التربية قبل التعليم

 



التربية قبل التعليم

قيل قديماً ( علمٌ بلا أدب كالشجرةِ بلا ثَمَر) , لماذا التربية قبل التعليم  ؟

للإجابة عليه دعنا نتخيل مشهداً نرى فيه رجلا لم يغرس أهله فيه قِيماً ولا مبادئ ولكنهم ألحقوه بأفضل المدارس وأرقى الجامعات اللى تعلم فيها علوماً شتى سواء فى الرياضيات أو الهندسة أو الطب أو غيرها من العلوم الجليلة والتى ليس لها علاقة بالتربية من قريب ولا بعيد إنما هى علوم بحتة !!

وهنا نتسائل ، هذا الرجل ذو العلم النفيس ولكن ليس لديه مبادئ ولا قيم تربَّى عليها ، هل هذا الرجل سيصون ذلك العلم ؟؟ هل سيحترم معلميه ؟؟ هل سيتقن هذا الرجل عمله ؟؟ هل سيؤدى هذا الرجل حق العلم ويعلمه لغيره ؟؟ هل يتواضع هذا الرجل رغم علمه الواسع أم أنه سيتكبر بعلمه على الناس ؟؟ من يضمن شيئاً من ذلك ؟ ، من يضمن ذلك من رجل ليس لديه مبادئ ولا أخلاق تربَّى عليها فى صغره !!

إن التربية هى التى تحكم العلم ، هى التى تجبر صاحب العلم على التواضع وكم سمعنا عن علماء باعوا علمهم وباعوا أوطانهم مقابل المال ، هؤلاء لم يخونوا أوطانهم إلا لعدم تربيتهم على مبادئ وقيم ثابتة.

بل لنذكر مثالا أعمّ وأشمل ونرى منه نماذج عديدة كل يوم. هؤلاء الأشخاص الذين يتسببون فى الفساد داخل البلاد من خلال ما يقومون به من اعمال فاسدة كالرشاوى والابتزاز والظلم فى إدارات شتى فى مختلف البلاد ومختلف المناصب ، هل تقعتد أن ما يفعلون سببه سوء التعليم ؟ ، بالطبع لا ، بل إنها التربية وليس غيرها سبب.

لو كان هؤلاء قد تلقوا التربية قبل التعليم ، لكانوا أصحاب مبدأ قبل أن يكونوا أصحاب علم. ولا نهمل طبعا دور العلم ولا نقلل من شأنه ، ولكننا نتكلم من منطلق أنه يجب أن يتحقق فعلا مبدأ التربية قبل التعليم.

التربية بوجه عام هي تنمية القوة المودعة في الانسان الناطق او الحيوان الأعجم، وقد مارس الانسان التربية لنفسه، ولكل شيء وقع تحت تصرفه حتى وصل الى نتائج تشبه المعجزات، ولكن؛ اكبر شيء يحق المباهاة به بل والإعجاب والزهو؛ تربية نفسه، فالإنسان لم يزل يتمشّى صاعداً مرتقياً مُتنقلاً من دور الى دور حتى وصل الى هذه المدنية الجميلة التي جعلتهُ سيد الكون واشرف المخلوقات، وسيستمر كذلك بإذن الله، الى حد لا يعلمهُ إلا الله، وهذه المرتبة العالية لم ينلها إلا بتربية نفسه.

إن التربية هي التي انتجت كل الرجال الذين نسمع عنهم ونشاهدهم متحلّين بمزايا الاستقامة والصدق والكرم والشجاعة، وحتى في دول الغرب الذي يفيض إعجابنا بهم، ونريد ان نُسلي انفسنا بما حققه هؤلاء من تقدم، وقد فعلوا شيئاً يذكر بما يختص تعليم أبنائهم، بعد ان كان لا يمكن ادخال أبنائهم إلا بالقوة والإرهاب بعهد ليس ببعيد، صرنا نراهم الآن يسعون وراء التعليم مجتهدين لإدخال أبنائهم المدارس مجاناً او بمصاريف، بل ويتظلمون من ان الحكومة لم تفعل كل ما يجب عليها.

ومن المؤسف ان كل واحد منّا لا يزال يظن ان تربية الطفل عبارة عن تسجيل اسمه في المدرسة، وأنهُ متى تعلم ما يجهله من العلوم، فقد أحسن تربيته، وقام بما يجب عليه، مع أن التعليم هو أقل فروع التربية شأناً وفائدة، نعم؛ انه من النافع للولد أن يعرف القراءة والكتابة والحساب والعلوم الأخرى، ولو اني اعتقد ان التعليم النظري لا يفيد الشخص فائدة محسوسة، خصوصا اذا كان في السن الذي يتلقى فيه العلوم العالية، ولكن على الآباء أن يعلموا أن التعليم وحده لا يفيد شيئاً اذا لم يكن مصحوباً بتربية بمواصفاتها الكاملة، وان العلوم التي يتلقاها الطالب من سن السابعة الى سن العشرين، ليس فيها من الغذاء اللازم لتكوين روحهِ، إذ ان هذه العلوم أشبه شيء بجرعات الحبوب التي ينسبون لها جميع المزايا الصالحة لشفاء الأمراض، بينما الحقيقة ان لها ميزة واحدة؛ انها لا تضر.

أما تربية الروح، فإنها تمكن الطفل من التفريق بين الطيب والخبيث، وان يلجأ الى الطيب ويعمل به بقدر ما يتجنب الخبيث، علماً؛ ان إدراك أن الحسن حسن، وأن القبيح قبيح أمر سهل، وقد لا يكاد يوجد إنسان يفعل أمراً مذموماً، وهو يعتقد انهُ ممدوح، فالسارق والخائن والقاتل والبخيل كلهم يفهمون ان ما يرتكبونه، رذيلة من الرذائل، ولكنهم يطبعون انفسهم على تعاطيها، كما يتطبعون على أن يجفوا الفضائل.

فالتربية بهذا المعنى، لا يمكن ان تُكتسب في المدارس او من خلال قراءة وحفظ قواعد علمية، بل يجب ممارستها مع الطفل، من يوم يعي الخطاب ويفهم الكلام بل قبل ذلك، وأول من يطلب منهم القيام بهذه الوظيفة؛ هم الذين يعاشرون الطفل من نشأتهِ، وبشكل مستمر، والذين يؤثرون عليه بأعمالهم وأقوالهم وسلوكهم، ثم اذا أضفنا الى ذلك ما تحتاجه هذه التربية من العناء والصبر والعقل والحنو والمحبة الخالصة.

حكمتنا بأنها لا تنموا إلا بواسطة من انتخبتهم الفطرة الالهية، او كما يسميها بعضهم؛ الطبيعة لهذه «المأمورية العالية» وهم؛ الوالدان، فإصلاح الانسان لا يكون إلا بالتربية، والتربية لا تكون إلا بالعائلة، ولهذا عدّت العائلة أساس كل مجتمع.

إرسال تعليق

0 تعليقات