الشعوبية


الشعوبية

كلمة منسوبة للشعوب، فهى بذلك لا تفرق بين شعب وآخر من حيث الرفعة أو الضعة وإنما تدعو للمساواة وهى بهذا المعنى متفقة مع الفكر الإسلامى الذى يرى أنه لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأعجمى على عربى إلا بالتقوى فالمفاضلة تكون بين الأفراد حسب أعمالهم، وليست بين الجماعات والشعوب، وجرئ الحال على ذلك فى صدر الإسلام، فبلال الحبشى وصهيب الرومى، وسلمان الفارسى كانوا من خيرة الصحابة، وعندما غضب أبو ذر الغفارى على عبد له ، وقال له يا ابن السوداء، صاح به الرسول .. إنك امرؤ فيك جاهلية، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بعمل صالح.
وبدأ الإسلام يتسع على يد العرب، ويضم أقوامًا لهم فى التاريخ مكان مجيد، وجاء العصر الأموى الذى كان يعتمد على سيوف العرب فى فتوحاته وتوسعه، وظهرت روح جديدة لايقِرها الإسلام وهى الفرق بين العرب والموالى، وفى أيسر تعريف للموالى أنهم المسلمون من غيرالعرب، وأحسّ العرب بتفوق جنسهم الذى كان منه الخلفاء والأمراء والكتاب والشعراء والفقهاء، وافتخر العرب بجنسهم ولم يساووا بين العرب والموالى وبخاصة من الفرس.
ومن هنا بدأ للشعوبية معنى جديد فى التاريخ يرمى إلى التعصب لغير العرب،واعتبارهم بتاريخهم العظيم أسمى من العرب، وقاد يهود فارس هذا الإتجاه، وساعد على ذلك أن الدولة العباسية قامت بسيوف فارسية، وأن مفكرى الفرس اهتموا بالتفوق فى مجالات الأدب والشعر والتفسير والفكر، وذلك ضمن لهم التفوق فى المجال السياسى والفكرى، فأصبح الخلفاء يعترفون بفضلهم ، وأصبح منهم العديد من الوزراء والأدباء والسفراء والمفسرين والمؤرخين.
وبدأوا بحاضرهم وماضيهم يَعّدُون أنفسهم أسمى من العرب، وهذا هو المعنى الذى آل إليه معنى الشعوبية فأصبح للشعوبية معنى مزدوج هو الحطُّ من الجنس العربى، والنيل من الدين الإسلامى، ووسيلتها لذلك التعصب لرفع شأن غير العرب وبخاصة الفرس والتفاخر بأمجادهم، ورقى حضارتهم، وما يتبع ذلك من تصغير شأن العرب والهجوم عليهم، ووصفهم بأحقر الأوصاف.
ويصور الجاحظ حركة الشعوبية وأهدافها بقوله: إن عامة من ارتاب فى الإسلام كانت الشعوبية أساس ارتيابهم فلا تزال الشعوبية تنتقل بأهلها من وضع إلى وضع حتى ينسلخوا من الإسلام لأنه نزل على نبى عربى، وكان العرب حملة لوائه عندما نزل.
ويلاحظ أن الفرس حاولوا أن يشركوا الأجناس غير العربية فى حركتهم الشعوبية فاستعانوا بأجناس وحضارات مختلفة ضد العرب، وتنفيذاً لذلك راحوا يمجدون حضارة الفراعنة وحضارة الفينيقيين والهند، ولكن ذلك لم يخدع هذه الشعوب، فإن هؤلاء ربحوا عقائديا وثقافيًا وسياسيًا بالإسلام فرفضوا أن ينضموا للفكر الشعوبى وتمسكوا بالفكر الإسلامى الذى يسوَّى بين البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم، والذى يدعو إلى التعاون بين الشعوب الإسلامية لخدمة الجميع.
وبقى الفرس وحدهم فى هذا المضمار، وقد وضعوا بعض الأحاديث التى نسبوها للرسول- صلوات الله وسلامه عليه- والتى تُعلى من قدرهم.
واشترك بعض الشعراء الفرس فى هذا المجال فنظموا القصائد التى يهاجمون فيها . العرب، ومن ذلك ما قاله أحدهم:
همو راضة الدنيا وسادة أهلها        إذا افتخروا لاراضة الشاه والإبل
وقال آخر:
ولست تبارك إيوان كسرى          لَتوْضح أو لحَومل فالدّخول.
ووجد اليهود الفرس فرصتهم فى هذا المجال ليهاجموا الإسلام ورسول الإسلام فقالوا: منا العديد من الأنبياء والمرسلين وليس هناك أنبياء من العرب سوى ثلاثة هم هود وصالح ومحمد، ونسوا أن كثرة الأنبياء فيهم كانت لكثرة زيفهم وضلالهم، فأرسل الله لهم العديد من الأنبياء لإصلاح شأنهم ولكن بدون جدوى، وطعن اليهود الفرس فى إسماعيل الجد الأعلى للرسول صلوات الله وسلامه عليه فقالوا إنه ابن جارية (هاجر)، أما إسحق جدهم فابن حرة (سارة) وهكذا خلق اليهود والفرس هذه النظرة للتفريق بين المسلمين، مع أن الإسلام لا ينظر إلى أصول الناس أو ثرائهم أو ألوانهم ، وإنما ينظر إلى تقواهم وأعمالهم قال تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات 13)
والآية تذكر الناس بوحدة المنشأ، وتقرر أن تقسيم الناس إلى قبائل وضعُ طبيعى ناتج عن تعدد الأولاد والأحفاد، ولكن يهدف للتعارف لا للتفرقة، كما تؤكد الآية أن التفاضل لايتخذ أساسه أصول الناس بألوانهم وأجناسهم، بل ينظر إلى عمق الإيمان وما يقدمه الناس من العمل الصالح.
وأخيرا اتمنى ان الجميع استفاد وعرف معنى الشعوبيه ودورها الخطر لهدم اركان الأمة على طول الزمان الى وقتنا الحاضر ومايجري من حولنا خير دليل على ذلك ...
ام بالنسبة لتاريخ نشأتها واثرها فتعرف الشعوبية بأنها تيارات مختلفة يجمعها العداء للعرب ، جاء في الانسكلوبيديا البريطانيه : ( الشعوبية كل اتجاه مناوئ للعروبة anti-arabisim )، وهذا ماجاء في تعريفات قدامى علمائنا المسلمين فقد قال الإمام القرطبي : ( الشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم) (تفسير القرطبي:11/189) ، ونحو هذا لشيخ الإسلام ابن تيمية ، الا أنه نسب الشعوبية الى النفاق والكفر فقال ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب والغالب ان مثل هذا الكلام لا يصدر الا عن نوع نفاق إما في الاعتقاد واما في العمل المنبعث عن هوى النفس ) وقال أيضا : ( إن بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر او سبب للكفر ) )اقتضاء الصراط المستقيم ص 156) .وتجدر الإشارة الى ان تعريف الشعوبية هذا والتنبيه الى خطرها لايبعد كثيرا عما يراه علي شريعتي المفكر والفيلسوف الإيراني المعروف حيث قال ( تحولت الحركة الشعوبية تدريجيا من حركة تسوية الى حركة تفضيل العجم على العرب وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام الى ضرب سلطة الخلافة) ( التشيع العلوي والتشيع الصفوي ص 121 ) .
وقد اعلنت الشعوبية عن نفسها في بدايات الخلافة العباسية إلا أن جذورها الحقيقية تعود الى عصر الفتوحات الإسلامية عبر تاريخها الطويل ربما نستطيع ان نوجز بالنقاط الآتية :
تصفية قادة الفتح الإسلامي ، حيث تم الانتقام من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ثم الخليفة الثالث عثمان بن عفان ثم الخليفة الرابع علي بن ابي طالب رضي الله عنهم أجمعين – في مؤامرة كبيرة استهدفت وحدة الأمة وهويتها ورموزها ومع ان هؤلاء الخلفاء الثلاثة كانوا صفا واحدا ، وراحوا لقضية واحدة إلا ان الشعوبية راحت تصورهم ضحايا للمنافسات الداخليةعلى الغنائم والمناصب ، يقول علي شريعتي : ( لقد تضمن هذا البرنامج والمخطط المدروس إظهار عمر بمنزلة العدو رقم واحد لعلي ، وذلك انتقاما من دور عمر البارز في القضاء على الدولة الساسانية ) . (التشيع العلوي و التشيع الصفوي 134) .
