هل كسر الخواطر حرام شرعًا

 


هل كسر الخواطر حرام شرعًا

لا تعتذر من بعد كسرِك خاطري   فالروحُ ليست كالعظامِ لتُجبَرا

قد كان حظي من سهامِكَ وافرّا     وجعلتُ حظَّكَ من سماحي أوفرا

أوَ غرَّك الصفحُ الجميلُ فزدت بي      مكرّا؟! وما كنتُ اللئيمَ لأمكُرا

اليوم أشكو المكرَ منكَ لخالقي      (واللهُ خيرُ الماكرينَ) غدًا ترى

حسين العبدالله

خلق سيئ وتصرف ذميم ينبئ عن صاحبه، إنّ كسر الخواطر حرام شرعًا، مُضيفًا أن الدنيا لم تر أسوأ من خُلق كسر الخواطر وتكدير القلوب وإحزان النفوس بالكلمة السيئة والتصرف المشين والإحراج ممن فقد المروءة وقل إيمانه وهزل إسلامه وانقلب قلبه، لافتًا إلى أن أولئك هم قساة القلوب الذين ينطبق عليهم قول الحق تبارك وتعالى «فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله»، وقوله عزّ وجلّ»، «ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة».

أن كسر الخواطر خلق سيئ وتصرف ذميم ينبئ عن صاحبه السيئ الذي ذهبت مروءته وشيمته بعد إيمانه وإسلامه، لافتًا إلى أن كسر الخواطر حال رديئة وتردٍ في الأخلاق وسفول في الآداب تدل على سقوط نفس صاحبها، وانفلات عقله، وخبث نفسه، وظلام صدره، ولذلك لا يكون إلا ممن غضب الله عليه وسخطه، قاتلهم أنى يؤفكون.

ان كاسر الخواطر هزيل الإيمان وسيئ الدين، من إهماله وتعديه على الناس، أعمى الله قلبه وتركه في ظلماته، وتخبطاته، وانه عديم الإحساس، لا يشعر بحال من تسبب في كسر قلوبهم وخواطرهم وهو كذلك ظالم لنفسه، متعدٍ لحدود الله فقد دينه وخلقه وأدبه، فهو يتخبط في جهله.

فكاسر الخواطر لا يحبه الناس ويكرهونه ويبغضونه ولا يجالسونه ولا يتفقدونه ويهجرونه، يدعون عليه ولا يدعون له، يفرحون بفراقه، ويحزنون لحضوره،وهو من معاول الهدم، والتخريب يهدم ولا يبني ،ويكسر ولا يصلح، ولا يرمم مآسيه كثيرة ومشاكله ومصائبه لا تُعد ولا تُحصى هو من أكثر من يتأذى بسببه المجتمع.

فكم هدم من النفوس وكم كدر من الخواطر، وكم أزعج وضيق من القلوب. فإثمه كبير ووزره وحمله ثقيل وحسابه عسير لأنه يتعرض للفقراء والمساكين واليتامى والمعوزين والضعفاء الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا وهذه الفئة الضعيفة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها ولكنها في رعاية الله وكنفه، ولذلك فإن الله تعالى لكاسر الخواطر هذا بالمرصاد، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كم من مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره.. ويقول: اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة « يعني: اللهم ألحق الحرج والإثم بمن ضيع حق الضعيفين وهذا تحذير من رسول الله، من التعدي على هؤلاء لضعفهم وفي رواية: إني أحرج عليكم حق الضعيفين.

ان كسر الخواطر أشد من كسر اليد أو الرجل، لأن اليد أو الرجل تجبر وتعود كما كانت، أما كسر الخواطر فإنه لا يجبر، ويبقى مكسور الخاطر عليلاً، ولأن جبر الخاطر بعد كسره يصعب جبره وإعادته كما كان، ولذلك مكسور الخاطر لا ينسى كاسر خاطره ولو بعد حين. وقد يموت الإنسان بسبب كسر خاطره، ولذلك كسر الخواطر يهدم النفوس، ويعل القلوب، ويمرض البدن.

ومن بلوى كسر الخواطر: أنه يجعل من فاعله متجبرًا مستكبرًا مستعليًا ، متعدياً للحدود ويجعل من المكسور أحياناً شرساً، متوحشاً، ومتمرداً وحاقداً على المجتمع الذي لم ينصفه ، ويعمل على هدمه وتخريبه ويبحث عما يدمره

لقد عاتب الله تعالى رسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم عندما كسر قلب عبدالله بن أم مكتوم بغير قصد منه صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عليه :»عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى.. فكان بعد ذلك يكرمه ويرفع قدره، وقال الله تعالى:(فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر…) قال القرطبي عند آية سورة عبس: أقبل ابن أم مكتوم والنبي - صلى الله عليه وسلم - مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الله تعالى ، وقد قوي طمعه في إسلامهم وكان في إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم ، فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى فقال : يا رسول الله علمني مما علمك الله ، وجعل يناديه ويكثر النداء ، ولا يدري أنه مشتغل بغيره ، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقطعه كلامه ، وقال في نفسه : يقول هؤلاء : إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد ; فعبس وأعرض عنه ، فنزلت الآية . قال الثوري : فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول : " مرحبا بمن عاتبني فيه ربي " . ويقول : " هل من حاجة " ؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما . قال أنس : فرأيته يوم القادسية راكبا وعليه درع ومعه راية سوداء .

       ان خلق الله تعالى الإنسان ونفخ فيه من روحه، فهو أكرم مخلوق عليه، فكل من يكرم هذا المخلوق فهو في معية الله. وجاء في الأثر: " خير الناس أنفعهم للناس".. " والخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله". لذلك كل من يقوم بجبر خواطر هؤلاء الخلق، فهو يقوم بأكبر ثواب ونشر الطاقة الإيجابية وزرع الخير في نفوس البشر، والعكس صحيح فإن كسر الخواطر نشر السلبية ويذهب بالنعم.

فأخطر ما يكون نفسيًا على الإنسان هو «كسر الخواطر» في المقابل فإن «جبر الخواطر» يجلب طاقة إيجابية، ومن ثم فأن أي «كسر للخاطر» يجلب طاقة سلبية ويمنح صاحبها «تكدير للنفس طوال اليوم». والله عز وجل يقول مخاطبًا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: « فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ».

وعلى مستوى الأفراد العاديين، يرددون دائمًا، «ربنا يجبر بخاطرك» لأن جبر الخواطر واقع على الناس كبير جدًا، أيضًا يردد الحكماء: «إياك وكسر الخواطر.. فإنها ليست عظاما تجبر بل أرواحا تقهر»، لأنه بالفعل كسر الخواطر يكسر القلب مباشرة، ويطغي على من تعرض لذلك حالة نفسية صعبة ويأس يصعب الخروج منه.

والرسول نفسه صلى الله عليه وسلم في أحيان كثيرة كان يحتاج إلى مواساة ومساندة وجبر لخاطره، فكانت بجواره زوجته خديجة أحيانًا، وكان يجد الله سبحانه وتعالى هو من يؤازره بنفسه، فحينما خرج من مكة مهاجرًا وهي البلد التي ترعرع ونشأ وتربي فيها، في هذا الموقف الصعب على نفس الرسول الكريم والفراق الأليم لأحب بلد إليه أنزل الله من فوق سبع سماوات آيات تتلى لتجبر خاطره، يقول تعالى: « إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ»القصص 85، فإذا كان الله عز وجل يستشعر الناس فما بالنا نحن لا نتعلم كيف نواسي بعضنا بعضًا؟.

وقال سلمان الفارسي - رضي الله عنه - : جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عيينة بن حصن والأقرع بن حابس فقالوا : يا رسول الله ; إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم - يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين ، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك ، فأنزل الله - تعالى - : واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه - حتى بلغ - إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها . يتهددهم بالنار . فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات .

والنبي الذي واساه الله وطيب خاطره، بما يرد وبما يفعل، تخيل.. أنه يرفع يده إلى السماء ويقول يارب أمتي.. «إذ يروى في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في سيدنا إبراهيم: «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» إبراهيم :36، وأيضًا تلا قول عيسى عليه السلام: »إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم» المائدة: 118.. فرفع يده وقال اللهم أمتي أمتي وبكى.

 فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم، بما قال، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك».. فأي جبر خاطر هذا وأي ود وحب هذا..

إرسال تعليق

0 تعليقات