المجاعة في الصومال والاموال المكدسة



 

لا يمكن فهم التاريخ الصومالي بمعزل عن تاريخ الحبشة ككل،وهذا ما ادركه الامبرطور الإثيوبي "هيلا سيلاسي" فسارع بالارتماء في أحضان الأمريكان حيث وقف في الكونجرس عام 1954م ليقول: "إن إثيوبيا جزيرة مسيحية تقع في وسط بحر من المسلمين".  وأيضا لا بد من استيعاب أن الصراع بين الصومال وإثيوبيا هو حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل والإيمان والكفر ، وكان ذلك هو الدافع الرئيسي لملوك الحبشة إلى مهاجمة الإمارات المسلمة التي قامت فى منطقة القرن الإفريقي، فقد تواصلت هذه الحروب بالاستعانة بالقوى الصليبية والاستعمارية إلى درجة أن ترسل البرتغال إمدادات لحكام الحبشة في حربهم ضد المسلمين الذين كانوا بقيادة المجاهد الإمام "أحمد بن إبراهيم"، وذلك في القرن السادس عشر الميلادي.

 ثم تواصل بريطانيا وفرنسا نفس الدور البرتغالي بعد انهيار الإمبراطورية البرتغالية القديمة ودخول فرنسا وبريطانيا إلى الساحة العالمية كأكبر قوى استعمارية في ذلك الوقت، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي لتستولي إثيوبيا على مدينة "هرر" عاصمة الإمارة الإسلامية الصومالية آنذاك، حيث حولها إمبراطور الحبشة إلى مدينة نصرانية، وحول جامعها الكبير إلى كنيسة لا تزال قائمة حتى اليوم.

ثم تدخل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا بثقلهم مباشرة في هذه المنطقة لتحتلها ثم لتقسمها فيما بينهم وفق حسابات القوة عبر الحربين العالمية الأولى والثانية. ثم بنهاية الحربين سادت موجات "حق تقرير المصير" و"الاستقلال" لتشمل هذه المنطقة ولتخرج القوات البريطانية والإيطالية والفرنسية منها، بعد أن تركت فيها حكومات عميلة، وبعد تقسيمها على النحو الذي توافقت عليه.

فقامت حكومة في الجمهورية الصومالية الناشئة من الصومال البريطانى والصومال الإيطالى بعد الاستقلال وذلك عام1960م بقيادة الرئيس "آدم عبد الله عثمان" ليكون رئيسًا لجمهورية الصومال في 6 يوليو 1961م لمدة ست سنوات، وفي 20سبتمبر 1961م قُبلت الصومال عضوًا في هيئة الأمم المتحدة.

عند انتهاء مدة رئاسة "آدم عبد الله عثمان" انتخب الدكتور "عبد الرشيد علي شير ماركي" رئيسًا لجمهورية الصومال، وفي 1969م اغتيل "شيرماركي"، ليصعد اسم "محمد سياد بري" حيث يقود البلاد، ويعلن تعليق الدستور القديم ثم يعلن الصومال دولة اشتراكية، ويتبنى المذهب الشيوعي الماركسي ويرتمي في أحضان الإتحاد السوفيتي راعي الإشتراكية العالمية في ذلك الوقت.

وقد قام بعدة أعمال معادية للإسلام بطبيعة الحال كمحاربة العلماء والدعاة واللغة العربية ومدارس القرآن المنتشرة في البلاد. وتتغير الحسابات السياسية فتنضم الصومال إلى جامعة الدول العربية عام 1974م، ويحول الإتحاد السوفيتي موقفه إلى التحالف مع إثيوبيا في حربها مع الصومال عام 1977.

 وبانتهاء الحرب بين الصومال وإثيوبيا بانسحاب قوات "سياد بري" من إقليم "أوجادين"، تبدأ سلسلة من الاضطرابات والمحاولات الانقلابية الموجهة ضد "سياد بري"، والمدعومة من إثيوبيا والولايات المتحدة الأمريكية لتنتهي بهروبه من مقديشيو عام 1991م، وليستولي ما يعرف بـ "المجلس الصومالي الموحد" على مقاليد السلطة، والذي قام بتعيين "علي مهدي" رئيسا للدولة، الأمر الذي رفضه "محمد فارح عيديد" رئيس المجلس العسكري الصومالي الموالى لأثيوبيا لينشأ بذلك صراع جديد بين المعارضين الثوريين أنفسهم في ذات العام.

