الجذور "العلمانية" لحركة تحرير المرأة
العربية
حرصت ما تسمى ب "حركة تحرير المرأة
العربية"، منذ نشأتهاعلى فصل قضية تحرير المرأة عن الدين وربطها بقضية تحرير المرأة
في العالم، فربطت بذلك بين قضية المرأة المسلمة وقضايا المرأة النصرانية والمرأة اليهودية
والمرأة المشركة والملحدة, وساوت بين قضاياهن بوصفهن نساء بغض النظر عن اديانهن، وذلك
في محاولة لفصل قضية المرأة عن قضية الأمة، والأهم من ذلك فصل قضية تحرير "المرأة"
المسلمة عن قضية "الامة المسلمة"، وفصل قضية الظلم الواقع عليها كامرأة عن
قضية الظلم الواقع على امتها، وهكذا تتجزأ القضية الواحدة وتتفتت في مسارات متباينة
متعارضة بل متصارعة، ولم يقف الأمر عند هذه التجزئة بل تعداه إلى جَعْل المرأة المسلمة
تقف خصماً أمام الرجل المسلم وأمام شريعتها، تمتلئ رعباً وهلعاً كلما قيل لها هناك
من يطالب بتطبيق حُكم شريعتك، وتنفرج أساريرها فرحة كلما وُجِّهَت ضربة إلى الشرع الحنيف
عن طريق سن المزيد من القوانين العلمانية المستمدة من قوانين الغرب.
ان الامة الاسلامية قادرة على صد أي هجوم عسكري عليها,وحتى لو نجح هذا الهجوم
فانه يفشل ويهزم امام عقيدتها "كالهجوم التتري" في بدايته, فانه وان نجح
عسكريا فقد امسى التتار من الامة الاسلامية, يذودون عن حياضها ويدافعون عنها.فالهجوم
العسكري خطير ولا نقلل من شأنه ولكن الهجوم الفكري هو اخطر منه بكثير وذلك لانه قد
غلف باغلفة عديدة من المغريات والبهارج والزينة
التي تنطلي حيلها علي كثير من المسلمين وهذا ما فعله الكافر وتوحد عليه رغم اختلاف
جنسياته,فافتعل قضية تحرير المرأة لتكون مدخلا يلج عبره لحرب الاسلام.
ان الاهتمام من قِبَل الخارج بقضية تحرير
المرأة المسلمة ليس من اجلها هي,فالدول ليست جمعيات خيرية ولا مؤسسات احسان, وانما
تقوم بالاعمال لتحقيق هدفها السياسي باي طريق يوصل والغاية عنده تبرر الوسيلة,ورفع
شعار تحرير المرأة ما هو الا معركة في سلسلة الهجمة الشرسة المباشرة وغير المباشرة
من قبل الكافرعلى الشريعة الإسلامية، وما تشجيعهم للمرأة على الخروج على تعاليم دينها
التي التزمت بها طوال أربعة عشر قرناً الا لتفتيت لحمة هذه الامة,وما كل هذا الدعم
المادي وغيره لهذه الجمعيات التي تكاد لا تحصى في بلاد المسامين الا للوصول الى نتائج
واصوات من داخل المجتمع المسلم تنادي وترفع هذه الافكار الدخيلة على مفاهيم هذه الامة.
ان الدعم والاسناد الحكومي لهذه الجمعيات
من قبل انظمة الضرار واضفاء الصبغة الشرعية عليها قد اتاح لها الولوج لكل دقائق حياة
المسلمين والاضطلاع على مكامن الضعف,فمسموح لهذه الجمعيات العمل "بحرية"فقط
في بلادنا بل وسن القوانين التي تحميهم وتجعلهم فوق القانون واضفى عليهم اسماء مثل
(منظمات المجتمع المدني والسلم الاهلي وحقوق الانسان)وغيرها كثير, فلا يسمح لجمعية
المانية مثلا العمل في فرنسا او في غيرها لانها تمس سيادتها ليس هذا فقط وانما لا يسمح
لهذه الجمعيات"الخيرية"ممارسة العمل الذي تمارسه في بلادنا في بلادهم
ويتهم بالخيانة, فمع الاسف الشديد فان بلاد المسلمين مشرعة لكل ناعق,وغير مسموح
لهذه الدول الكرتونية ان يكون لها سيادة حتى ولا اسمية, وقد تجلى هذا التشجيع والدعم
في نواح عدة:
1- الدعم الفكري: تجلى في الكتابات الغربية
التي تهجمت على وضع المرأة في الإٍسلام ودافعت عن حقوقها المسلوبة، وأبرز من كتب في
هذا المجال هو "الكونت دراكور" الفرنسي الذي كتب في عام 1894م. كتاباً تناول
فيه نساء مصر، "وهاجم الحجاب الإسلامي وهاجم المثقفين على سكوتهم"وقد انبرى
للدفاع عن الاسلام من قبلوا بان يكون الاسلام متهما وكان دفاعهم باهتا امام شراسة
الهجوم.
كما تجلى هذا الدعم في الناحية الإعلامية،
وخاصة المكتوبة منها، فانبَرت الصحف الغربية تدافع عما يسمى ب "قضية تحرير المرأة"
المسلمة، وتفتح صفحاتها لدعم المرأة العربية، ومن نماذج هذا الدعم، ما قامت به الصحف
البريطانية من ترحيب ب"درية شفيق" زعيمة حزب "بنت النيل" وتصويرها
بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده",وبرغم
فضائح اتصالاتها مع مندوبة اسرائيل في الوقت الذي رفع فيه شعار(لا صوت يعلوا فوق
صوت المعركة)لم يجرء عبد الناصر من التعرض لها ولو بكلمة,وظل الحال الى اليوم
فتسخر وسائل الاعلام الرسمية بتخصيص مساحات لابراز هذه القضية.
2- الدعم المعنوي: في تشجيع الدوائر الغربية
لحركة ما يسمي ب"تحرير المرأة العربية" ومدحهم الدائم لنشاط الجمعيات النسائية
في الشرق، وكان البعض يأتي مباشرة إلى مصر للتهنئة بنشاط الحركة، والبعض الآخر كان
يكتفي بإرسال بطاقات تهنئة ,ولم تنقطع زيارات الدعم هذه على مدار المئة عام السابقة,بل
ويستجلب الدعم والرضى الاجنبي بتعيين نساء في الوزارات وغيرها ممن يحملون هذه
الفكرة .
3 الدعم المادي: في الأموال التي كانت وما
زالت ترسلها الدول الغربية إلى الجمعيات العربية، وقد فُضح كثير من هذه الممارسات على
العلن,ومنها على سبيل المثال انه تم اعتقال سعد الدين إبراهيم بتهم تلقي أموال من الخارج
و حكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات بتهمة "الإساءة لصورة مصر" و"الحصول
على أموال من جهات أجنبية دون إذن حكومي"، بعد ذلك دعت منظمة العفو الدولية -
آمنستي إنترناشونال - الحكومة المصرية إلى إطلاق سراحه وكذلك امريكا هددت بقطع
المساعدات,ورضخ مبارك,وكذلك بعدسقوط مبارك وفضيحة الطائرة الامريكية التي اخرجت
السجناء الامريكا ن والعودة بهم بعد ان حوكموا,وغيرها كثير.
مطالب الحركة النسائية العربية:
لم تختلف مطالب الحركة النسائية في مراحلها
الأولى عما هي عليه الآن، فمن خلال قراءة أهداف المؤتمرات النسائية التي عُقدت منذ
تلك الفترة والى الآن يتبين بأنها ركزت على تحرير المرأة و تعليمها بشكل عام، ويمكن
حصر أهم مطالب الحركة النسائية العربية في الأمور التالية:
1- الدعوة إلى السفور: ترافقت الدعوة إلى
السفور التي شهدها القرن التاسع عشر مع الدعوات الفكرية والتصرفات العملية، فإضافة
إلى دعوات "قاسم أمين" ورفاقه، عرفت الساحة الفكرية اللبنانية كتابين أثارا
ضجة كبيرة، كون كاتبتهما امرأة هي "نظيرة زين الدين" مؤلفة كتابي "السفور
والحجاب" 1928م. و"الفتاة والشيوخ" 1929م. الذي ألفته رداً على مهاجمي
الكتاب الأول، وعلى رأسهم الشيخ مصطفى الغلاييني.
وتدّعي "نظيرة زين الدين"و كاتبة
وسياسية لبنانية درزية ولدت سنة 1908 في الأستانة وزاولت العمل الصحافي وسخرت قلمها
للدفاع عن المرأة. وتلقب ب"الست نظيره". في كتابها الأول أن الحجاب ليس من
تعاليم الإسلام, وفي كتابها الثاني "الفتاة والشيوخ" تدافع عن السفور وإظهار
حسناته، بل ضرورته، وتخطو في مطالبتها بالسفور خطوة أبعد، إذ تدعو إلى اختلاط الجنسين
أما التصرفات العملية لخلع الحجاب، فإضافة إلى مسرحية خلع الحجاب التي قامت
بها هدى شعراوي في مصر، خلعت "عنبرة سلام" في لبنان حجابها بعد رحلة لها
لمدة سنتين إلى لندن سنة 1928م، وإلقائها المحاضرات في الأماكن العامة ويضاف إلى ذلك
الدور الذي لعبته نظيرة جنبلاط زوجة فؤاد بك جنبلاط وأنجبت منه كمال وليندا وهي جدة
وليد جنبلاط.
