الحور
العين
أولاً :
إن رضى الرحمن ودخول الجنان
هو غاية ما يتمناه المؤمن والمؤمنة ، فإذا خرج من الدنيا وقد فاز برضوان الله فليبشر
بعد ذلك بالخير كله ، فإذا دخل الجنة فلا يسأل بعد ذلك عن النعيم المقيم ، الذي لم
تره عين ، ولم تسمع به أذن ، ولم يخطر على قلب بشر ، فيحصل له كل ما يتمناه بأحسن أحواله
، وكل ما يطلبه مجاب ، وكل ما يشتهيه في متناوله ، ولا يمكن أبداً أن يجد ما يعكر صفوه
لأنه في ضيافة الرحمن كما قال سبحانه : ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) فصلت/31،32 .
ومن أحسن ما تشتهيه الأنفس
في الآخرة للرجال نساء الجنة ، وهن الحور العين ، وللنساء ما يقابله من النعيم ، ومن
حكمة الله العظيمة أن الله لم يذكر ما للنساء مقابل الحور العين للرجال ، لأن ذلك من
دواعي الخجل وشدة الحياء ، فكيف يرغبهن في الجنة بما يثير حياءهن ويستحيين من ذكره
والكلام فيه ، فاكتفى سبحانه بالإشارة إليه كما في قوله : ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ) فصلت/31 .
وقد جاء في كتاب الله
تعالى وصف للحور العين في أكثر من موضع ، ومن ذلك :
1.
قوله تعالى في ذكر جزاء أهل الجنة : ( وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ
الْمَكْنُونِ ) الواقعة/22، 23 .
قال السعدي رحمه الله
:" أي : ولهم حور عين ، والحوراء : التي في عينها كحل وملاحة ، وحسن وبهاء
، والعِين : حسان الأعين وضخامها ، وحسن العين في الأنثى من أعظم الأدلة على حسنها
وجمالها .
( كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ
الْمَكْنُونِ ) أي : كأنهن اللؤلؤ الأبيض الرطب الصافي
البهي ، المستور عن الأعين والريح والشمس ، الذي يكون لونه من أحسن الألوان ، الذي
لا عيب فيه بوجه من الوجوه ، فكذلك الحور العين ، لا عيب فيهن بوجه ، بل هن كاملات
الأوصاف ، جميلات النعوت . فكل ما تأملته منها لم تجد فيه إلا ما يسر الخاطر ويروق
الناظر " انتهى .
2. قوله تعالى : (
كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ) الرحمن/58 .
قال الطبري رحمه الله
:" قال ابن زيد في قوله ( كأنهن الياقوت والمرجان ) : كأنهن الياقوت في
الصفاء , والمرجان في البياض ، الصفاء صفاء الياقوتة ، والبياض بياض اللؤلؤ "
انتهى ." تفسير الطبري " ( 27 / 152 ) .
3. قوله تعالى في وصف
نساء الجنة في سورة الواقعة : ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ
أَبْكَارًا . عُرُبًا أَتْرَابًا ) الواقعة/35-37 .
قال ابن كثير رحمه الله
:" قوله ( عُرُباً ) : قال سعيد بن جبير عن ابن عباس يعني : متحببات إلى
أزواجهن ، وعن ابن عباس : العُرُب العواشق لأزواجهن , وأزواجهن لهن عاشقون
.........
وقوله ( أَتْرَابا
) قال الضحاك عن ابن عباس يعني : في سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة ........وقال السدي
: ( أترابا ) أي : في الأخلاق المتواخيات بينهن ليس بينهن تباغض ولا تحاسد ،
يعني : لا كما كن ضرائر متعاديات " انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر
:عن مجاهد في قوله ( عُرُباً أتراباً ) قال : هي المحببة إلى زوجها ."
فتح الباري " ( 8 / 626 ) .
4.
وقال تعالى في وصفهن : ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) الرحمن/70 .
قال ابن القيم :ووصفهن
بأنهن خيرات حسان وهو جمع خَيْرة وأصلها خَيّرة وهي التي قد جمعت المحاسن ظاهرا وباطنا
, فكمل خلقها وخلقها فهن خيرات الأخلاق , حسان الوجوه " روضة المحبين "
( ص 243 ) .
5. ووصفهن بالطهارة فقال
: ( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/25
.
قال ابن القيم :ووصفهن
بالطهارة فقال : ( ولهم فيها أزواج مطهرة ) طهرن من الحيض والبول والنجو (الغائط)
وكل أذى يكون في نساء الدنيا ، وطهرت بواطنهن من الغيرة وأذى الأزواج وتجنيهن عليهم
وإرادة غيرهم ." روضة المحبين " ( ص 243 ، 244 ) .
6.
ووصفهن تعالى بأنهن قاصرات أطرافهن عن غير أزواجهن فقال : ( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ
الطَّرْفِ) الرحمن/56 ، وقال : ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) الرحمن/72
.
قال ابن القيم :وصفهن
بأنهن ( مقصورات في الخيام ) أي : ممنوعات من التبرج والتبذل لغير أزواجهن ،
بل قد قُصِرْن على أزواجهن ، لا يخرجن من منازلهم ، وقَصَرْنَ عليهم فلا يردن سواهم
، ووصفهن سبحانه بأنهن ( قاصرات الطرف ) وهذه الصفة أكمل من الأولى ، فالمرأة
منهن قد قصرت طرفها على زوجها من محبتها له ورضاها به فلا يتجاوز طرفها عنه إلى غيره
." روضة المحبين " ( ص 244 ) .
هذا طرف من ذكرهن في القرآن
، وقد جاء في السنة ما تحار فيه العقول في وصف جمالهن وحسنهن ، ومن ذلك :
1. عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة
القمر ليلة البدر , ثم الذين يلونهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة , قلوبهم على قلب
رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض , لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين , يرى مخ
سوقهن من وراء العظم واللحم من الحسن ) رواه البخاري ( 3081 ) ومسلم ( 2834 )
.
قال ابن حجر رحمه الله
:الحور التي يحار فيها الطرف يبان مخ سوقهن من وراء ثيابهن , ويرى الناظر وجهه في كبد
إحداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون ." فتح الباري " ( 8 / 570 ) .
2. وعن أنس رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت
إلى الأرض لأضاءت ما بينهما , ولملأت ما بينهما ريحا , ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا
وما فيها ) رواه البخاري ( 2643 ) .
فلو أطلت بوجهها لأضاءت
ما بين السماء والأرض ، فأي نور وجمال في وجهها ! وطيبُ ريحها يملأ ما بين السماء والأرض
، فما أجمل ريحها !
وأما لباسها ؛ فإن كان
المنديل الذي تضعه على رأسها خير من جمال الدنيا وما فيها من متاع وروعة وطبيعة خلابة
وقصور شاهقة وغير ذلك من أنواع النعيم ، فسبحان خالقها ما أعظمه ، وهنيئا لمن كانت
له وكان لها .
0 تعليقات