وتحاول أمريكا التدخل المباشر تحت غطاء الأمم المتحدة وذلك لتقوية جانب ا لمعارضين لـ "فارح عيديد" تحت شعار الامل، ولكنها منيت بفضيحة مدوية على يد أمراء الحرب الذين قاموا بسحل الجنود الأمريكان في شوارع مقديشيو، وكان لهم نصيب كبير في دحر الأمريكان والقوات الدولية التى عملت معها في هذه العمليات ، لتخرج أمريكا صاغرة من الصومال بعد مرور ستة عشر شهرا على محاولاتها بالتدخل المباشر في الصراع.

ثم تعقد عدة مؤتمرات للمصالحة في جيبوتي و إثيوبيا وكينيا والقاهرة، ويتوقف إطلاق النار لأيام معدودة ثم يعود مرة أخرى، لينعقد مؤتمر جديد ويعين رئيس في كل مرة، وتتواصل عمليات النهب والسرقة والاختطاف على الأرض، ويواصل السادة جولاتهم في الفنادق والقاعات المكيفة بينما أبناء الصومال تأكلهم المجاعات والفيضانات وموجات الجفاف، ومن جهة أخرى تعمل فيهم سيوف تجار الحرب ورجال العصابات، وسيوف ناعمة أخرى هي سيوف المنصرين الذين جاؤوا من بقاع الأرض للفت في عضد المسلمين بحجة تقديم الأعمال الإغاثية  والمسلمون في غفلة .

لقد كان الخط البياني في تحول الصومال وبداية ازمته عندما هرب سياد بري وترك الصومال ,بعدما خربها وتركها فريسة سهلة لكل ناهش ومغامر,وهذا الامر يتكرر اليوم في البلاد العربية التي يهرب منها حكامها تحت وطأة الامة التي انتفضت عليهم,فكأن الكافر المستعمر قد فصل الانظمة على مقباس حكامها .والحاكم يصرح قبل المغادرة انا او الطوفان بعدي, او الفوضى , وهذا ما حصل للصومال ,فقد حلت الفوضى لان هذا هو مآل هذه الانظمة لان طريقة تكوينها يفضي لهذاالمآل,فبعد عشرين عاما نرى ما حصل في الصومال يحصل في مصر واليمن وتونس وسوريا والحبل على الجرار

واليمن هي بوابة الصومال التي من خلالها عرف الاسلام وذلك بهجرة قبائل عربية مسلمة الى الصومال واسست هذه القبائل ممالك شهيرة سميت بممالك الطراز الاسلامي واشهرها مملكة زيلع التاريخية التي اسسها احفاد عمر ولسمع "الاصمعي"  ويذكر بعض المؤرخين ان اسم الصومال هي تحريف ل "ال ولسمع" والبعض يقول ان اصل الكلمة هو "ذو مال" او اذهب واحلب بالصومالية صو  مال " " نسبة الى كثرة الماشية

والعلاقة بين الصومال واليمن بلغت اوجها ابان  الحروب الصليبية من قبل ملوك الحبشة  ومن يناصرهم من البرتغاليين وذلك في عصر السلطان سعد الدين سلطان زيلع و إلتجاء أبنائه إلى اليمن و  الأسرة الرسولية.بعد مقتل السلطان سعد الدين بن حق الدين أبي البركات محمد  ،وطلبوا المساعدة من  حاكم اليمن  الناصر أحمد ابن الأشرف إسماعيل الرسولي ، وهو نفس الملك الذي التجأ إليه والده السلطان سعد الدين.  الذي امدهم بالخيل والرجال والسلاح   ، في عام 818هـ / 1415م

ولم تكن العلاقة سياسية بحت بل دينية في مواسم الحج وطلب العلم من والى حيث اشتهرت زيلع وهرر من الصومال و تواجد علماء كبار في اليمن و علاقات تجارة البخور واللبان والعاج وغيره من منتوجات البلدين ولكن اهم علاقة بين البلدين هي كون اليمن رافدا بشري للصومال على مدار التاريخ فكان ياتي الكثير من الاسرة المهاجرة سوى الحضرمية او الحجازية او العراقية و  "الهندية اثناء حكم الانجليز لعدن وشمال الصومال في القرن التاسع عشر ميلادي.

كانت حليمة عمر، وهي من منطقة شابيل السفلى، تعتبر من الأغنياء في ما مضى. أما اليوم، وبعد ثلاث سنوات من الجفاف، فإنها بالكاد تستطيع البقاء على قيد الحياة، وقد توفي أربعة من أطفالها الستة. قالت عن محنتها: «ليس هناك شيء أسوأ في العالم من رؤية المرء أطفاله وهم يموتون أمام عينيه، لأنه لا يستطيع سد رمقهم».

بهذه الكلمات البسيطة والمعبرة وقطعا المبكية الج الى قلب الموضوع المؤلم غاية الالم ,فالمرء مسؤول عن اطفاله ويجتهد كي لا يموتون جوعا او عطشا او قهرا وظلما,فقد روى الحاكم وصححه بلفظ : قال يَعْلَى بن مرة : جاء الحسن والحسين إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم يستبقان فجاء أحدهما قبل الآخر فجعل يده في رقبته ثم ضمه إلى بطنه ثم جاء الآخر فجعل الأخرى في ركبته ثم ضمه إلى بطنه ثم قبل هذا ثم قبل هذا ثم قال : اللهم إني أحبهما فأحبهما ثم قال : (يأيها الناس الولد مجبنة مبخلة), وحليمة هذه اختي  واولادها  اولادي ومسؤليتي ليست تجاهها فقط وانما تجاه كل مسلم, وهذه المسؤولية ليست مسؤولية ادبية تتعلق بصدقة او احسان ينبع من فيض مشاعرانسانية  تحركت في وقت معين وحالة معينة لتحقيق قيمة انسانية او خلقية, وتنتهي هذه المسؤولية  بجفاف هذه المشاعر حين ادفع ما تجود النفس به, وادعي انني قد قمت بما يجب علي القيام به,ويا ليت غيري يفعل مثل فعلي.

ان الامر لا يؤخذ هكذا مطلقا فمسؤولية المسلم تجاه اخيه المسلم اعمق من هذا بكثير وليست هي فيض احسان في لحظة عاطفية,بل انها مسؤولية شرعية نظمها الاسلام تنظيما دقيقا ووضع لها القواعد الراسخة ,وقد اخبرنا ربنا وامرنا فقال (انما المؤمنون اخوة) فحصر الاخوة داخل حظيرة الايمان فقط ,وتعلق مفهوم الولاء والبراء بهذه الاخوة فقال عز وجل (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )71: التوبة. فعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ : أَتَيْنَا عَلِيًّا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا وَجَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ السَّعْدِىُّ فَقُلْنَا : هَلْ مَعَكَ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَقَالَ : لاَ إِلاَّ مَا فِى قِرَابِ سَيْفِى فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا مِنْهُ كِتَابًا فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ : (الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ أَلاَ لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِى عَهْدِهِ ، أَلاَ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).السنن الكبرى للبيهقي ان هذا التميز في تكوين هذه الامة يرجع الى كونها خير امة اخرجت للناس وهي الامة الوسط الشاهدة على الناس يوم القيامة ,وهذه المنزلة لها منزلة تشريف ومسؤلية ليست تجاه نفسها بل تتعداها لان تكون لكل الناس فنحن المسؤلون عن تبليغهم الاسلام,فكيف الامر ان تعلق بجزء منها.....؟؟؟؟؟ فالامة الاسلامية كل فكري شعوري واحد وهي وحدة واحدة لا تقبل القسمة كما اخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم(( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) . متفق عليه

ان التحرك تجاه ما يحصل في الصومال لا بد من ارجاعه لامر الله وشرعه الذي ابانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :( من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برىء من الله و برىء الله منه و أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله)المستدرك على الصحيحين وهذا الامر جد وليس هزل فالقضية تعلقت بجنة ونار وهذا التعنيف والتخويف لا يصرف الا للوجوب ولا من فيه ولا أذى.

ان واجب المسلمين تجاه ما يحصل من مجاعة مهلكة في الصومال هو واجب لا يؤخذ على التراخي او التسويف,بل هو امر واجب معالجته والمباشرة لاتمامه, ولو كان للمؤمنين امام لاسرع في اتمامه لانه واجب عليه ,ومع غياب الامام فلا يؤخر هذا الامر لانه واجب على المسلمين كافة ,والمسلمون لا ينقصهم المال او الجهد وكذلك الخدمات الفنية والتقنية لاتمام هذا الواجب,والامة مدعوة بمجموعها لاتمامه, فلا تختبىء وراء الامم المتحدة ولا منظمات الاغاثة ولا الهلال او الصليب الاحمر لانه ببساطة شديدة واجبها هي ولا احد غيرها, وفي حالة الصومال ليس الامر متعلقا بمساعدة وانما متعلق باداء واجب شرعي ولا  يجوز ان تطلب المساعدة من احد وهي قادرة على اتمامها.

لقد عانت بلاد المسلين من جوائح اجتاحتها من زلازل وكوارث ,وان وقعت في مصر هب مصر آخر من امصار المسلمين لنجدتها ,ومع الاسف والاسف الشديد نرى اليوم حكام الضرار في العالم الاسلامي يهبون مسرعين لمساعدة اعداء المسلمين ,فقد قدموا لامريكا المساعدة عقب احداث11|9 واعصار بنسلفانيا وقدموا لليابان المساعدة ليس لان اليابان بحاجة وانما لتسجيل موقف نفاق ,واعانوا امريكا في حربها ضد المسلمين في العراق ,وسخر الجيش الباكستاني لخدمة مصالح امريكا واهدرت اموال البترول في دول الخليج تارة على بناء اطول عمارة وتارة لانشاء جزيرة بتكلفة جاوزت الاربعين مليار دولار وآخر الفواجع ان قطر ستستضيف كاس العالم لكرة القدم في سنة 2022 م وحدث عن التكاليف ولا حرج .

لقد اعتبر الغاشم ان البلاد ومن فيها من موارد وما عليها من عباد ودواب هي ملك يمينه يتصرف فيها دون رقيب او قانون لانه وملأه فوق القانون ,ولقد قدرت موارد ليبيا النفطية منذ استلام القذافي للسلطة سنة 1969 بثلاثة ترليون دولار ذهب نصفها له ولمن معه,وان القذافي وحده يملك 130 مليار دولار,وبلغة اخرى يعني انه ولوحده يستطيع ان ينفق على الصومال وان يخرجها مما هي فيه باقل من عشر معشار ما نهب,واما الرئيس المصري حسني مبارك فان ثروته قدرت بسبعين مليار دولار وبلغة اخرى انها لو وزعت على الامة في مصر يكون نصيب الفرد الف دولار اي ما يعادل ستة آلاف جنيه, واما الملك فهد بن عبد العزيز فإنه كان أحد أكبر أثرياء العالم وأنه يمتلك نحو أربعين مليار دولار؛ لكن الذي ثبت بعد موته أن الأموال فقط تصل الى نحو 190 مليار دولار، حوّل ما كان منها موجوداً في البنوك الأجنبية الى بنوك محليّة تحت إشراف مدير مكتبه وإبنه عبد العزيز، هذا عدا عما كان يملك من شركات وعقارات واسهم, وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عوف بن مالك الأشجعي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إِنَّ خِيَارَ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَإِنَّ شِرَارَ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ ، وَيُبْغِضُونَكُمْ ، وَتَدْعُونَ عَلَيْهِمْ وَيَدْعُونَ عَلَيْكُمْ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ : أَفَلا نُبَادِيهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لاَ مَا صَلَّوْا ، وَمَنْ وُلِّيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ وَلاَ يَنْزِعْ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ. » مسند البزار.

والادهى من هذا الامر والامر منه  ان من اغنياء المسلمين من لم يدرك او من لا يريد ادراك واجبه الشرعي تجاه اخوته فترى منهم من ينفق الملايين على يخت او قصر او حتى على صقر او لرقم سيارة لتميزه, فتطول يده في هذا الامر وتقصر في الخير ولنا في اغنياء المسلمين من الصحابة العبرة والعظة فلقد روى الطبراني في معجمه الكبير قال ( حدثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا عمارة بن زاذان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال * بينما عائشة رضي الله عنها في بيتها إذ سمعت صوتا رجت منه المدينة فقالت ما هذا فقالوا عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشام وكانت سبعمائة راحلة فقالت عائشة رضي الله عنها أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا فبلغ ذلك عبد الرحمن فأتاها فسألها عما بلغه فحدثته قال فإني أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في سبيل الله).

لقد فهم المسلمون قول الله عز وجل ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (77)القصص. فدارت حياتهم واموالهم ضمن هذا الاطار فاجتهدوا لتكون اموالهم وجاههم وقوتهم وكل ما وهبه الله لهم قوارب نجاة توصلهم لنيل رضوان الله,فلا معنى لوجود المال ان لم ينفع صاحبه بل هو فتنة واذى ان اضر بصاحبه ان كان فردا,فما بالكم واموال المسلمين لا ينتفعون بها ,فالغاشم يبيع النفط ويودعه عند الكافرويكدسه,والكافريتصرف في المال وفق رأيه واجتهاده ليس كانه ماله بل لانه ماله فمال عبده ماله,وسيف تجميد هذه الاموال مسلط دائما ولاي سبب ,وخذ مثال ذلك ليبيا اذ ان لها في بنوك امريكا فقط ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين مليار دولار وهي اليوم تعاني الامرين ولا تستطيع ان تأخذ فلسا واحدا من مالها فمال المسلمين المكدس ارقام افتراضية عند الكافر, والكافر يأخذ المادة الخام الحقيقية.

               

ان حاجة المسلمين لامير هي كحاجة الجسد للراس ,والسلطان هو الراس وهو القائم في امور رعيته, والرعية هم من لهم سلطان وراس, وسموا بالرعية لتلاصقهم بالراعي وانتسابهم اليه  برعايته لهم, فهم من يرعاهم الراعي, والعدد غير مهم اطلاقا, فالعدد الكثير ان لم يكن لهم راس فليسوا برعية بل هم رقم وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ ، قَالَ : حدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ ( تُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْقَوْمُ عَلَى قَصْعَتِهِمْ ، يُنْزَعُ الْوَهْنُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيُجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ وَتُحَبَّبُ إلَيْكُمَ الدُّنْيَا ، قَالُوا : مِنْ قِلَّةٍ ، قَالَ : أَكْثَرُكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ) مصنف ابن أبي شيبة:ج7/ص463 والغثاء هو الهالك البالي من ورق الشجر.

ان المسلمين اليوم تعدادهم يربو عن المليار بكثير عددا ولكنهم من حيث التاثير اصغر من الصفر بقليل فلا يحسب لهم حساب الا في حالة الذم او لامرهم بالدفع, ولقد كثر الناهشون لهذا الجسد الضخم الذي ليس له راس,حتى امسى لا يستطيع الدفاع عن نفسه امام أي صغير متطاول عليه بالرغم لامتلاكه الموارد الخام الضخمة وللموقع الجغرافي الهام ولعدده ,فكان لا بد من ان ينصب هم المسلمين وكل طاقاتهم للعمل الجاد الدؤوب لايجاد الامير الذي يحمي البيضة ويذب عنهم ويحميهم من عدوهم ومن جوائح الدهر ونازلاته,وليس هذا فقط بل لا بد لهم ان يعلموا ان سياسة التجويع يمارسها الكافر كسلاح ضد اعدائه لاخضاعهم لشروطه واملاءآته,ولا يهتز ألما ان مات الآلاف جوعا لان الغاية عنده تبررالواسطة. .

ولقد تصفحت بعض المواقع فرأيت ما يؤلم حقا,انها صور تتكلم عن نفسها وليست بحاجة لتعليق بل هي تعليق بحد ذاتها:



ينتظرموتة ليأكله..؟؟؟؟؟ والله لا ارضى لولدي هذا ولا لابناء المسلمين.

لقد جعل الإسلام من أسباب التملك الشرعية أخذ المحتاجين المال لأجل الحاجة للحياة بالقوة من أي مكان يجده والسبب في ذلك أنّ العيش حقّ لكل إنسان فيجب أن ينال هذا العيش حقاً لا منحة ولا عطفاً، وذلك  بالعمل، وإذا تعذر عليه إيجاد العمل كان على الدولة الإسلامية أنْ تهيئه له، لأنها الراعي لهذه الرعية، فإذا تعذّر عليها إيجاد العمل له، أو عجز عن القيام بالعمل كان عيشه واجباً على من تجب عليه نفقته شرعاً، فإن لم يوجد من يقوم بنفقته، أو وجد وكان غير قادر على الإنفاق، كانت نفقته والحالة هذه على عامة المسلمين، وعلى بيت المال، وإذا خلا بيت المال من القيام بضمانة عيشه، أخذت الدولة من فضول أموال الإغنياء لتحقيق ذلك، وإذا قصّرت الدولة عن سدّ جوعات الإنسان، أو كان في وضع لا يستطيع حصوله على حقّه من قبل الدولة، أو لم تقم به جماعة المسلمين مع علمهم بحاله.

ومن المؤكد أن الدولة التي تطبق الإسلام عقيدة ونظاماً لا تقصّر تجاه رعاياها. كما أن من المؤكد أن جماعة المسلمين لا يقصّرون تجاه إخوانهم المحتاجين كان من حق الفرد المحتاج أن يأخذ ما يقيم به أوده، من أيّ مكان يجده سواء أكان عند الدولة، أم عند الأفراد، وأخذه لحاجة حياته يجعله ملكاً حلالاً له.       

ولم يقطع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الرمادة - المجاعة - يد من أخذ لسد حاجته لأجل حياته، لأنه لم يعتبر سارقاً لعدم توافر شروط قطع اليد بالسرقة، التي منها أخذ المال لغير حاجة الحياة.

ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا قطع في مجاعة مضطر " وقوله: "لا قطع في الطعام المهيأ للأكل " وبهذه الأسباب التي اتخذها الإسلام مكّن كل فرد من إشباع حاجاته كلُها إشباعاً كلياً ووفّر له رفاهيته وجعله يعيش عيشة رغيدة ورعاه رعاية حسنة,وكان من أثر رعايته أن أصبح بيت المال كافلاً لكل فرد، راعياً له.

وقد وصلت كفالة بيت المال أن فرض عبد الملك بن مروان رئيس الدولة الإسلامية، راتباً لخادم المُقْعَد، وراتباً لقائد الأعمى، بل أصبح الناس في المجتمع الإسلامي، لا يحتاجون إلى مساعدة بيت المال لتوفّر حاجاتهم ورفاهيتهم، فقد حدَّث يحيى بن سعد عامل عمر بن عبد العزيز قال: " بعثني أمير المؤمنين على صدقات أفريقيا فاقتضيتها وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد بها فقيراً يقبل الزكاة ولم نجد من يأخذها منا وقد سمعت الناس يقولون: لقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس.

ومن مجموع هذه الأسباب التي اتخذها الإسلام كان كل إنسان متمتعاً بالرفاهية مشبعاً الحاجات الأخرى, فما أحوج المسلمين اليوم لأن يحملوا الدعوة الإسلامية لسيادة أحكام الإسلام في الأرض استجابة لأمر الله تعالى، ورعاية لشؤونهم، وكفالة لحقوقهم، وضماناً لحاجاتهم.

فبحكم الاسلام وحده يتحقق للناس الرفاهية في الدنيا، والعيش الطّيب فيها، بعد أن ضاعت حقوقهم، وحُرِموا من إشباع حاجاتهم الاساسية وهم الاغنياء، فلم تُرعَ شؤونهم وقد أصابهم القلق النفسي، والاضطراب الفكري، وهم تائهون في هذا البحر الذي تسيطر عليه الشقاوة وتتلاطم عليه أمواج الكفر والإلحاد وتخيم عليه الفوضى والارتباك بكل معانيها.

وهم لا يدرون كيف ينجون منه، وفي أي طريق وسبيل يسلكون ولكن رب العالمين الرؤوف بعباده، عيّن الطريق وبيّن السبيل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. فقال جل جلاله: ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن أتبعني )يوسف 108 ، ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )الانعام153.من الاسلام ضامن للحاجات عبد العزيز البدري.
 
جواد عبد المحسن
حديث رمضان 11

إرسال تعليق

0 تعليقات