المتاع


المتاع

في موضوع المتاع والفعل (متع) واستمتع والمتعة والمتاع والاستمتاع وكل ما يدور حول هذا الفعل نحاول ان نضع تعريفا يجمع كل هذه الافعال لنحاول الفهم.المتاع :هو كل ما يتلذذب به او ينتفع به ....ثم يأتي عليه الفناء...ويتعلق الامر اما بالنسبة للشىء واما بالنسبة للفعل.اما المتاع بالنسبة للشىء فانت تبني دارا او ما يدور في دائرتها وتتمتع بهذا الشىء الذي بنيته من دار ودكان ومصنع وحديقة ...ويأتي عليها الفناء فتنهدم او تخرب او اي امر يطرأعليها فتقادو وتعاقب الايام يفنيها.ومنه قوله تعالى(فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) النمل وقوله تعالى(وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) الاعراف.واما ان تعاق المتاع بالنسبة للفعل فيحصل التلذذ به حين فعله من اي فعل كاللعب بالورق او الغلبة او حتى الظلم ففيه بالنسبة للظالم تلذذ وعافانا الله واياكم فايضا الكفر بالنسبة للكافر فيه متعة وتلذذ في قوله تعالى( قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) الزمر, وشارب الخمر يتمتع بشربه وكذلك معصيته لربه واسمع قول الشاعر(اسقنيها وقل لي انها الخمر حتى يتلذذ بالذوق وفي السمع
ان الله جلت قدرته قد خلق لنا من الادوات ما يمكننا من الاستمتاع بعمه اذ اننا لا يمكنا ان نتمتع الا بوجودها ففاقد الذوق مثلا لا يمكنه ان يتمتع بما هو حلو وحامض وفاقد الشم لا يمكنه ان يتمتع بالروائح وهكذا فالمتع خلقها الله وكذلك ادوات الاستمتاع بها.وقد اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم(عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل و هو يعظه : اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك و صحتك قبل سقمك و غناك قبل فقرك و فراغك قبل شغلك و حياتك قبل موتك ) هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ,فتشغلنا المتع التي نملكها ونستعملها وكانها امر ملاصق وملازم لنا ونتعاطى معها وكانها دائمة لنا فجاء هذا الحديث لينير لنا دربنا فهذا الشباب ومتعه سيفنى وهذه الصحة ومتعها ستفنى وهذا الغنى سيفنى وكل ما تتمتع به سوف تفنى ادواته عندك ولا تستطيع ان تتمتع لان ادواتها بليت وفنيت .ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم «يُنَادِي مُنَاد:ٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}».
في قوله تعالى(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)الحديد.ويقول الفخر الرازي في هذا الموضوع ففيه مسائل
المسألة الأولى : ما الفرق بين اللهو واللعب ، حتى يصح عطف أحدهما على الآخر ؟ فنقول : الفرق من وجهين :
أحدهما : أن كل شغل يفرض ، فإن المكلف إذا أقبل عليه لزمه الإعراض عن غيره ، ومن لا يشغله شأن عن شأن هو الله تعالى ، فالذي يقبل على الباطل للذة يسيرة زائدة فيه يلزمه الإعراض عن الحق ، فالإقبال على الباطل لعب والإعراض عن الحق لهو ، فالدنيا لعب أي إقبال على الباطل ، ولهو أي إعراض عن الحق .
الثاني : هو أن المشتغل بشيء يرجح ذلك الشيء على غيره لا محالة حتى يشتغل به ، فإما أن يكون ذلك الترجيح على وجه التقديم بأن يقول أقدم هذا وذلك الآخر آتي به بعده ، أو يكون على وجه الاستغراق فيه والإعراض عن غيره بالكلية ، فالأول لعب والثاني لهو ، والدليل عليه هو أن الشطرنج والحمام وغيرهما مما يقرب منهما لا تسمى آلات الملاهي في العرف ، والعود وغيره من الأوتار تسمى آلات الملاهي ; لأنها تلهي الإنسان عن غيرها لما فيها من اللذة الحالية ، فالدنيا للبعض لعب يشتغل به ، ويقول بعد هذا الشغل أشتغل بالعبادة والآخرة ، وللبعض لهو يشتغل به وينسى الآخرة بالكلية .
المسألة الثانية : قال الله تعالى في سورة الأنعام : ( وما الحياة الدنيا ) ولم يقل وما هذه الحياة وقال ههنا : ( وما هذه ) فنقول ; لأن المذكور من قبل ههنا أمر الدنيا ، حيث قال تعالى : ( فأحيا به الأرض من بعد موتها ) فقال هذه والمذكور قبلها هناك الآخرة حيث قال : ( ياحسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ) [ الأنعام : 31 ] فلم تكن الدنيا في ذلك الوقت في خاطرهم فقال : ( وما الحياة الدنيا ) .
المسألة الثالثة : قال هناك : ( إلا لعب ولهو ) وقال ههنا : ( إلا لهو ولعب ) فنقول لما كان المذكور هناك من قبل الآخرة وإظهارهم للحسرة ، ففي ذلك الوقت يبعد الاستغراق في الدنيا بل نفس الاشتغال بها ، فأخر الأبعد ، وأما ههنا لما كان المذكور من قبل الدنيا وهي خداعة تدعو النفوس إلى الإقبال عليها والاستغراق [ ص: 81 ] فيها ، اللهم إلا لمانع يمنعه من الاستغراق فيشتغل بها من غير استغراق فيها ، ولعاصم يعصمه فلا يشتغل بها أصلا ، فكان ههنا الاستغراق أقرب من عدمه فقدم اللهو .
المسألة الرابعة : قال هناك : ( وللدار الآخرة خير ) [ الأنعام : 32 ] وقال ههنا : ( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ) فنقول لما كان الحال هناك حال إظهار الحسرة ما كان المكلف يحتاج إلى رادع قوي فقال الآخرة خير ، ولما كان ههنا الحال حال الاشتغال بالدنيا احتاج إلى رادع قوي فقال لا حياة إلا حياة الآخرة ، وهذا كما أن العاقل إذا عرض عليه شيئان فقال في أحدهما هذا خير من ذلك يكون هذا ترجيحا فحسب ، ولو قال هذا جيد وهذا الآخر ليس بشيء يكون ترجيحا مع المبالغة ، فكذلك ههنا بالغ لكون المكلف متوغلا فيها .
المسألة الخامسة : قال هناك : ( خير للذين يتقون ) [ الأنعام : 32 ] ولم يقل ههنا إلا لهي الحيوان ; لأن الآخرة خير للمتقي فحسب أي المتقي عن الشرك ، وأما الكافر فالدنيا جنته فهي خير له من الآخرة ، وأما كون الآخرة باقية فيها الحياة الدائمة فلا يختص بقوم دون قوم .
المسألة السادسة : كيف أطلق الحيوان على الدار الآخرة مع أن الحيوان نام مدرك ؟ فنقول : الحيوان مصدر حي كالحياة ، لكن فيها مبالغة ليست في الحياة ، والمراد بالدار الآخرة هي الحياة الثانية ، فكأنه قال : الحياة الثانية هي الحياة المعتبرة أو نقول : لما كانت الآخرة فيها الزيادة والنمو كما قال تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ يونس : 26 ] وكانت هي محل الإدراك التام الحق كما قال تعالى : ( يوم تبلى السرائر ) [ الطارق : 9 ] أطلق عليها الاسم المستعمل في النامي المدرك .
المسألة السابعة : قال في سورة الأنعام : ( أفلا تعقلون ) وقال ههنا : ( لو كانوا يعلمون ) وذلك لأن المثبت هناك كون الآخرة خيرا وأنه ظاهر لا يتوقف إلا على العقل والمثبت ههنا أن لا حياة إلا حياة الآخرة ، وهذا دقيق لا يعرف إلا بعلم نافع .


 حديث رمضان 16
جواد عبد المحسن


إرسال تعليق

0 تعليقات