التَّأْمِينُ



التَّأْمِينُ

قال النووي رحمه الله :" وَفِي آمِينَ لُغَتَانِ : الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَالْمِيمُ خَفِيفَةٌ فِيهِمَا ، وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ " انتهى من "شرح النووي على مسلم" (4/ 120) .وقيل : معناه: ربِّ افْعَلْ ، وقيل : هو بِمَنْزِلَةِ يَا اللَّهُ ، وقيل غير ذلك .

والحاصل من ذلك أن هذه الكلمة وضعت لطلب الاستجابة وقبول الدعاء ، فإن زيد قبله ( اللهم ) أو زيد بعده ( يا رب ) ونحو ذلك : فالأمر فيه واسع إن شاء الله ، وقد جرى مثل ذلك على ألسنة كثير من أهل العلم ، ولا نعلم أن أحدا أنكره ، أو بين حجة في ذلك على ألا تكون تلك الزيادة في الصلاة ؛ فإن مدار أمرها على الذكر الوارد ، ولم يرد زيادة ذلك في الصلاة .روى البخاري (780) ،ومسلم (410) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ ، فَأَمِّنُوا ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) .

وروى ابن خزيمة (574) عَنْ عَائِشَةَ عن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ حُسَّدٌ ، وَهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى السَّلَامِ ، وَعَلَى آمِينَ ) وصححه الألباني في " الصحيحة " (691) ، وكلمة " آمين " بمجردها : تفيد معنى : اللهم استجب ، وتغني عنها قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :" وَمَعْنَى آمِينَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا ، وَهُوَ خَارِجٌ على قول القارئ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) إِلَى قَوْلِهِ (وَلَا الضَّالِّينَ) فَهَذَا هُوَ الدُّعَاءُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ التَّأْمِينُ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في حَدِيثُ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : ( إِذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضالين فقولوا آمين ) فكأن القارئ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ، اللَّهُمَّ آمِينَ . وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ يُغْنِي عَنِ الْإِكْثَارِ فِيهِ " انتهى من " التمهيد " فإن إبدال التأمين الوارد في السنة بغير ما ورد فيها لا ينبغي، فالخير كله في اتباع ما ورد في السنة، والتأمين عند الفراغ من قراءة الفاتحة سنة، ولفظه الذي وردت به السنة، والذي ينبغي للمسلم أن يلتزم به هو قول المصلي: آمين ـ بدون زيادة أو نقص، كما روى أبو داود والنسائي وأحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فقولوا: آمين، يجبكم الله.

لكن العبارات المذكورة في السؤال ـ وإن كانت خلاف ما ورد ـ فإن الصلاة لا تبطل بها، ولا يترتب عليها سجود سهو؛ سواء كانت عمداً أو سهواً، قال ابن قدامة في المغني: النَّوْعُ الثَّانِي، أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا ـ أي الصلاة ـ بِذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ فِيهَا، كَقَوْلِهِ: آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَقَوْلِهِ فِي التَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ـ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يُشْرَعُ لَهُ السُّجُودُ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالسُّجُودِ.

يعرض ابن الخشّاب البغداديّ (ت ١١٧٢/٥٦٧) في رسالته القصيرة بعنوان «لمعةٌ في الكلام على لفظة آمين المستعملة في الدعاء وحكمها في العربيّة» الوضع النحويّ لكلمة آمين في اللغة العربيّة في عصره. اتّفق جميع النحاة على أنّ أمين ليستْ كلمةً عربيّة بل عبريّة (أو فارسيّة أو سرينانيّة) بالرغم من ذكرها في الحديث النبويّ، إذ أنّ النبيّ والصحابة كانوا يختتمون تلاوة السورة الأولى أي الفاتحة بقول كلمة آمين. وقد أثار هذا الوضع فضول المفسّرين والنُحاة الّذين درسوا القضايا التالية: صحّة كلا الشكلين آمين الطويلة وأمين القصيرة والفئة النحويّة الّتي تنتمي إليها كلمة آمين ومعناها وإمكانيّة أن تكون آمين اسم من أسماء الله.

واتّفق النحاة على اعتبار كلمة آمين اسم فعل (فئة نحويّة تشير إلى اسم العلم للأفعال، انظر المرجع التالي «فئة أسماء الفعل في النحو العربيّ»، ١٩٩١). بُني هذا التحليل النحويّ على تفسير مجاهد بن جبر (ت ٧٢٢/١٠٤) وعكرمة بن عبد الله (ت ٧٢٣/١٠٥) بأنّ المثنّى في الآية ﴿قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا﴾ (سورة يونس ١٠، ٨٩) يشير إلى دعاء موسى وهارون، وأنّ دعاء هارون يُقصد به «آمين». ولكي تصبح آمين دعاءً يجب أن تكون جملةً كاملة. وهذا يعني أنّ كلمة آمين تُقارَن مثلًا بكلمة «صَهْ» الّتي هي اسم فعل ومعناها فعل الأمر «اُسْكُت». ولذلك قد فسّر النحاة كلمة آمين على أنّها اسم فعل بعني «اللّهم استجب».

وبالرغم من أنّ أربعة أحاديث عن هلال بن يساف ومجاهد وحكيم بن جبير تنصّ على أنّ آمين اسم من أسماء الله فقد اتّفق أبو عليّ الفارسيّ (ت ٩٨٧/٣٧٧) وابن الخشّاب البغداديّ (ت ١١٧٢/٥٦٧) على غير ذلك، ولكن لأسباب مختلفة. يرى الفارسيّ أنّه لا يجوز أن يكون اسمٌ مبنيّ اسمًا من أسماء الله بينما يرى ابن الخشّاب أنّ المانع هو أنّ آمين كلامًا تامّا.


إرسال تعليق

0 تعليقات