نفحات الله
عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال: « اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات الله عز وجل فإن لله نفحات من
رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوه أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم » أخرجه
البيهقى فى شعب الإيمان، وأبو نعيم في الحلية ., وقال ايضا "إن لربكم في أيام
دهركم نفحات فتعرضوا له لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا" عن
محمد بن مسلمة".كنز العمال.
إن النفحات الإلهية مرتبطة بأمور قدرها الله تعالى
، كالأمكنة كما في الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" قال لا تشد
الرحال إلا ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الأقصى" أخرجه مسلم
من حديث سلمان الأغر,وعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ الله
صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ
صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ" .
والأزمنة
المرتبطة به كليالي الجمعة والقدر ورمضان فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا
, قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم "مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ
رَمَضَانَ بِمَكَّةَ فَصَامَهُ وَقَامَ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ لَهُ كَتَبَ الله لَهُ
مِئَةَ أَلْفِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ ، وَكَتَبَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ عِتْقَ
رَقَبَةٍ ، وَكُلِّ لَيْلَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ ، وَكُلِّ يَوْمٍ حِمْلاَنِ فَرَسٍ فِي
سَبِيلِ الله ، وَكُلِّ لَيْلَةٍ حِمْلاَنِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ الله ، وَكُلِّ يَوْمٍ
حَسَنَةً ، وَكُلِّ لَيْلَةٍ حَسَنَةً"إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة.
، وموسم الحج ، وما شابه ذلك .
وتارة تعود إلى أمور مرتبطة بالعبد نفسه ، فهو الذي
يوجب باختياره توجيه تلك النفحات اليه في احاله من مرض وصحة وفقر وغنى وغضب وحلم, فالقيام
بعمل ذي بال بين يدي المولى تجاوزاً عن شهوة عارمة ، او كظماً لغيظ مستعراو صبرعند
وقوع مصيبة, فعن أم سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ما من عبد تصيبه مصيبة
فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره
الله في مصيبته وخلف عليها خيرا منها ) قالت فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيرا
منه رسول الله صلى الله عليه وسلم"
رواه مسلم عن أبي بكر.. فإن العبد يعيش بعدها حالة من الإنشراح الروحي يعيشه بكل وضوح
بغض النظر عن آلامه الجسدية والنفسية كانسان لانه يعيش حالة الاطمئنان والرضى
لقضاء الله في كل احواله.
ومن جميل ما قرأت للشعراوي في خواطره في قوله
تعالى { إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً }التوبة 36 لذلك كانت
تكاليف العبادة محسوبة بالقمر حتى تسيح المنازل القمرية في البروج الشمسية ، فيأتي
التكليف في كل جو وطقس من أجواء السنة ، فلا تصوم رمضان في صيف دائم ، ولا في شتاء
دائم ، ولكن يُقَلِّبُ الله مواعيد العبادات على سائر أيام ,وهكذا نجد أن حكمة الله
اقتضت أن تدور مواقيت العبادات على سائر أيام السنة حتى يستطيع كل الناس أن يؤدوا العبادات
بلا مشقة . إذن فالمنازل شائعة في البروج ، وهذا سبب قول بعض العلماء : إن ليلة القدر
تمر دائرة في كل ليالي السنة ، وذلك حسب سياحة المنازل في البروج" .
ان لله في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها.. إن
من الضروري أن يهيء العبد المقدمات اللازمة لاستنزال تلك النفحات التي لو توجهت اليه
لأحدثت تغييراً جوهرياً ينعكس على سلوكه الخارجي,كالجزء المتعرض للشمس تدفئه حين
يتعرض لها ولا تدفئه وهو في الظل, فمشكلات الحياة المعاصرة أن طراز حياة المسلمين اليوم
أصبحت خليطاً تضيع فيه الحكمة وتحرم فيه الخصائص من تلبية مطالبها الفطرية، واصبحت
الحياة معه مكفهرة كالحة سريعة ومنزوعة البركة، إذ تصاب النفوس من جراء ذلك بالتذمر،
والسأم، والكراهية، والظمأ الروحي إلى نفحات السعادة التي لا تمر في أجواء مشحونة بالنفور
والحقد والحسد والشماتة والتدابر وكل امراض القلوب التي تنتشر بين الناس في هذه الايام,فكان
لا بد من تطهير القلب تهيئة له لاستقبال هذه النفحات, عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن
أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أيها الناس إن الله طيب لا
يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : يأيها الرسل كلوا
من الطيبات واعملوا صالحا ، يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم , ثم ذكر الرجل
يطيل السفر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب أشعث أغبر مطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه
حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" . صحيح أخرجه مسلم عن أبي كريب.
إن الركون إلى حالات إقبال القلب ، واستذواق اللذائذ
الروحية في العبادات والبحث عنها ، وفي المقابل عدم الاهتمام بالسلوك الخارجي ، لمن
صور تلبيس الشيطان الذي يريد من العبد ان يركن إلى اللذائذ - ولو كانت روحية - بدلا
من السعي الى تغيير الواقع, فمن اللازم ان نعطي النفحة حقها ، فإن الادبار الاختياري
بعد الاقبال ، مما يوجب عدم عود تلك النفحات مرة اخرى .. فهو سوء ادب بين يدي المولى
يوجب مثل هذا الحرمان بل العقوبة.
إن العبد من خلال التجربة يكشف مواقع خاصة في حياته
تتجلى فيها النفحات الالهية.. فعليه ان يستقرء تلك التجارب ويحاول ان يركز على الاعمال
التي توجب له مثل تلك النفحات, وكان سفيان ابن عيينة يقول :لا تكن مثل عبد السوء لا
يأتي حتى يدعي : ائت الصلاة قبل النداء.
ويقول في هذا المقام ابن الجوزي " من الصفوة
أقوام مذ تيقظوا ما ناموا، ومذ سلكوا ما وقفوا فهم في صعود وترق، كلما عبروا مقاما
إلى مقام رأوا نقص ما كانوا فيه فاستغفروا "
خلق الله الإنسان من ضعف، تتنازعه لواعج الهوى وبواعث
الشهوات، ذلك أن طبيعته البشرية الخطاءة تحول بينه وبين الوصول إلى المثالية والكمال
المطلق، ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة متضافرة على استحالة تحول هذا
المخلوق البشري الإنساني الظلوم الجهول إلى ملائكي معصوم من الخطإ مجبول على الطاعة
دون جهد أو معاناة ؛ قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ
تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ
الْإِنْسَانُ كَفُورًا} الإسراء: 67 وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: « ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة أو ذنب
هو عليه مقيم لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنا توابا نسيا إذا ذُكِّرَ
ذكَرَ » رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وصححه الألباني.
وأمام هذا الضعف البشري الذي جبل عليه الإنسان وقوة
نوازع الهوى كان لا بد من كسر معادلة القصر النسبي لعمر الإنسان فكانت منته هذه المواسم
حتى تثقل موازين صاحبها يوم القيامة فيكون من الناجين، قال تعالى: { فَمَنْ ثَقُلَتْ
مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ } الأعراف:
8، 9، فمنح الله عباده مواسم وأماكن ضاعف لهم فيها العمل الصالح وفتح لهم فيها أبواب
الخير مشرعة على مصاريعها، يقبل من عاصيهم ويعفو عن مسيئهم ويمنح مستجديهم, فنفحات
الله منح من خزائن رحمته يصيب بها من يشاء من عباده المؤمنين، فمن تعرض لنفحة منها
سعد سعادة الأبد، والتعرض للنفحات الترقب لورودها بدوام اليقظة والانتباه من سِنة الغفلة
حتى إذا مرت نزلت بفِناء القلوب .
قال العلامة المناوي: ومقصود الحديث « اطلبوا الخير
دهركم كله وتعرضوا لنفحات الله عز وجل فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من
عباده وسلوه أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم »: إن لله فوائض مواهب تبدو لوامعها من
فتحات أبواب خزائن الكرم والمنن في بعض الأوقات، فمن تعرض لها مع الطهارة الظاهرة والباطنة
بجمع همة وحضور قلب حصل له منها دفعة واحدة ما يزيد على هذه النعم الدائرة في الأزمنة
الطويلة على طول الأعمار، فإن خزائن الثواب بمقدار على طريق الجزاء، وخزائن منن النفحة
لا تفرق فيما تعطي عليه، والجزاء له مقدار ووقت معلوم ووقت النفحة غير معلوم بل مبهم
في الأزمنة والساعات، وإنما غُيب علمه لنداوم على الطلب بالسؤال المتداول كما في ليلة
القدر وساعة الجمعة، فقصد أن نكون متعرضين له في كل وقت قياما وقعودا وعلى جنوبنا وفي
وقت التصرف في أشغال الدنيا، فإن المداوم يوشك أن يوافق الوقت الذي يفتح فيه فيظفر
بالعطاء الأكبر ويسعد بسعادة الأبد .