تشويه العرب والحط من شأنهم وتأليب الشعوب الإسلامية الأخرى على العرب ودعوتهم للثأر والانتقام وقد ألفت في هذا كتب كثيرة منها (لصوص العرب) ، و(مثلب العرب) و(أدعياء العرب)، يقول الفردوسي في (الشاهنامة) : (من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ العرب أن يطمحوا في تاج الملك ، فتبا لك أيها الزمان وسحقا) ، ويقول مهيار الديلمي وهومن أهل بغداد : لاتخالي نسبا يخفضني أنا من يرضيك عند النسب فأبي كسرى على أيوانه أين في الناس أب مثل أبي.
وإمعانا في الكيد حاولت الشعوبية أن تربط نفسها بآل بيت النبوة حتى لايبدو عداؤها للاسلام واضحا ، ولكي تزيد من الهوة بين الطوائف والمذاهب الإسلامية، يقول علي شريعتي : ( وبغية ترسيخ افكارها وأهدافها في ضمائر الناس وعجنها مع عقائدهم وايمانهم عمدت الصفوية الى إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها وجرها الى داخل بيت النبي إمعانا في التضليل لتمخض عن ذلك المسعى حركة شعوبية شيعية مستغلة التشيع لكي تضفي على الشعوبية طابعا روحيا ساخنا ومسحة قداسة دينية ولم يكن ذلك الهدف الذكي متيسرا إلا عبر تحويل الدين الإسلامي وشخصية محمد عليه الصلاة والسلام وعلي رضي الله عنه الى مذهب عنصري وشخصيات فاشية تؤمن بأفضلية التراب والدم الإيراني والفارسي منه على وجه الخصوص )، (التشيع العلوي والتشيع الفارسي ص 122) . وقد دعم علي شريعتي تحليله هذا بعشرات المواقف والقصص والشواهد ، وتجدر الإشارة هنا أن شريعتي ليس سنيا بل شيعي إيراني ويعد من رواد الثورة الكبار ، يقول الخامنئي نفسه : ( إن النجاح الذي حققه شريعتي لم يحققه سواه ) مجلة الوحدة العدد 162 _1994م).
التحالف مع القوى الأجنبية المعادية للإسلام والمسلمين من تحالف الطوسي وابن العلقمي مع هولاكو والمغول يذكرنا علي شريعتي بتحالف آخر لايقل خطورة عن الأول فيقول : ( من القضايا الواضحة وجود نحو ارتباط بين الصفوية والمسيحية حيث تضامن الاثنان لمواجهة الإمبراطورية الإسلامية العظمى التي كان لها حضور فاعل على الصعيد الدولي إبان الحكم العثماني وشكلت خطرا جديا على اوروبا ، فعمدوا الى تقريب التشيع من المسيحية حتى يتيقن بأن كلب المسيحي الإفرنجي اطهر من السنة الذين قتلوا الحسين ) (التشيع العلوي والتشيع الصفوي ص206) . واليوم حين بشر بوش بحملته (الصليبة الجديدة) لم ينس ذلك التاريخ الطويل للشعوبية فراح يتحالف معها أو يستخدمها لتحقيق اهدافه بأقل مايمكن من الخسائر ولولا هذا التحالف الشرير لما سقطت بغداد بأيدي الغزاة حيث راح الشعوبين الجدد يروجون في البسطاء من الناس ان بوش وبلير يعملان لوجه الله من اجل تحرير العباد والبلاد وإنقاذ المظلومين والمحرومين وان العراق سيكون أنموذجا يقتدى به في الحرية والتقدم والرفاه !!!!!


 حديث رمضان 16

2018

جواد عبد المحسن







إرسال تعليق

0 تعليقات