مفهوم الشأن العام ومجالاته

مفهوم الشأن العام ومجالاته

الشَّأْن : الحال والأَمْرُ وفي التنزيل العزيز : يونس آية 61( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ )
و الشَّأْن المنزلةُ والقدر يقال : رجل من ذوي الشأن و الشَّأْن الخَطْبُ .
وفي التنزيل العزيز : عبس آية 37( لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ).
والشَّأْن الحاجةُ وفي التنزيل العزيز : النور آية 62( فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ) . والجمع : شؤون وشؤون العين مجاريها الدَّمعِيَّة.
وتطلق على الحالات التي يُعتنَى بها ، فيقال : شؤون الطلبة ، وشؤون العاملين وشؤون الناس.المعجم الوسيط
الشأن العام :هي التدابير التي تهم جمهور الأمة، فالإسلام دين الجماعة، والإمام ابن القيم يتحدث عن التدابير التي يكون الناس معها أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، فالشأن العام هي ما يسميه الفقهاء فروض الكفاية ,وهذا الشأن العام أو فروض الكفاية هي أشد توكيدا من الفرائض الفردية،فانها فرض من حيث التكليف واداء هذا الفرض مطلوب من الامة بمجموعها,فاذا اقامه البعض سقط عن الباقين, لأن التخلف عن القيام بأمور الشأن العام (يعني فروض الكفاية) إثم يقع على الأمة جمعاء، بينما التخلف عن الفرائض الفردية والعينية فالإثم يقع على الفرد وحده، فالشأن العام هو الذي يحقق مصلحة الأمة ويجدد حيويتها, فالتدابير التي تجعل الحياة حياة إسلامية سليمة داخل المجتمع المسلم ضمن اطار مفهوم المجتمع للحفاظ على ترابطه بجعل هذه العلاقات سجية من سجايا افراده, هي معنى الشأن العام. عن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة ", واخرج الطبراني من حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن لم يمس ويصبح ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم)  
أن العمل الفردي لا يًثمر في المحاسبة ولا بتغيير نمط العيش وطرازه ، فكان لا بد من وجود أحزاب سياسية ، لتكون الوسيلة المثلى التي تجسد سلطان الأمة في حقها تجاه محاسبة الحكام . و حتى لا تكون الأمة سهلة الانقياد ، كان لا بد من وجود أحزاب سياسية تقوم بأعباء محاسبة الحكام .يقول السيد قطب رحمه الله في الظلال( فأما وظيفة الجماعة المسلمة التي تقوم على هاتين الركيزتين لكي تنهض بها … هذه الوظيفة الفردية لإقامة منهج الله في الأرض ، و لتغليب الحق على الباطل ، و المعروف على المنكر ، و الخير على الشر … هذه الوظيفة التي من أجلها أُنشئت الجماعة المسلمة بيد الله و على عينه ، و وفق منهجه .
وقد ذكر أبو الأعلى المودودي رحمه الله في كتاب (مفاهيم إسلامية حول الدين والدولة) وتحت باب: فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "فالظاهر من كل هذا التبعيض في آية: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ... ) ليس بمعنى أن المسلمين مطالبون بأن تكون فيهم جماعة تقوم بواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما بقية عامة المسلمين فليس بواجب عليهم القيام بهذه المهمة أصلاً، وإنما معناه أن من الواجب أن لا تخلو الأمة بأي حال من الأحوال من جماعة - على الأقل - تسهر على إنارة سراج الحق والخير ومكافحة ظلمات الشر وغوائل الباطل. فإنه إذا لم تكن فيها جماعة كهذه فمن المحال لها البتة أن تسلم من لعنة الله وعذابه الشديد فضلاً عن أن تكون خير أمة أخرجت للناس". انتهى قول المودودي.
إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كحق سياسي للمسلم ، يعتبر واجباً شرعياً و فرضاً على المسلمين ، لضمان تحقيق الإيمان و العدل اللذين هما أساس الحكم ، و ذلك مصداقاً لقوله تعالى : " الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ " (التوبة 112) ويقول ابن تيمية و لهذا قيل : " إن الله يقيم الدولة العادلة و إن كانت كافرة ، و لا يقيم الظالمة و إن كانت مسلمة " (فتاوى ابن تيمية) . 
في قول الحق سبحانه وتعالى( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واؤلئك هم المفلحون) (104 آل عمران) فقد أوجب الله سبحانه وتعالى بتلك الآية ذلك على المسلمين كفرض كفاية ، فالأمر (ولتكن) هو للوجوب مما يعني وجوب الدعوة للإسلام وأعمال الأمر والنهي، (ومنكم) هي للتبعيض ولصرف الأمر ليصبح فرضاً واجباً يتم بتحقق الكفاية. أمّا ( أمة ) فتعني جماعة من الأمة الإسلامية وليس الأمة بكاملها .فالآية فرضت قيام جماعة ( أمة ) من بين المسلمين يتكتلون ضمن تكتل سياسي عملها الدعوة للإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام كفرض كفاية واجب التحقق ولا بد. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما طولب به المسلمون كل المسلمين أفراد وجماعات ، بصفتهم التكتلية وبصفتهم الفردية، في كل مكان وواقع تواجدوا فيه، بوجود دولة الإسلام ، وفي حالة غيابها، ولا يختص ذلك الفرض بالأحزاب والجماعات فقط وإن كان ذلك في سلم اولويات عملها،فالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الأصل فيه أنه عمل كل مسلم و المسلم مفروض عليه أن يكون حامل دعوه, فمع أنً المسلم مأمور به فالبارز في المسلم بشكل عام أنه ملتزم بالإسلام متقيد بأحكامه، حامل لأفكاره وداعياً لها. أمّا حامل الدعوة الإسلامية فأبرز ما يتصف به هو أنّه حامل للإسلام ، عامل لتطبيق أحكامه باستئناف الحياة الإسلامية ، مما يحتم عليه أن يكون في رأس سلم أولوياته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يعني القول بأنّه من المعلوم بالضرورة أنه أينما ورد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يصرف ذلك لحمل الدعوة، لا يعني بحال صرف ذلك عن بقية المسلمين، ولا حصره في فئة معينة منهم، بل من ناحية النظرة لآكد الأشخاص بوجوب أن يحصر عملهم في هذا الفرض الواجب عليهم وعلى المسلمين أجمعين ويشرح هذا قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من امريء يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته ، وما من أمريءٍ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته ) رواه أحمد وأبوداود ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من أُذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة ) رواه أحمد
فاصلاح ذات البين بين المسلمين والعمل لاعادة المودة بين الاصحاب ودوام التناصح والتواصي بالحق والصبر والثبات عليه بالالتزام بشرع الله وكل ما يدور ضمن هذه الدائرة هو من الشان العام وصدق الله العظيم ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 10]، وأخبر عزَّ وجل أن هذا هو الخير فقال: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114]، فالأمة لن تكون أمة واحدة ولن يحصل لها قوة ولا عزّة حتى ترتبط بالروابط الدينية حتى تكون كما وصفها نبيها - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»(البخاري ومسلم) وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»(مسلم) فالامة كلها جسد واحد بغض النظر عن القرب او البعد فالفرح واحد والالم واحد ,فالم القدم كالم الانف والامة كذلك.
ان ضعف الوعي الديني بمسائل الشأن العام وأيضا فقدان البوصلة بين الناس جعل كل واحد يقول نفسي نفسي وهذا مكمن الخطر لان هذا الامران ترسخ فلسوف يحّول المجتمع من مجتمع للجماعة الاسلامية المتميزة في كل امر الى مجموعة افراد من المسلمين ولسان حال كل واحد منهم (شو خصني) ومن جميل ما قرأت   لابن القيم رحمه الله إذ يقول : "وأي دين وأي خير فيمن يرى محارمَ الله تنتهك وحدودَه تُضيع ودينَه يترك وسنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ، ساكت اللسان ، شيطانٌ أخرس ، كما أن المتكلم بالباطل شيطانٌ ناطق ، وهل بليَّة الدين إلا من هؤلاء الذين إن سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين وخيارهم المتحزِّن المتلمِّظ لو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذَّل وجد واجتهد واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة حسب وسعه وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقتِ الله لهم قد بلوا في هذه الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون وهو موت القلب فإن القلبَ كلما كانت حياته أتم كان غضبُه لله ورسوله أقوى وانتصارُه للدين أكمل "أ.هـ
ان حركات إسلامية كثيرة، وتيارات إسلامية كثيرة، تيارات إصلاحية (هكذا تصف نفسها) وفكرية كثيرة، كان الشأن العام حاضرا فيها, وهذا امر لا ينكره احد ولكن الخطورة تكمن في ان تنتقي هذه الحركات او هذه التيارات قضايا وتتجاهل اخرى,فالامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا ينتقى انتقاء ولا يخضع لظرف او وضع اولرغبة فيعلو الصوت تارة ويسود الصمت تارة, يعني أنت لا تستطيع أن تنكر أن هناك حركات وأحزاب وجماعات إسلامية وأيضا تيارات بين علماء المسلمين كان الشأن العام حاضرا لديهم،فعلت الاصوات بل وتحركت الجموع منهم عندما ارادت حركة طالبان هدم اصنام بوذا,ولم نسمع حتى لرئيس الوفد لافغانستان ولا لمن ذهب معه أي صوت ينكر وجود القاعدة العسكرية الامريكية في قطر.

انه ولمن الطبيعي ان يتساءل الناس عن دور العلماء في قضية الشأن العام والامر بالمعروف والنهي عن المنكر أيتم وفق برامج....؟؟؟ام هو تشويه لهذا الامر وافقاد المسلمين ثقتهم بكل من يقول او يفعل للتغيير,فلا يوجد عندنا اليوم العالمي للامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو مطلوب في كل يوم وليلة ولا ينتقى منه امر دون امر. 

حديث رمضان 12
جواد عبد المحسن  

إرسال تعليق

0 تعليقات