وقد شكا بعضهم إلى أستاذه طول سهره بالليل وأن السهر
قد أضر به ثم قال: أخبرني بشيء أجتلب به النوم، فقال له أستاذه: يا بني إن لله نفحات
في الليل والنهار تصيب القلوب المتيقظة وتخطئ بالقلوب النائمة فتعرض لتلك النفحات ففيها
الخير، فقال: يا أستاذ تركتني لا أنام بالليل ولا بالنهار
وتذاكر قوم قصر الليل عليهم فقال بعضهم: أما أنا
فإن الليل يزورني قائماً ثم ينصرف قبل أن اجلس، وقال علي بن بكار منذ أربعين سنة ما
أحزنني شيء إلا طلوع الفجر، وقال الفضيل بن عياض: إذا غربت الشمس فرحت بدخول الظلام
لخلوتي فيه بربي، فإذا طلع الفجر حزنت لدخول الناس علي
وقال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل
اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، وقال بعض العلماء: ليس في
الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملّق في قلوبهم بالليل من حلاوة
المناجاة، وقال بعضهم: قيام الليل والتملّق للحبيب والمناجاة للقريب في الدنيا ليس
من الدنيا هو من الجنة أظهر لأهل الله تعالى في الدنيا، لا يعرفه إلا هم، ولا يجده
سواهم روحاً لقلوبهم.
أن
مقادير ما يظفر به المتعرض للطف الله تعالى في الأحوال والأعمال يجري مجرى الصيد وهو
كالرزق فقد يقل الجهد ويجل الصيد وقد يطول الجهد ويقل الحظ، والمعول وراء هذا الاجتهاد
على نفحة من نفحات الرحمن فإنها توازي أعمال الثقلين، وليس فيه من اختيار العبد إلا
أن يتعرض لتلك النفحة بأن يقطع عن قلبه جواذب الدنيا فإن المجذوب إلى أسفل لا ينجذب
إلى أعلى ، وكما يقول الغزالي: كل مهموم بالدنيا فهو منجذب إليها فقطع العلائق الجاذبة
هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: « إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها
» وذلك لأن تلك النفحات والجذبات لها أسباب سماوية؛ إذ قال الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ
رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} الذاريات: 22، وهذا من أعلى أنواع الرزق والأمور السماوية
غائبة عنا فلا ندري متى ييسر الله تعالى أسباب الرزق فما علينا إلا تفريغ المحل والانتظار
لنزول الرحمة وبلوغ الكتاب أجله كالذي يصلح الأرض وينقيها من الحشيش ويبث البذر فيها
وكل ذلك لا ينفعه إلا بمطر ولا يدري متى يقدر الله أسباب المطر إلا أنه يثق بفضل الله
تعالى ورحمته أنه لا يخلي سنة عن مطر فكذلك لا تخلو سنة وشهر ويوم عن نفحة من النفحات
فينبغي أن يكون العبد قد طهر القلب عن حشيش الشهوات، وبذر فيه بذر الإرادة والإخلاص
وعرضه لمهاب رياح الرحمة، وكما يقوى انتظار الأمطار في أوقات الربيع وعند ظهور الغيم
يقوى انتظار تلك النفحات في الأوقات الشريفة وعند اجتماع الهمم كما في يوم عرفة ويوم
الجمعة وأيام رمضان فإن الهمم والأنفاس أسباب - بحكم تقدير الله تعالى - لاستدرار رحمته
حتى إن الأمطار تُستدر بها في أوقات الاستسقاء، وهي لاستدرار أمطار المواهب ولطائف
المعارف والعطايا من خزائن ملكوت الله أشد مناسبة منها لاستدرار قطرات الماء واستجرار
الغيوم من أقطار الجبال والبحار .
