الروح الجماعية

الروح الجماعية

ان المبدأ كما نعلم عقيدة ونظام, والعقيدة ايمان جازم لا يلزمه عمل,والنظام المنبثق عن هذه العقيدة هو ما نحن بصدده ، فالنظام هو مجموعة الاحكام الشرعية المتعلقة بشؤون الحياة لضبط العلاقات بين المؤمنين ومعالجة مشكلاتهم وتنظيم علاقاتهم وفق منهج الله عز وجل، ومن دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا أخرتنا التي إليها مردنا.
ان من مستلزمات فهم الروح الجماعية ان هناك ثلاث مصطلحات متعلقة بالنفس البشرية أحب أن أوضحها تمهيداً لهذا ا لموضوع:
المصطلح الأول الطبع، والمصطلح الثاني الفطرة، والمصطلح الثالث التكليف، فأنت بين طبع وفطرة وتكليف، فالطبع أقرب إلى اشباع الرغبات (غرائز وحاجات عضوية)وكيفية اشباعه لها من كونه سريعا او متعجلا اويشرب الحار ويحتمله اويحب نفسه (اناني) اوكريما وبخيلا و ما هو داخل ضمن هذا الاطار, والفطرة أقرب إلى النفس مطمئنة او لوامة او امارة بالسوء، والتكليف منهج الله عز وجل بافعل ولا تفعل، فطبع الانسان  يميل إلى النوم والى الكسل والى الدعة والراحة وعدم اشغال العقل بالامور الصعبة او المهلكة، ولكنه إذا اتبع (هواه) بقي نائماً ولم يصلي الفجر(مثلا)  فتضيق نفسه وينقبض قلبه, فلا ضرورة لان تكون الاحكام الشرعية موافقة لفطرة الانسان ولا هو مطلوب منها ذلك بل المطلوب هو ان تكون مأخوذة من العقيدة اي اتية من عند الله ولا يهم بعد ذلك ان تكون موافقة للفطرة او مخالفة لها، بل ان كثيرا من الاحكام الشرعية بل اكثر الاحكام الشرعية تخالف فطرة الانسان ولذلك كانت التكاليف ثقيلة لانها تخالف فطرة الانسان فالاحكام الشرعية الفرعية قد تكون مخالفة لفطرة الانسان وقد تكون موافقة لها، اما الذي يوافق الفطرة فانما هو العقيدة فقط والعقائد التي جاءت بها جميع الشرائع التي جاء بها الانبياء قبلنا هي عقيدة التوحيد اي هي عقائد توافق فطرة الانسان وبالتالي تحقق السعادة, فالاسلام وجميع شرائع من قبلنا مما نزل على الانبياء, المراد من موافقتها للفطرة عقيدتها فقط، وعقيدتها كلها هي التوحيد في قوله تعالى{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}الشورى 13 وقوله{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}النساء163 والمراد به عقيدة التوحيد .  وطبعه يميل إلى هواه، فالذي يستيقظ ويكابد مشقةً الإيقاظ ويعاكس طبعه ويضبطه وفق امر الله يصلي الفجر ثم ينام يشعر براحة طاعة الله وبمعونة الله له, فقد هذب طبعه وفطرته وفق امر الله ونهيه .
ان الروح الجماعية في المجتمع الإسلامي ظاهرة في اغلب امور المسلمين بل هي الركيزة التي تميز المجتمع المسلم عن غيره من المجتمعات, فهو المجتمع الذي توحد افراده على مبدا اعتقدوا عقيدته وطبقوا احكامه  التي صهرت الافراد في بوتقته (المبدأ) فتوحدوا على مفهوم السعادة و الفرح والحزن,فلم توحدهم غريزة بقاء او خوف من عدو او طمع ومغنم كغيرهم من المجتمعات,  فكان بحق مجتمع (الجماعة المسلمة) الذي تعهده الله بعنايته بعد ان كانوا متدابرين في الجاهلية, وخاطبهم الله وذكرهم بحالهم من قبل  في قوله {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}آل عمران103,وخاطب نبيه صلى الله عليه وأله وسلم فقال له {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}الانفال63, ووصفهم الله ومدحهم في قوله تعالى{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}الفتح29.
لقد خاطبهم الله وامرهم بالتعاون والتناصح بعد ان زرع بينهم روح المودة والتآلف  وانهم اخوة من دون الناس {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}الحجرات10,فجاء قوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}المائدة2 بعد ان بين لهم آلآءه وفضله, وعَن أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا ثم شبك بين أصابعه"الصحيحين وقوله تعالى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}آل عمران133 ومعنى هذا أي أنك ضمن جماعة و فضائل الجماعة انهاً تعطيك حصنا فلا تزل قدمك لانك في حصن بين اخوتك تعيش بينهم عيشك الطبيعي وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (فمن أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين أبعد ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان قالها ثلاثا و عليكم بالجماعة فإن الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين أبعد)المستدرك وهذه من ألفاظ الإغراء، أي الزموا الجماعة وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ)مسلم.
فالطبع فردي والتكليف جماعي، أنت مكلف أن تتعاون مع أخيك، مكلف أن تزوره ، مكلف أن تنصحه وان تنصره، فكل ما يتعلق بوحدة المسلمين و جماعتهم أنت مكلف به تكليفاً شرعيا مباشرا بغض النظر اكنت كريما ام بخيلا او شهما او غير ذلك  فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ" أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلا يُسْتَحْلَفُ وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلا يُسْتَشْهَدُ أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ )الترمذي.
أما الطبع أن تبقى وحدك، وأن تستمتع بالحياة وحدك ان استطعت ولن تستطيع, فعن معاذ بن جبل : أن النبى  - صلى الله عليه وسلم -  قال لعلى بن أبى طالب (ألا أنبئك بشر الناس قال بلى يا رسول الله قال من أكل وحده ومنع رفده وسافر وحده وضرب عبده ثم قال يا على ألا أنبئك بشر من هذا قال بلى يا رسول الله قال من يخشى شره ولا يرجى خيره ثم قال يا على ألا أنبئك بشر من هذا قال بلى يا رسول الله قال من باع آخرته بدنيا غيره ثم قال يا على ألا أنبئك بشر من هذا قال بلى يا رسول الله قال من أكل الدنيا بالدين)رواه بن عساكر.  فالآيات الكثيرة والاحاديث التي تحض على التعاون والتناصح والتباذل والتزاور والتهادي والمجالسة وأن يتخذ الأخ أخاً له في الله يمحضه النصح ويعينه و يعطيه وصدق الله العظيم{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}سورة العصر.
أن جلائل الأعمال لا تقوم إلا بالعمل الجماعي، فالعمل الفردي لا يحقق شيئا وان بز صاحبه, أما العمل الجماعي فانه يحقق كل شيء، فالمسلمون إذا أرادوا أن ينهضوا او يغيروا لا بد من التعاون ولابد من عمل جماعي كبير، أما إذا كان انتماؤهم إلى فرديتهم ، فهؤلاء الأفراد مهما حققوا من نجاح فردي كبير فهذا النجاح الفردي محدود ولا يفعل شيئاً اذ ان العمل الفردي يفتت الجماعة ويضعفها, والفردية من لوازمها تحطيم الآخرين ليعلو بفرديته عليهم فالذي يملك نزعة فردية فمن لوازم فرديته أن يحطم الآخرين، والنزعة الجماعية من لوازمها التعاون في قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}المائدة2 ، ومن علامات الثقة بالنفس السلوك الدال على ما نسميه بالروح الجماعية ,وهؤلاء الافراد الذين يؤدون هذا العمل لا بد لهم من صفات يتصفون بها كالتخلي عن الأنانية والافراط في حب الذات، وحب الظهور الدال على النزعة الفردية وعدم رؤيته لغيره او نظرته لغيره من خلال نفسه.
ان وباء (الانانية)كمرض يصيب الامم لا وجود له في المجتمع الاسلامي لتجذر فكرة الجماعة والعمل الجماعي الممارس عمليا من قبل الجماعة المسلمة على الدوام وفي كل يوم في صلاة الجماعة(مثلا) وغيره من الفروض ,بل هو اصل من اصول التزام الفرد المسلم تجاه دينه ,والاحكام الشرعية الآمرة بالتجمع وعدم الفرقة اكثر من ان تحصى,والدعوة للايثار على النفس موجودة في اوصاف المؤمنين في قوله تعالى( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(9)الحشر,والايثار مع الاحتياج ابلغ واوقع في النفس لاختلافه عن الكرم في قوله تعالى(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) الانسان,فمجتمع هذه صفات افراده محصن من وباء الانانية وروح العمل الجماعي والشعور بالمسؤلية عن الغير ظاهرة فيه بغير تصنع وتكلف بل هي سجية من سجاياه,وشاعرهم حين قال:
     ونحن اناس لا توسط عندنا           لنا الصدر دون العالمين او القبر
وغيره كذلك:
فلسنا على الاعقاب تدمى كلومنا       ولكن على اقدامنا تسقط الدما
وغيرهما كثير كثير ليس وصفه لنفسه ولكن وصفه للجماعة التي ينتسب لها فهذه حالهم وهذه اوصافهم.
بعكس المجتمعات الراسمالية فانها المناخ الطبيعي لفكرة الانانية منبتا وحصادا, فالأنانية هي حب الإنسان لنفسه، وعشقه للسيطرة والتملك، وهي (الأنا) التي تجعل الإنسان لا يرى إلا نفسه، ولا يهتم إلا بشخصه هو أما إذا تجاوزت حدود الذات إلى الغرور والتكبر واحتقار الآخرين والتي نهينا عنها في قوله تعالى(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)لقمان, فاستصغارهم وتسفيه آرائهم، والسعي إلى السيطرة عليهم يوجد التدابر والتنافر والاحقاد والتنافس على الدنيا بين الافراد وهنا مكمن الخطورة وأصل الداء لان ذلك يفتت المجتمع ويقطع كل موصول بينهم, فالشخص الأناني لا يحبُ الاعتراف بالخطأ، ويظن نفسه دائمُ الصواب، وأنه من المعصومين عن الزلة والمعصية، وهو يجهل بأن الاعتراف بالخطأ دليلٌ على احترام عقول الناس، ولأن الأناني ليس لديه مُحرمات، بل يُحلل لنفسِه كل شي ما دامت مصلحتهُ موجودة وهي أكبر سببٌ لأداء المُحرمات، والأخطاء الشنيعة، والأنانية هي داءٌ مدّمر لصاحبه ولمن حوله؛ فالأناني لا يُحبُ أحداً مشاركتهُ أي شيء، بل يُحبُ أن يرى غيره يشقى وهو يرتاح ويُحب مصلحته فقط.
ان الدين منهج كامل وخطاب الله لنا بالقيام بالفروض وغيرها من التكاليف اما ان يكون تكليفا عينيا لكل فرد كالصلاة والزكاة او فروض الكفاية التي لا يتاتى للفرد تاديتها, فمن ناحية التكليف فانها واحدة وتختلف من ناحية الاداء,فاذا اقامها البعض سقطت عن الباقين وهذه من الامثلة الحية لروح الاداء الجماعي,ومثاله قوله تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }آل عمران فإنه أمر بوجوب وجود جماعة من المسلمين لها وصف الجماعة (حزب أو أحزاب) يقوم بالدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام, وهذا الأمر من فروض الكفاية، إذا أقامه البعض سقط عن الباقين، فإن لم يقمه هؤلاء الناس، أي لم يحققوا فعلاً الدعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام، فإن الأمة تبقى آثمة جميعها حتى يتحقق هذا الأمر.
ولذلك فإنه لا يجوز للمجتمع الإسلامي أن يخلو من مثل هذه الجماعة في زمن من الأزمان، لأن ذلك تعطيل لأحكام الله وحدوده، وهذه الجماعة لا تحتاج إلى إذن أو ترخيص من الدولة، بل كل من كان أهلاً للدعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام عليه أن يقوم بذلك دون عائق أو منع. ولا يجوز للدولة، أي دولة، بحجة ترشيد الإسلام والدعوة إليه، أن تمنع القادرين من ذلك.
