) يعني اقطعي بعض النواة ولا تستأصليها ، ويسمى ختان الرجل إعذاراً ، وختان المرأة خفضا .
حديث رمضان 8 لعام 2010
جواد عبد المحسن
0 تعليقات