الفرق بين التأثير والإنتفاع بالثقافات
إن من المغالطات المتعمدة التي يعمد إليها غير المسلمين في تغيير مفاهيم الأشياء ، ومن قصر نظر بعض الباحثين القول بأن الثقافة الإسلامية قد تأثرت بثقافاتٍ غير إسلامية ، وهذا الأمر يعود للخلط الواضح ما بين الإنتفاع والتأثير وهذا الخلط إما عن قصد أو عن جهل فالثقافة الإسلامية إنتفعت بالثقافات الأجنبية واستفادت منها ، وجعلتها وسيلة لخصبها وتنميتها ، ولكن ذلك لم يكن تأثيراً وإنما كان إنتفاعاً ، وهو ما لابد منه لكل ثقافة.
إن الفرق بين التأثير والإنتفاع أن التأثير بالثقافة هو دراستها وأخذ الأفكار التي تحويها وإضافتها إلى أفكار الثقافة الأولى ، لوجود شبه بينهما أو لإستحسان هذه الأفكار والتأثير بالثقافة قد يؤدي إلى إعتقاد أفكارها، ولو تأثر المسلمون بالثقافة الأجنبية في أول الفتح لنقلوا الفقه الروماني وترجموه وأضافوه إلى الفقه الإسلامي بل ولعتبروه جزءاً من الإسلام ، ولكانوا جعلوا الفلسفة اليونانية جزءاً من عقيدتهم ، ولكانوا إتجهوا في حياتهم إتجاه الفرس والرومان ، في جعل أمور الدولة مسيَّرةً بما يرونه من مصلحة لهم ، ولو فعلوا ذلك لإتجه الإسلام من أول خروجه من الجزيرة العربية إتجاهاً مضطربا ولإختلطت أفكاره إختلاطاً أفقده معناه .
وأما الإنتفاع فهو دراسة الثقافة الإسلامية دراسة عميقة ومعرفة الفرق بين أفكارها وأفكار الثقافة الأجنبية ، وأخذ المعاني التي في هذه الثقافة ، والتشبيهات التي تحويها لإخصاب الثقافة الأدبية وتحسين الأداء بهذه المعاني دون أن يَتطرق إلى أفكار الإسلام أي تناقض ودون أن يوخذ من أفكارها الخاصة عن الحياة أو عن التشريع أو عن العقيدة ، والإقتصار على الإنتفاع بالثقافة دون التأثر بها بجعل دراستها معلومات لا تؤثر على وجهة النظر في الحياة مطلقا .
إنه ومنذ أوائل الفتح الإسلامي حتى العصر الذي حصل فيه الغزو التبشيري في منتصف القرن الثامن عشر كان المسلمون يجعلون العقيدة الإسلامية أساس ثقافتهم ، وكانوا يدرسون الثقافات غير الإسلامية للإنتفاع بما فيها من معانٍ عن الأشياء في الحياة ، لا لإعتناق ما فيها من أفكار ولذلك لم يتأثروا بها بل إنتفعوا .
بخلاف الحال بعد الغزو الثقافي الغربي لهم حين درسوا الثقافة الغربية واستحسنوا ما بها من أفكار ، ومنهم من استحسنها وأضاف ما فيها إلى الثقافة الإسلامية حتى صارت بعض أفكارها من الأفكار الإسلامية على الرغم من تناقضها من الإسلام ، فكثير منهم مثلاً كان يجعل القاعدة الديمقراطية المعروفة ( الأمة مصدر السلطات ) قاعدةً إسلامية ويعتبر أن السيادة للأمة ، وأن الأمة هي التي تصنع التشريع وتسنُّ القوانين .... وهذا يتناقض مع الإسلام ، لأن السيادة للشرع لا للإمة ، والقانون من الله لا من الناس ، بل وحاول كثير من المسلمين أن يجعل الإسلام ديمقراطياً أو إشتراكياً ، أو شيوعياً ، مع أن الإسلام يتناقض مع الديمقراطية فالإسلام يجعل الحاكم منفذاً للشرع ومقيداً به والحاكم ليسَ أجيراً عند الأمة بل راعٍ لمصالحها حسب الشرع وكذلك يتناقض مع الإشتراكية لأن الملكية عنده محددة بالكيف ولا يجوز أن تحدد بالكم ، ويتناقض مع الشيوعية لأنه يجعل الإيمان بوحود الله أساس الحياة .
الخلاصة أن جعل الإسلام ديمقراطياً أو إشتراكياً أو شيوعياً هو تأثر بالثقافة الأجنبية لا إنتفاع بها وهذا لا يجوز مطلقا ، والانكى من هذا الامر أن القيادة الفكرية الغربية هي عقيدة تناقض عقيدة الإسلام وتراك تسمع أبواق الغرب ممن درسوا وإعتنقوا ثقافة الغرب يقولون بوجوب فصل الدين عن الدولة وأن الدين غير السياسة ولا تدخلوا الدين في السياسة وهذا ما يريده الغرب على إختلاف مشاربه ومشاريعه .
وهذا ما أدركه الغرب حين إستهدف الثقافة الإسلامية وأدرك أنها هي طريقة الحياة التي يعيشها المسلمون في جميع مجالات حياتهم وفقاً لأحكام الإسلام ، سواء في المجال المادي أو في المجال الروحي أو الفكري ، ولهذا إستهدفها الكافر يفرغ المسلمين من إسلامهم وليشحنوا أذهانهم بتوافه فكره .
إن التحديات المعاصرة للثقافة الإسلامية من مؤامرات تحاك في مؤتمرات ومخططات تنفذها أدوات صنعها الكافر على عين بصيرة تستوجب من كل مخلص العمل الدؤوب للذود عن حياض هذه الثقافة التي تمثل حياته ووجوده وتميزه في هذا الوقت الذي تشتد فيه الهجمة الفكرية ضد الإسلام .
جواد عبد المحسن
الخليل - فلسطين
1 تعليقات
موفق والى الامام :)
ردحذف