وواقع فروض الكفاية، في الأعم الأغلب، يتطلب كل فرض منها لإقامته جماعة من المكلفين وليس فرداً، كفرض الجهاد، وكإقامة دولة الخلافة، وكحمل الدعوة وغيرها، وقليل هي فروض الكفاية التي بمقدور المكلف الواحد أن يقوم بها، كالصلاة على الميت وغيره. ففرض الجهاد في سبيل الله، وهو بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد أو غير ذلك، يشمل القتال بجميع أنواعه وأدواته، ويشمل التمويل والتخطيط والتسليح والتشجيع، و هذه الأعمال الكثيرة ليست مطلوبة من مكلف واحد، لأن واقعها كماً ونوعاً ليست بمقدوره، فلا بد أن يشترك الكثيرون فيها، بحيث يقوم المكلف الواحد بالعمل الذي يستطيعه، فهذا يخطط للمعركة، وآخر يشجع الجيش ويثقفهم بالإسلام، وآخر يقاتل بالصاروخ أو الطائرة أو البندقية، ... وكل واحد من هؤلاء المشاركين في إقامة هذا الفرض، يسقط عنه بعمله فرض الكفاية وهو الجهاد في سبيل الله، وإن لم يقم بجميع الأعمال التي توجد هذا الفرض. وحمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية فرض كفاية، وهو يشمل أموراً كثيرة، كالاجتهاد، والتثقيف، والكتابة، والدراسة، والخطابة، والاتصال بالناس، ومحاسبة الحكام، وطلب النصرة، وغيرها. وهي أعمال كثيرة ومتنوعة، يتعذر على المكلف الواحد أن يقوم بها جميعها، لذلك يقوم كل مكلف بما أنيط به من أعمال يستطيعها لإقامة هذا الفرض الذي يتحقق بإقامته استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة ,فلا توجد اعمال تافهة واخرى عظيمة بل كلها اعمال تشكل بمجموعها الاطار العام لانجاح العمل ضمن مفهوم الكل الفكري الشعوري المتوحد على فكرة واحدة وطريقتها وتبرز روح العمل الجماعي الذي يؤديه الجميع لانجاح العمل الواحد.
ان من الخطر أن يختصر الاسلام إلى عبادات خمس تؤدى من قبل افراد,يقول قائلهم اسالك الله نفسي ولا علاقة لي بغيري اساء ام احسن(شوبخصني), بل لا بد ان ندرك حقيقة اننا معنيون بمن حولنا فعدم استقامتهم (مثلا) وظلمهم ينعكس علينا وقد روى البيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ( مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ قَطُّ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ ، وَلاَ فَشَتِ الْفَاحِشَةُ فِى قَوْمٍ إِلاَّ أَخَذَهُمُ اللَّهُ بِالْمَوْتِ ، وَمَا طَفَّفَ قَوْمٌ الْمِيزَانَ إِلاَّ أَخَذَهُمُ اللَّهُ بِالسِّنِينَ ، وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلاَّ مَنَعَهُمُ اللَّهُ الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا جَارَ قَوْمٌ فِى حُكْمٍ إِلاَّ كَانَ الْبَأْسُ بَيْنَهُمْ أَظُنُّهُ قَالَ وَالْقَتَلُ). وواجب علينا ان نتعاطى مع كل القضايا التي تتعلق بالشان العام لانه من صلب شاننا في قوله تعالى(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) الانفال  وفي صحيح الحاكم عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله عز و جل)    فالاسلام ليس طقوس تؤدى ولا عبادات شعائرية يؤديها افراد, بل هو اوامر ونواه في كل امر دق هذا الامر او جل سواء اخوطب به الفرد او خوطبت الجماعة.
ان الامة الاسلامية تحتاج الى دوام التنبيه والتذكير حتى تفهم حق الفهم واجباتها ,وهنا يبرز دور العلماء العلماء الذين يعملون بعلمهم وتمنعهم تقواهم وورعهم عن ان يدلسوا على الامة وان يلبسوا عليها دينها ,فالامة الآن في مسيس الحاجة لهؤلاء لسقيها الافكار الصافية,فعلم العلماء ليس لهم وانما لتوعية المسلمين وانارة طريق الجنة لهم ,وقد روى في المستدرك عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار)هذا حال من كتم فما حال من يلبس على الناس دينهم.
اما من يحاول ايذاء الجماعة المسلمة من الافراد وان يفسد عليهم عيشهم فقد اخبر الله عنه وتوعده(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (19)النور, وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأقِطِ وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ هِيَ فِي الْجَنَّةِ)يعني قطع اللبن الجميد, وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا) قال الشيخ الألباني : صحيح.
ان حمل اعباء رعاية الجماعة ثقيل واجره عظيم لمن احسن للرعية وساسها سياسة تصلحهم, واما من لم يحسن الرعاية وغش الرعية فاثمه عظيم, فقد روى الحسن ان معقل بن يسار مرض فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده فقال له معقل : لأحدثك بحديث لم احدثك  ( اني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من عبد استرعاه الله رعية فمات وهو غاش لها الا حرم الله عليه الجنة)رواه الطبراني
فكيف بمن يفت في عضد المسلمين و يفرق جماعتهم ويوردهم موارد الهلاك بل يتفنن في ايذائهم وابقائهم في دائرة الجهل والفقر والتخلف العلمي والمعيشي تحت شعارات متباينة متضاربة متعاكسة ليس من اجل هذه الشعارات وانما من اجل فرقة الجماعة المسلمة وتعريق تشرذمهم وفرقتهم فان الله توعده في الدنيا قبل الآخرة بالعذاب المهين, واريد سرد مثالا واحدا مؤلما فقط على لسان صاحبه(عاطف الغمري)فيقول: قبل نحو أربع سنوات، شاركت في مؤتمر في سيناء، بورقة عمل عنوانها “أمن مصر القومي وتنمية سيناء”، ويومها علمنا أن هناك على خط الحدود مع “إسرائيل”، مساحة خضراء مزروعة على الناحية الأخرى، بينما المساحة المتاخمة لها على حدودنا رملية صفراء . وقيل يومها تفسير لهذه المفارقة، إن الآخرين يزرعونها من المياه الجوفية، الموجودة على الناحيتين، تحت أرضهم وأرضنا، لكننا لم نستغل مياهنا لنخضر أرضنا, وهنا أستشهد بنموذج واحد فقط، حين قدمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية منحة لمصر، لقيام علماء مصريين بإجراء أبحاث لإنتاج مبيدات زراعية محلية . توفر لمصر مبيدات آمنة، وتغنيها عن الاستيراد وتتيح لها التصدير من ناتجها، وإذا نجحت الأبحاث، تقدم الوكالة لمصر معونة لإنشاء مصنع لإنتاجها، وبذلك توفر فرصاً للعمل تحل جزءاً من مشكلة البطالة . وقد نجحت الأبحاث، وزف علماؤنا الخبر للقيادة السياسية صاحبة القرار، فصدر منها في الحال أمر بإيقاف المشروع لأنه كان سيضيع عليهم ملايين الدولارات عمولات في كل صفقة مستوردة)انتهى كلامه. وعن عرفجة بن شريح الأسلمي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إنها ستكون بعدي هنات و هنات و رفع يديه فمن رأيتموه يريد أن يفرق أمر أمة محمد صلى الله عليه و سلم و هم جميع فاقتلوه كائنا من كان من الناس).
بقيت مسألة واحدة هي ان غير المسلمين ممن يحملون المبدأ الراسمالي في أوربا فقد كان بينها حروب من مئات السنين الى اجل قريب فتناست ما كان بينها وهم اليوم يتعاونون لدرجة أنهم سوف يصبحون دولة واحدة، عملة ورقية واحدة، إلغاء الحدود والجمارك واصبحوا كتلة كبيرة ودافعهم قطعا ليس امر الله وانما مصالحهم والدفاع عنها, فالمؤمنون احرى منهم بان يتوحدوا ليس بدافع مصالحهم وانما لامر ربهم ، فلا حياة للفردية اليوم و لا بد من العمل الجماعي وإلا فاننا  نؤكل واحداً واحداً، وترون بأعينكم كيف أعداءنا اليوم يستغلونا أبشع استغلال وينقضون علينا واحداً واحداً ينهبون ويقتلون وصدق الشاعر:

          تابى الرماح اذا اجتمعن تكسرا        واذا افترقن تكسرت آحادا

حديث رمضان 12
جواد عبد المحسن


إرسال تعليق

0 تعليقات