2- الدعوة إلى التعليم: بدأت قضية التعليم
تطرح نفسها بعد أن رأت المرأة أن العلم هو السبيل الوحيد للدفاع عن الذات واستعادة
الحقوق المهضومة، وذهب بعض النسوة إلى حد اعتبار
أنفسهن في معركة مع الرجل، يَرَوْن العلم سلاحهن فيها وقد حصل الخلط بين العلم المعتبر
وبين علم الجهل, هذا وقد تصدى كثير من المفكرين والمفكرات لقضية تعليم المرأة، وأوضحوا
ضرورة التفريق بين العلوم الدينية والعلوم الغربية, وكانت باحثة البادية(ملك حفني ناصف
(25 ديسمبر 1886م 17 أكتوبر 1918م) أديبة مصرية وداعية للإصلاح الاجتماعي وانصاف وتحرير
المرأة المصرية في أوائل القرن العشرين). أول امرأة تطرح خطورة مدارس الراهبات والمدارس
التنصيرية فانتقدت أسلوب ومناهج التعليم في تلك المدارس التي اعتبرتها تقوم بدور تنصيري
في مجتمع، اعتبرته هي، أشد ما يجب أن يكون محافظاً على الاسلام وتعاليمه.
وقد حذر "محمد رشيد رضا" من تربية
المرأة المسلمة على الطريقة الغربية، مؤكداً أن لا تربية إلا بالدين وآدابه وفضائله،
لأن المرأة لا تبلغ كمالها إلا بالتربية الإسلامية، أي بما جاء به الإسلام، لا بما
هو عليه حال المسلمين لاندهاشهم بالحضارة الأوروبية، وتلقنهم كل شيء غربي بلا تمييز
بين ما يلائم طبائعهم ويوافق معتقداتهم أو ما يخالف ذلك.
3- الدعوة إلى خروج المرأة إلى العمل: بدأت
الدعوة إلى خروج المرأة إلى العمل مع "هدى شعراوي" التي رأت أن العلم غير
المقرون بالعمل يذهب هباء، فإذا لم تتلقفه مؤسسات المجتمع يتحول إلى عبء، وأن عدم إقبال
المرأة على العمل يرجع إلى ما رسخ في أذهاننا من أن "الشغل مختص بالرجل".
هذا ويعود تاريخ اشتراك المرأة في العمل
"إلى عام 1933م، عندما تخرج في جامعة القاهرة أول فوج نسائي، وبتوالي الأفواج
توسع الزحف على المجالات المختلفة، واشتغلت المرأة بالمحاماة والهندسة والتجارة والاقتصاد
السياسي والبحوث العلمية".
4- الدعوة إلى المشاركة السياسية: شهدت
الفترة الممتدة من عام 1926م. حتي عام 1950م. تحركاً ملموساً من قبل الجمعيات والشخصيات
النسائية للضغط بغية كسب الاعتراف بإدخال المرأة في المشاركة السياسية. وكانت النتيجة
أن أصبح من حق المرأة اللبنانية الانتخاب والترشح عام 1953م، في عهد الرئيسين كميل
نمر شمعون والدكتور عبدالله اليافي، ولم تنل المرأة اللبنانية هذا الحق "بموجب
قانون عادي صادر عن السلطة التسشريعية بل بموجب مرسوم صادر عن السلطة التنفيذية إثر
بروز تكتلات سياسية معارضة.
أما في مصر فقد تم إدخال المرأة المصرية
الميدان السياسي عام 1956م، "وبمقتضى الدستور المؤقت الذي وضع في تلك السنة بات
في مقدورها الإدلاء بصوتها في الانتخابات، وأن ترشح نفسها في الانتخابات النيابية".
5- الدعوة إلى تعديل القوانين: لقد كان
من أهم نتائج دعوة تحرير المرأة على الصعيد القانوني في الدول العربية، إدراج معظم
الدول العربية مبدأ المساواة بين المواطنين كافة، نساءً ورجالاً، في دساتيرها،واعادة
صياغة قانون الاحوال الشخصية ,وأخرجت بالتالي المساواة إلى حيز التنفيذ في مختلف المجالات
وعلى مستويات متعددة.
أخيراً... لا تختلف المراحل الأولى لحركة
تحرير المرأة عن المراحل المتقدمة من حيث ولائها للمجتمع الغربي، وما زالت إلى الآن
تنفذ توصيات مؤتمرات الأمم المتحدة، التي تبناها عدد كبير من الأنظمة العربية والإسلامية.وتأتي
في هذا السياق تعديلات قوانين الأحوال الشخصية بدءاً من مصر، ثم مشروع قانون
"الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"، كما سُمِّيَ، في المغرب وعدد
من الدول، وأخيراً، وليس آخراً، تعديل قانون الأحوال الشخصية في تركيا الذي أنهى سيادة
الرجل على الأسرة وكونه ولي، وفرض مطالب "تحرير المرأة" كاملة، وقد بدأ تنفيذه
مطلع سنة 2002م. حسبما أُعلن وما يحدث في فلسطين ليس شاذا اومنفصل عن هذه السلسلة من
الهجمات لتدمير بنية المجتمع المسلم وجعلها نهبا لمن سلب.
جواد عبد المحسن
حديث رمضان - 12
0 تعليقات