والذي يسبر غور النفحات التي يبشرالله بها عباده
وينذر يجدها على ضربين:
الضرب الأول: نفحات الجنة والخير والبركة: وهي ومضات
النور والاطمئنان والسكينة التي يعجلها الله في الدنيا لأهل طاعته؛ حيث إن الله تعالى
يعجل لأوليائه وأهل طاعته من نفحات نعيم الجنة وروحها ما يجدونه ويشهدونه بقلوبهم مما
لا يحيط به عبارة ولا تحصره إشارة، حتى قال بعضهم: إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل
الجنة في مثل ما أنا فيه فإنهم في عيش طيب، قال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ
من أهل اللهو في لهوهم، وقال بعضهم: الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العابدين،
قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً} النحل: 97؛ قال الحسن: نرزقه طاعة يجد لذتها في قلبه، أهل التقوى
في نعيم حيث كانوا في الدنيا والبرزخ وفي الآخرة.
العيش عيشهم والملك ملكهم ما الناس إلا همو بانوا أو اقتربوا
والضرب الثاني: نفحات الإنذار ونواقيس الخطر التي
ينذر الله بها أهل المعاصي والإعراض عن ذكره؛ فإن الله يعجل في الدنيا من أنموذج عقوبات
جهنم ما يعرف أيضا بالتجربة والذوق، فالحمى التي تصيب بني آدم وتزيد من درجة الحرارة
الداخلية للجسم هي نار باطنة ومنها ما يكون نفحة من نفحات سموم جهنم ومنها ما يكون
نفحة من نفحات زمهريرها، ومن أعظم ما يذكر بنار جهنم النار التي في الدنيا، قال الله
تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} الواقعة:73 يعني:
أن نار الدنيا جعلها الله تذكرة تذكر بنار جهنم، ثم لا تسأل عما يجده أهل الإعراض من
ضيق الصدر وحرجه ونكده، وعما يعجل من عقوبات المعاصي في الدنيا ولو بعد حين من زمن
العصيان، وهذا من نفحات الجحيم المعجلة لهم، ثم ينتقلون بعد هذه الدار إلى أشد من ذلك
وأضيق، ولذلك يضيق على أحدهم قبره – نسأل الله السلامة والعافية - حتى تختلف فيه أضلاعه،
ويفتح له باب إلى النار فيأتيه من سمومها، قال الله تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ
ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
} طه: 124 .
ان الغواص عندما ينزل لأعماق البحر ويعيش الاختناق
يصعد إلى السطح ، يستنشق الهواء ثم يغوص مرة
أخرى ، ونحن في حياتنا اليومية نعيش في ظلمات حالكة ، ظلمة العمل و ظلمة المعاشرة الاجتماعية
وبعض الظلمات التي تسلب الإنسان روحه من الغم والهم وضغوط الحياة, فعليه أن يلجأ إلى
عالم الصلاة والقرآن والدعاء ؛ ليستنشق شيئا من هذا الرحيق يعينه ويصبره.
ان نفحات الخير ودفع العطايا في هذا الشهر الكريم
أكثر من أن يطالها حصر؛ فهو شهر الصيام الذي نزل فيه القرآن؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 183، وفيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب
النار، ويصفد مردة الشياطين وعصاة الجن، ويكفي أن فيه ليلة القدر التي جعل الله ثواب
العبادة فيها أفضل من ثواب العبادة لمدة 83 سنة وثلاثة أشهر، وهو ما يقترب من أعلى
معدل لمتوسط عمر الإنسان في هذه الأمة، والعمرة في هذا الشهر تعدل حجة مع النبي صلى
الله عليه وسلم؛ فالمحروم من يجعل جهده وسعيه في هذا الشهر معادلا لجهده في غيره، فلا
يخصصه بمزيد من الاجتهاد في الخيرات التي هي ميدان التسابق والتي فيها الربح العظيم
.
جعلنا الله من عتقاء هذا الشهر المبارك الذين سبقت
لهم منه الحسنى، {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا
مَعَ الشَّاهِدِينَ} آل عمران: 53 .
جواد عبد المحسن
حديث رمضان - 12
3 تعليقات
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف