الخذلان

الخذلان

تقول العرب الخاذِلُ ضد الناصر خَذَله وخَذَل عنه يَخْذُله خَذْلاً وخِذْلاناً تَرَكَ نُصْرته وعَوْنه، والتَّخْذيل حَمْلُ الرجل على خِذْلان صاحبه وتَثْبِيطُه عن نصْرته، الأَصمعي إِذا تَخَلَّف الظبيُ عن القَطِيع قيل خَذَل.
وفي لسان العرب خِذْلانُ الله العبدَ أَن لا يَعْصِمَه من الشُّبَه فيقع فيها نعوذ بلطف الله من ذلك، وخَذَّل عنه أَصحابَه تخذيلاً أَي حَمَلَهم على خِذْلانه، وتَخَاذَلوا أَي خَذَل بعضُهم بعضاً، وفي الحديث: المؤمن أَخو المؤمن لا يَخْذُله، الخَذْل ترك الإِعانة والنصرة.
قال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160]. وهذه الآية تتضمن سنة من سنن الله جل وعلا في هذه الحياة، وبادئ ذي بدء فان ظاهر المعنى الواضح من الآية ليس موضع شك ولا اعتراض ولا جهل من المسلمين المؤمنين المخاطبين بالآية، فكل أحد يعلم أن الناصر هو الله عز وجل وأن نصره لا يرد، وإذا كان الأمر كذلك فإن في هذا الخبر القرآني معنى مراداً وقصداً مطلوباً، ويشبه ذلك أيضاً ما ورد في قوله جل وعلا {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2]. والمراد هو أن هذا الخبر يتضمن أمرين متلازمين:
-       أولهما التسلية والتسرية فإن الآيات قد جاءت أيضاً في سياق ما كان من أحداث غزوة أحد وما حل فيها بالمسلمين، فكأن الحق جل وعلا يسري عن المسلمين فيقول لهم إن ما قضاه الله جل وعلا من هذه الجولة التي كانت فيها للمشركين صولة فإنما هو بما قدره سبحانه وتعالى وإن في قدره حكمة بالغة وإن فيها نفعاً عظيماً وإن فيها تربية صالحة للأمة، ولذلك إذا أيقن المؤمنين بذلك كان لهم فيه أحسن عزاء وأعظم تسلية.
-       والأمر الثاني وهو تابع لهذا ومتصل به وهو البعد عما يوقعهم في الخذلان؛ لأنه إذا كان النصر من الله وإذا كان الخذلان أيضاً مرجعاً إلى تقديره سبحانه وتعالى فإذاً كأن القرآن يقول لنا معاشر المسلمين إن كنتم توقنون بأن النصر من الله فخذوا الأسباب التي توجب لكم نصره وتنزل عليكم تأييده وتمدكم بجنده كما فعل مع رسوله صلى الله عليه وسلم وكما كان مع المؤمنين في كل حال وآن، وكما وقع في (ُأحد) لمخالفة نفر قليل من الصحابة فاعلموا كذلك أنما قد يكون من مخالفاتكم ومن معاصيكم أثر فاجتنبوا ذلك لئلا يحصل لكم ذلك.
ومن هنا أيضاً نبدأ من نقطة ثانية فإن الآية فيها ترغيب في الطاعة وفيما يستحق به المسلمون النصر من الألفة والوحدة ونبذ الشقاق والخلاف؛ لأنه كأنما تغريهم بنصر الله فتحثهم حثاً قوياً وترغبهم ترغيباً أكيداً فيما يحصل بذلك، وفي الوقت نفسه يأتي التحذير المقابل لهذا. {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} فالمراد: إن يرد الله نصركم وإن يرد الله خذلانكم، فالآية مربوطة بالإرادة كما في قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] ليس إذا وقفت في الصف وإنما إذا أردت التوجه إلى الصلاة فابتدر بالوضوء واغسل وجهك وافعل تلك الأفعال المقصودة بالوضوء.
{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ} ونلاحظ هنا الصيغة بالفعل المضارع الذي يدل على الاستمرار حتى لا ننسى هذا ويدل على الاضطراد كذلك، والنصر هو"الإعانة على الخلاص من غلبة العدو ومريد الإضرار" كما ذكر ابن عاشور في تفسيره، فالنصر هو تحقق مرادك لا مراد عدوك وحصول قصدك لا حصول قصده، وبالمقابل الخذلان هو الإمساك عن الإعانة على النصر مع القدرة، وقدرته لا يحدها شيء وفي قدرته أن ينصر عباده المؤمنين في كل وقت وحين مهما كانت القوة التي تواجههم، فإذاً الخذلان هو ترك النصرة كما قال بعض أهل التفسير بهذا التعبير ترك النصرة أي أن الناصر سبحانه وتعالى موجود وقدرته موجودة وملائكته موجودة والريح التي يسخرها موجودة لكنه أمسك ذلك كله وترك إعانة أولئك بنصرهم وخذلهم لخذلانهم بما كان منهم من معصية الله سبحانه وتعالى، ولذلك الخذلان هو غاية الترك، لأن هناك صور من الترك متفاوتة.
إن الإنسان يذنب ويخطئ ويعصي (وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، وبقدر هذه المعصية يكون شيء من ترك الله عز وجل لنصرته، لكنه إن بلغ مبلغاً كان فيه يعتقد أن هذه المعصية ليست معصية، وأن هذا الفعل مرغوب فيه أو مطلوب منه ولم يلتفت إلى الحرمة الشرعية فحينئذ يكون الخذلان أكبر، وضرب التستري في تفسيره مثالاً، فآدم عليه السلام كما نص القرآن {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 121، 122] فآدم عصى فجعل لمعصيته أثر وهو نزوله إلى الأرض لكن الله لا يتخلى عنه ولم يخذله، وأُمر إبليس بالسجود لآدم فأبى واستكبر، وكانت عنده حجة {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61] فكان حينئذ خذلان بتركه كلية والله عز وجل عالم وقد قدّر ذلك لكن هذه الصورة هي التي تبين لنا الفرق بين مجرد معصية يتوب منها الإنسان أو معصية يقر فيها بالذنب ويندم عليها ويرجو أن يخلصه منها، وبين أمر يمارسه وهو مصر عليه ويقول إنه الأفضل وإن سواه ليس مرغوباً وليس مطلوباً وإن ما تقولونه من هذه الأمور هو ضرب من الخيال ونوع من البعد عن الواقعية وغير ذلك فهذا والعياذ بالله قد يكون فيه خذلان؛ لأنه مخالفة مع إصرار وربما يكون فيه معنى المخالفة مع التسويغ والتبرير.
{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} لم يقل فلا تغلبوا لأن هذا المعنى الذي ذكرته الآية بهذه الألفاظ أعم وأشمل وهو أمر مضطرد لا يتخلف، ومعناه أنه لن تغلبوا ولا في وقت من الأوقات ومهما كانت القوة التي تواجهكم ومهما كانت صورة ضعفكم؛ لأن الله أراد نصركم، فهو يسبب لذلك الأسباب فقد يقذف الرعب في قلوب الأعداء، وقد يجعل بأسهم بينهم، وقد ينزل عليهم رجزاً من السماء، وقد يزلزل الأرض تحت أقدامهم، فكل الأمور في قدرة الله عز وجل ممكنة، قال: {فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} أي لن يكون هناك من يغلبكم بحال من الأحوال.
وعندما قال: {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ} لم يقل بعدها (فلا ناصر لكم) بل قال: {فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} لأن الأمر هناك مختلف والإرادة الإلهية لا تتضمن في  الآية أنه سيتخلى عن عباده ويخذلهم كالخذلان الذي رأيناه في قصة إبليس، كلا، ولذلك جعل الأمر على غير هذا، أولاً تسلية وتعزية للمسلمين، وثانياً لإمكان المراجعة فإن رجعتم فنصرتم الله عاد إليكم نصره واستطعتم أن تواجهوا عدوكم ولن يكون خذلانكم ولا هزيمتكم إلا جولة ثم تعودون مرة أخرى إلى ما كنتم عليه، وهذا الذي رأيناه أو عرفناه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومن تاريخ أمتنا كذلك.
قال بعض أهل التفسير كلاماً جميلاً هنا {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} قالوا: "إن أول نصر يحققه الإنسان هو نصره على نفسه" فالذي يهزم في معركة نفسه سيكون عنده بشكل من الأشكال أو صورة من الصور شيء من الخذلان؛ لأن النصر هو النصر على العدو وأعدى الأعداء وأقربها إلينا وألصقها بنا وأكثرها تداخلاً معنا هي النفس الأمارة بالسوء التي تدعو إلى اتباع الهوى والتي تركن إلى الدنيا ولا تتعلق بالآخرة، وكل هذه  المعاني مهمة، وإن ينصركم الله فحينئذ لن يغلبكم الشيطان ولن تغلبكم قوى الأرض لأنكم انتصرتم على أنفسكم بالإيمان بإيثار ما عنده على ما في هذه الدنيا وسيكون حالكم حينئذ على غير الذي تكونون عليه، فحينئذ ستنصرون على جنود الشهوات وستنصرون على جنود الشبهات وتنتصرون على جنود الأرض والبشر الذين قد يحاربونكم ويواجهونكم، {فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} أي من الناس فلن يغلبكم مع نصره سبحانه وتعالى أحد. {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} إما من بعد خذلانه أو من بعد الله سبحانه وتعالى، وكلا الأمرين معناه قريب وظاهر، وهذا كله يفضي إلى تحقيق يقين المؤمن برد الأمور كلها لله، {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} آل عمران 126، فكل أمر إذا عرفنا ردّه إلى الله وكان ذلك يقيناً في نفوسنا حينئذ نطلبه دائماً منه سواء بالدعاء أو بالاستقامة مع أخذنا بالأسباب إذا كان هذا اليقين راسخاً بأن الأسباب تؤدي إلى النتائج، وإنما الذي يحقق الغاية هو مسبب الأسباب ورب الأرباب سبحانه وتعالى، فالأسباب حينئذ هي مجرد أمر مطلوب شرعا، أما النتيجة فنفهمها من أخذ النبي كفاً من حصى ورميه بها في وجوه القوم وقال (شاهت الوجوه) فما من أحد إلا وكان فيه أثر منها، وقبل بدر قال (هذا مصرع أبي جهل، هذا مصرع فلان...) فما تجاوز  أحد منهم الموضع الذي عيّنه النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فإن النبي دعا وأخذ يصف أصحابه وهيأ أسبابه التي كانت أسباباً ضئيلة قليلة كليلة بالمقياس المادي، ومثل ذلك {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} امرأة ضعيفة في حملها وأضعف عند ولادتها تهز نخلة فكانت النتيجة {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم  25] هذه أسباب لا نتوانى في الاخذ بها طاعة لله وهو يسبب الاسباب.
وختمت الآية بقوله سبحانه وتعالى {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وهذا المعنى يعطينا اليقين بأن الأمور كلّها من الله، وهذا اليقين يفيدنا شيئاً مهماً وهو أنه لا يأس من روح الله ولا قنوط ولا استبعاد لنصره {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف110] وكما قال الحق سبحانه وتعالى في شأن كل البلاء الذي يحصل ويستبطئ بعض المؤمنين النصر لأجله حتى يقولوا {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} والجواب: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} البقرة 214.
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها       فرجت وكنت أظنها لا تفرجُ
وأود ان اختم الموضوع بايراد مثالين حتى تتضح صورة النصر وصورة الخذلان، فان النبي عليه الصلاة والسلام قبيل معركة بدر استعرض جنوده ومقاتليه، وقال لهم أشيروا عليّ أيها الناس، فقام سيدنا سعد بن معاذ، وقال للنبي عليه الصلاة والسلام، والله يا رسول الله لكأنك تريدنا، فقال عليه الصلاة والسلام، فقال: أجل فقال يا رسول الله لقد أمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا، ومواثيقنا على السمع والطاعة لك فامضي يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصُبرٌ في الحق، صدق في اللقاء، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وأعطنا ما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، فوالذي بعثك بالحق للذي تأخذه من أموالنا أحب مما تبقيه لنا.
واما المثال الثاني فقول بني اسرائيل لنبيهم موسى عليه وعلى نبينا افضل صلاة وسلام حين طلب منهم دخول الارض المقدسة وصدق الله العظيم: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) المائدة.
اننا حين نحاول فهم هذه القضية لا بد لنا من النظر اليها من زاوية العقيدة حتى لا ننجرف الى او ننحرف عن هذه الزاوية بترسمنا لخطى المصطفى صلى الله عليه وسلم في سيره لأن المسألة ليست عقلية، ولا بد من نقاط نحددها من افعاله فانه صلى الله عليه وسلم قد بين لنا الفرق بين طلب النصرة لشخصه وبين طلب النصرة للدعوة، فطلبها من المطعم بن عدي لنفسه ولم يطلبها منه للدعوة، وهذا يوضّح لنا انها لا تطلب الا من قادر عليها قطعا (وليس بغلبة الظن) فالمطعم قادر على ان ينصر الرسول ويحميه والرسول لم يذهب لغيره مع وجود هذا الغير، وكونه كافرا ليس مانعا لهذا الطلب.
انه صلى الله عليه وسلم عندما عرض نفسه على القبائل لينصروا دعوته ذهب للقادرين عليها، وان عدم استجابتهم له مع وجود القدرة عندهم هو خذلان، وهذا لا يعني مطلقا انه مخذول من الله، وتكرر فعله دالٌ على ذلك، فدوام مخاطبة صاحب القوة هو اخذ باسباب النصر لا يجوز تجاوزه او الاستعاضه عنه بغيره لان ذلك مخالفة للطريقة، وعدم الاستجابة لا يعني اننا ذهبنا للعنوان الخاطىء.
ان للخذلان صور عديدة وكذلك الامر بالنسبة للنصر، فوقوع الجائحة من طوفان او زلزال او ما يشبه ذلك من مجاعة وغيرها، فتسمّى الاعانة نصرا في وقتها وعدمها خذلانا ولا يسمّى نصرا ان فات وقتها، فلا يتعلق الامر بصورة واحدة، ومثاله أن مولى لعائشة بنت سعد بن ابي وقاص بعثته ليقتبس نارا فأتى مصر وأقام بها سنة ثم جاءها بنار يعدو فتبدد الجمر فقال تعست العجلة فقالت عائشة:
بعثتك قابسا فلبثت حولا ... متى يأتي غياثك من تغيث
ان هناك فرقاً بين القدرة والارادة من ناحية النصر او الخذلان، فجيوش المسلمين عندهم من القدرة ما عندهم، ولكنّ الارادة بيد المستوى السياسي وهو الذي يحدد الفعل، وعدم استجابة مسلوب الارادة لا يسمّى خذلانا، مع علمنا بانهم مسلمون ويتوقون الى ما نتوق له وتكرار فعلنا ليس نفخا في رماد وانما هو التزام بطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعد الله معقود ونسأله ان يكون ذلك قريباً.


حديث رمضان 15
جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات