النخوة
النخوة تعرف النخوة في معاجم اللغة العربية
بأنها مصدر مشتق من الفعل الثلاثي نخا بمعنى افتخر، والجمع نخْوات ونخَوات أي العظمة
والمروءة، وأما اصطلاحاً فالنخوة صفة عربية وخلق إسلامي يميز مجتمعاتنا عن غيرها، وتأتي
بمعنى الشهامة، والقدرة على حمل الأمور العظام، والتصرف عند الحاجة توقعاً للذكر الجميل
بين الخلق وعند الخالق، وعادة ما تطلق على الرجال دون النساء، فنقول رجل عنده نخوة،
ونادراً ما نسمع يقال امرأة عندها نخوة، تماماً كصفة الوسامة، فنقول رجل وسيم، ولا
نقول امرأة وسيمة.
وقد وردت صفة النخوة في القرآن الكريم في
سورة القصص في حادثة سقيا النبي موسى عليه السلام لمواشي فتاتين قدمتا إلى دلو ماء،
فسقى لهما سيدنا موسى، وأدلى بدلوه بين دلاء الرجال، ولم يهن عليه أن تعافر النسوة
الرجال أو أن ينتظرن حتى ينتهي الرجال من الشرب، بل تحركت فيه المروءة والنخوة وساعدهما
على تحقيق مطلبهما، قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ
أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ
قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا
شَيْخٌ كَبِيرٌ* فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي
لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 23، 24]. النخوة في السنة
النبوية الشريفة وردت صفة النخوة في السنة النبوية الشريفة عندما دعا النبي صلى الله
عليه وسلم لأعدائه من قريش، الذين آذوه وآذوا أمته من المسلمين، وكان ذلك عندما جاء
أبو سفيان قائلاً: (يا محمدُ، إنكَ تَأمُرُ بطاعَةِ اللهِ وبصِلَةِ الرحمِ، وإنَّ
قومَكَ قد هَلَكوا ، فادْعُ اللهَ لهُم) [صحيح البخاري]، فلم يرفض النبي، رغم ما
كانوا عليه من المعصية والشرك والإيذاء، بل دعا لهم، وهذا فيه من حسن الخلق والشهامة
والنخوة وزن كبير. والنخوة صفة من صفات الرجال العظام، فهي نوع من مكارم الأخلاق وحسن
المعاملة مع الغير، والمبادرة في تقديم المساعدة دون طلبها فعن أبي هريرة رضي الله
عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من خير معاش الناس لهم، رجل ممسك بعنان
فرسه في سبيل الله يطير على متنه، كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل).،
وهذا ينعكس على الإنسان فيجازيه الله في الآخرة، وييسر له صيتاً محموداً بين الناس
في الدنيا، فيذكرونه بالخير حتى بعد مماته.وتعمل على بث المحبة بين أبناء المجتمع الواحد،
ونبذ العداوة، فمثلاً إذا شب حريق في منزل جاري، ثم بادرت في إطفائه رغم ما بيني وبينه
من أحقاد قديمة، فسوف تنطفئ نار الحقد ويحل محلها الحب وحسن الجوار.وايضا حفظ الأعراض والشرف، فإذا رأيت شاب قليل نخوة يضايق
فتاة بطريقة أو بأخرى فإنني أهب لنصرتها وتخليصها من شره، وهذا ينعكس بالطبع على أمن
المجتمع وسلامته، حتى أن الفاعل يكون عبرة لغيره فلا يجرؤ أحد على تكرار الموقف.
وهذه حادثة تبيِّن لنا شهامةَ عثمان بن
طلحة رضي الله عنه، تقول أمُّ سلمة رضي الله عنها: "... وانطلق زوجي أبو سلمة
إلى المدينة، قالت: ففرّق بيني وبين زوجي وبين ابني، قالت: فكنتُ أخرج كلَّ غداة فأجلس
بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي سنةً أو قريبًا منها، حتى مرَّ بي رجلٌ من بني عمِّي
أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تُخرِجون هذه المسكينة،
فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، قالت: فقالوا: الحقي بزوجك إن شئتِ، قالت: وردَّ
بنو عبدالأسد إليَّ عند ذلك ابني، قالت: فارتحلتُ بعيري ثمَّ أخذتُ ابني فوضعتُه في
حجري، ثمَّ خرجتُ أريد زوجي بالمدينة، قالت: وما معي أحدٌ مِن خلق الله، قالت: قلتُ:
أتبلَّغ بمن لقيتُ حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنتُ بالتنعيم لقيتُ عثمانَ بن طلحة
بن أبي طلحة أخا بني عبدالدار، فقال: أين يا بنت أبي أميَّة؟ قالت: أريد زوجي بالمدينة،
قال: أوما معك أحد؟ قلتُ: لا والله إلَّا الله وابني هذا، قال: والله ما لك من مَتْرَكٍ،
فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي به، فوالله ما صحبتُ رجلًا من العرب قط أرى أنَّه
كان أكرمَ منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثمَّ استأخر عنِّي، حتى إذا نزلنا استأخر
ببعيري فحطَّ عنه، ثمَّ قيَّده في الشجرة، ثم تنحَّى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا
الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثمَّ استأخر عنِّي، فقال: اركبي، فإذا ركبتُ فاستويتُ
على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يَصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة،
فلمَّا نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة
بها نازلًا - فادخليها على برَكة الله، ثمَّ انصرف راجعًا إلى مكَّة، قال: وكانت تقول:
ما أعلم أهلَ بيتٍ في الإسلام أصابهم ما أصاب آلَ أبي سلمة، وما رأيتُ صاحبًا قط كان
أكرمَ من عثمان بن طلحة".
جواد عبد المحسن
0 تعليقات