استكمالا للموضوع السابق وحتى تتم الفائدة ان شاء
الله وفي معرض بحثي عن جذور هذه القضية لفت نظري موضوع متصل ,يلقي الضوء على كيفية
صناعة الابواق والتي لا تختلف اليوم عن الامس,فالداعون اليوم هم تلامذة لمن سبقهم
من الاساتذة,وحتى لا اتهم بالقذف او التشهير او اختلاق الحوادث وحتى لا اتعرض لاسم
من الاسماء الابواق من المعاصرين احببت ان اقدم هذا الموضوع باسم صاحبه وبقلمه وبنفس
عنوانه,فهذه الاسماء تؤدي ادوارا محددة في اوقات محددة لخدمة نفس القضية.
جسر التطبيع الثقافي مع الصهاينة درية شفيق
أحمد عادل
درية شفيق، اسم اشتهر بالدعوة إلى تحرير المرأة، بل وانحلالها وانعتاقها من
كل ضابط شرعي، أو أمر قرآني، أو حديث نبوي، ولم تقف عند ذلك الحد، بل كانت بوق داعية
للاستعمار والفكر الغربي، وجسرًا يعبر عليه الصهاينة لانتزاع تطبيع ثقافي مع العرب
والمسلمين.
وُلدت درية شفيق في مدينة طنطا بمحافظة الغربية بدلتا النيل في عام 1908م، درست
في مدرسة البعثة الفرنسية في طنطا, وتم إرسالها ضمن أول فوج طالبات من قِبل وزارة المعارف
المصرية للدراسة في جامعة "السوربون" في باريس على نفقة الدولة, وهي نفس
الجامعة التي حصلت منها على درجة الدكتوراه في الفلسفة عام 1940م, وكان موضوعها
"المرأة في الإسلام".
وعندما انتسبت للجامعة في مستهل عهدها بقبول الفتيات والطالبات إلى جانب الفتيان,
يذكر الدكتور سيد العفاني في كتابه أعلام وأقزام فيقول: (من خلال هذا التحدي الجامعي
كانت السيدة وهي طالبة تبالغ في إبراز فتنتها وجمالها، حتى لقد كان يتألم من مظهرها
الأساتذة والطلاب, ومع ذلك فقد واصلت دراستها حتى تخرجت, ثم سافرت وحدها بالطبع إلى
فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه التي كان موضوعها مرتبًا بما تعلقه على نفسها من المساهمة
في سبيله في مستقبل أيامها, لقد كان موضوعها يتعلق بموقف الإسلام من المرأة) [أعلام
وأقزام، د.سيد العفاني، (1/142)].
الذي رأى المسلمون الواعون أن الحملة الفرنسية بقيادة
"نابليون بونابرت" سنة 1798م كانت حملة صليبية جديدة؛ فاجتمعوا يواجهونها
ويجاهدونها الجهاد المقدس في سبيل الله، فإن درية شفيق تقول: (إن اعتبار تاريخ مصر
الحديثة يبدأ بنزول الفرنسيين إلى وادي النيل مبدأ مقبول إلى حد بعيد؛ ذلك لأن مصر
شهدت جديدًا أثناء تلك الحملة، وأنها منذ عرفت الفرنسيين عرفت التقدم في مراحله جميعًا،
وأنها مضت قدمًا نحو أهداف سياسية واجتماعية) [تطور النهضة النسائية في مصر، درية شفيق،
ص(29)].
ومع الإعجاب الشديد بالحملة الفرنسية، كان الانبهار
الشديد بالمرأة الإنجليزية، التي تعدها "درية شفيق" مثلها الأعلى، وتحث فتيات
ونساء المسلمات أن يتخذن من المرأة الإنجليزية مثلًا أعلى، فتقول: وبالرغم من أن ثقافة
معظم المصريين المتعلمين متأثرة أشد التأثر بالثقافة الفرنسية، وبالرغم من أن كثيرًا
من مظاهر حياتنا الاجتماعية منقولة عن مظاهر الحياة الفرنسية الاجتماعية، فإنا لا نجد
في ظروفنا الحاضرة مثلًا أرفع من مثل الإنجليزية المثالية التي نرجو أن نخطو في نشاطنا
النسائي على نهجها وهداها. فالمرأة الإنجليزية سيدة عركها الزمن واستحقت مكانها في
حياة بريطانيا "العظمى" بجدارة تحسدها عليها بنات جنسها جميعًا، إنها سيدة
بيت من الطراز الأول ... وهي أم مثالية بين الأمهات؛ لأن وظيفة الأم عندها رعاية الابن
الممثل فيه الجيل الجديد: جيل إنجلترا الذي ينبغي أن يحافظ على تقاليد تلك الأمة، وفي
مقدمتها تربية الطفل تربية تليق بـ"عظمة" بريطانيا ... فيشب مواطنًا يعرف
مقامه في الدنيا وحسبه هذا المقام الذي يشغله الإنجليز منذ مئات السنين) [تطور النهضة
النسائية في مصر، درية شفيق، ص(97)].
وتقول: (وقد تأثرت المرأة الإنجليزية في ذلك كله
بملكة إنجلترا، ونحن بذلك نضرب المثل بخير مثل وهو جلالة ملكة بريطانيا، فلنأخذ القدوة
من أهل القدوة، وليكن في السيدة الإنجليزية وعلى رأسها ملكة إنجلترا مثالًا لنا في
كفاحنا من أجل السيدة المصرية ونصيبها في الحياة) [تطور النهضة النسائية في مصر، درية
شفيق، ص(99)].
وكما كان متوقعًا أشادت درية شفيق بجهود طه حسين،
ومدرسته وأصدقائه وتلامذته في القضاء على ما أسمته التقاليد السخيفة، فتقول: (وكان
من نتيجة هذه الجهود مجتمعة أن تيسر تحقيق حلم الخديوي إسماعيل القديم، وهو اعتبار
مصر جزءًا من أوروبا) [تطور النهضة النسائية في مصر، درية شفيق، ص(15)].
ثم تنسج
على نفس منوال المديح الزائف، فتعتبر أن الخديوي إسماعيل كان ضرورة لمصر؛ لينتشلها
من الخمول واليأس إلى النضوج والاستواء، وتدلل على ذلك فتقول: (ترقت الحياة في عهد
إسماعيل؛ فشهدت قصوره حياة اجتماعية لم تُعرف في مصر الحديثة، شهدت قصوره الحفلات الراقصة،
وشهد عصره أذواق الملابس الجديدة حتى ألوان الطعام تنوعت، ودخل فيها جديد.
وقد حدثتنا الوثائق المكتشفة أخيرًا أنه اشترك لزوجاته
وسيدات أسرته في سبع مجلات "للموضة"، فكانت نماذج الأزياء في مصر والشرق
العربي تخرج من قصوره، وهذه العناية بشئون النساء ـ وإن كانت خاصة ـ إلا أن وراءها
قلبًا كبيرًا يعرف للمرأة حقها، ونوايا طيبة بدأ أثرها في خلال عصره الزاهر) [تطور
النهضة النسائية في مصر، درية شفيق، ص(45-46)].
علاقتها بالاستعمار:
وبعد رحلة الدراسة إلى إنجلترا، عادت درية شفيق
لتشكل حزب نسائي أسمته "بنت النيل"، لتعود في رحلة أخرى إلى إنجلترا، حيث
قوبلت بحفاوة بالغة، لم ينل مثلها كثير من رؤساء الدول وزعمائها ورحبت بها الصحف البريطانية
بدون استثناء، ونشرت عنها الأحاديث العديدة التي تصورها بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير
المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده، أي أغلال الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات.
وهذا طرف من بعض الأحاديث التي كتبها مراسل لجريدة "سكتشمان" الإنجليزية،
حيث يقول: (إن الأهداف المباشرة لحزب بنت النيل هي كما أوضحتها الدكتورة "درية
شفيق": منح المرأة حق الاقتراع، وحق دخول البرلمان، والمطمع الثاني الذي تهدف
الدكتورة لتحقيقه، هو إلغاء تعدد الزوجات وإدخال قوانين الطلاق الأوروبية في مصر)
[تطور النهضة النسائية في مصر، درية شفيق، ص(29)].
ثم عادت إلى مصر مرة أخرى، حيث عظم نشاطها، وتوفرت
لها أسباب الحماية والحرية، وتهيأت لها عوامل النشر والإذاعة؛ حتى لقد حيل بين أهل
الرأي ودعاة الدين وحماته وبين الرد على دعوتها إلى حرية المرأة من كل قيد.
وزال العجب من القوة التي كانت تقف وراء درية شفيق،
(حين انكشف بعض المستور؛ حيث قدمت إحدى عضوات مجلس إدارة الحزب استقالة مسببة، ما لبثت
أن قبلتها الرئيسة دون عرضها على مجلس الإدارة، وكم كانت الدهشة كبيرة حين علم أنه
قد حيل بين كثير من الصحف وبين نشر سبب الاستقالة، حتى فوجئ الشعب بأن السبب هو أن
السفارة الإنجليزية والسفارة الأمريكية تمدان الحزب بألفين من الجنيهات سنويًّا، عدا
الورق المصقول وغيره فضلًا عن تقديم المشورة والتوجيه) [الحجاب، محمد إسماعيل، ص(80)].
وحتى بعد كشف المستور، لم تتوقف درية شفيق عن علاقتها
بالاستعمار الغربي، ففي إبريل سنة 1951م عقد مؤتمر نسائي دولي في "أثينا"
حضرته هذه المرأة ممثلة المرأة المصرية زورًا وبهتانًا، وقد كان المؤتمر مؤامرة استعمارية
بعيدة المدى كما يبدو من أحد قراراته التي أيدتها "درية شفيق"، فيما يتعلق
بإقرار "سياسة التسليح الدفاعي"؛ مما كان من شأنه تأييد الاحتلال البريطاني
لمصر؛ ولذلك صفقت المندوبة البريطانية تصفيقًا حارًّا لذلك القرار [الحركات النسائية
في الشرق وصلتها بالاستعمار والصهيونية العالمية، د.محمد فهمي عبد الوهاب، ص(28)].
علاقتها بالصهيونية:
وفي أحد رحلاتها، وبينما كانت في مؤتمر للحركات
النسائية بالعاصمة الإيطالية "روما" بصحبة مندوبة إنجلترا، التقت مندوبة
"إسرائيل" "تبيهلا مانمون"، وأثناء انعقاد المؤتمر اتصلت بوفد
"إسرائيل" ورئيسته المذكورة طوال الأيام التي مكثتها هناك، ونشرت الصحف الأوروبية
وبعض المجلات النسوية المصرية الصور الكثيرة التي بدت فيها الدكتورة "درية شفيق"
في أحاديث هامة، وأوضاع شتى مع هذه "الإسرائيلية" الخطيرة.
وأعلنت المندوبة "الإسرائيلية" المذكورة
ارتياحها بالمندوبة المصرية بلندن، ومصاحبتها لها إلى "نابولي" بإيطاليا،
حيث قالت فيما نشرته الصحف الإيطالية والفرنسية: (إنني أهنئ نفسي بهذا الاتصال الذي
ربط بيني وبين السيدة "درية شفيق"، وإنني أعلن لعضوات المؤتمر السادس عشر
في "نابولي" أني عقدت أمالي على الزعيمة المصرية لحل جميع المشكلات بين البلدين:
"إسرائيل" ومصر).
وقد نشرت مجلة نسوية مصرية الصور المختلفة لدرية
شفيق مع رئيسة وفد "إسرائيل"، نقلًا عن الصحف الإيطالية، كما نشرت صورة
"زنكوجرافية" لمقال نشرته بعض الصحف "الإسرائيلية" الصادرة في
"تل أبيب" باللغة العبرية، وكانت صورة "درية شفيق" وهي تحادث مندوبة
"إسرائيل" تتقدم المقال المذكور، وقد جاء في هذا المقال بعد ترجمته: (إن
تل أبيب تتوقع أن الحوادث المقبلة ستزيد مكانة "درية شفيق" شأنًا ورفعة)
[الحركات النسائية في الشرق وصلتها بالاستعمار والصهيونية العالمية، د.محمد فهمي عبد
الوهاب، ص(50)].
ومنذ عام 1969م، عانت "درية" من وحدة
حقيقية، وأخذت "درية" تشغل وقتها بالترجمة لقاء المكافآت، وأخذت تنجز بعض
الكتب وتجمع أشعارها في دواوين، وكان جيرانها يرونها تخرج لتمشي على ضفاف النيل ثم
تعود.
وعانت "درية" عزلة حقيقية وأُصيبت بالاكتئاب،
وكانت تتردد على أحد الأطباء النفسيين المشهورين بمصر، وفي 30 سبتمبر 1975م عاد اسمها
إلى الصفحات الأولى من الجرائد المصرية تحمل خبر انتحار "الدكتورة درية شفيق"؛
لتسدل الستار على حياة مليئة بالخزي والعار.ويقول مصطفى أمين عن ذلك:
(عدت إلى داري بعد أن تناولت الغذاء في واحد من
الفنادق، وفي مدخل المبنى رأيت جمعًا من الناس يحيطون بملاءة بيضاء، وتحت الملاءة وجدت
جثة جارتي "درية شفيق" تلك المرأة التي ملأت الدنيا ضجيجًا وبيانات) [شخصيات
لا تُنسى، مصطفى أمين، ص(257)]
أهم المراجع:
1. أعلام وأقزام، د.سيد العفاني
2. تطور النهضة النسائية في مصر، درية شفيق
3. الحجاب، محمد إسماعيل.
4. الحركات النسائية في الشرق وصلتها بالاستعمار
والصهيونية العالمية، د.محمد فهمي عبد الوهاب.
5. شخصيات لا تُنسى، مصطفى أمين
6. موقع الموسوعة الحرة على شبكة الإنترنت.
جواد عبد المحسن
حديث رمضان - 12
0 تعليقات