ثم ماذا (وبعدين)......؟؟؟؟



ثم ماذا (وبعدين)......؟؟؟؟


ذكرت الاخبار قبل ايام ان اغنى رجل في العالم يمتلك اكثر من سبع وستين مليار دولار ,فقلت في نفسي ماذا يعني هذا الرقم؟؟انه رقم ضخم وهذا صحيح وان جمع هذا الرقم ليس بالامر السهل وهذا صحيح,ولكن الامر متعلق بصاحب هذا الرقم اذ ان صاحبه سوف يموت عنه ويفقده وهذا مؤلم له وربما جمعه من حرام,وحلقت طائرا باحلام اليقظة وقلت لو راجت تجارتي وملكت مالا اشتري به كل الخليل ومن طريق الحلال, وبعدها ملكت ما اشتري به الضفة الغربية بكل ما فيها  ثم اشتريت الاردن وكافة بلاد الشام والعراق ثم عرجت على افريقيا واشتريتها ثم اشتريت كامل اوروبا وكل ذلك من حلال ثم ماذا بعد ؟؟؟(وبعدين) سوف يأتي هادم اللذات واموت .........وهذه لن تكون النهاية  وانما هي البداية كما قال الشاعر:

والعيش نوم والمنية يقظة
 
 
والمرء بينهما خيال ساري


فكاننا نستفيق من غفلة الحياة حين نموت ,فانه يمكن ان تترك ما تكره في الدنيا من اشياء وتستعيض عنها باشياء او تستدرك اشياء فتطلق ان كرهت وتعزف عن الطعام ان كرهته وتغير المسكن ان لم يعجبك وغيره  وغيره ولكن في الآخرة ليس لك ذلك فالميزان هناك غير الميزان هنا في الدنيا ولا استدراك او رجوع.

 ان بداية البحث في قوله تعالى( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِى الاٌّ رْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ) الزمر  ( 47 - 48 ) .

قال سفيان الثوري في هذه الآية : ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء هذه آيتهم وقصتهم. وقال عكرمة بن عمار : جزع محمد بن المنكدر عند موته جزعا شديدا ، فقيل له : ما هذا الجزع ؟ قال : أخاف آية من كتاب الله { وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب. أخرج أبو نعيم في الحلية عن شداد بن أوس، وابن المبارك في الزهد عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله عزوجل: (وعزتي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي)

وعن الربيع بن خثيم وكان قليل الكلام . أنه أخبر بقتل الحسين رضي الله عنه ، وسخط على قاتله وقالوا : الآن يتكلم ، فما زاد على أن قال : آه أو قد فعلوا ؟ وقرأ هذه الآية . وروى أنه قال على أثره : قتل من كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يجلسه في حجره ويضع فاه على فيه .

{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِى الاٌّ رْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ}47 وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } الزمر : ( 47 - 48 )

يقال افتدى اذا بذل المال عن نفسه فان الفداء حفظ الانسان من النائبة بما يبذله عنه اي لجعلوا كل ذلك فدية لانفسهم من العذاب الشديد ولن يقبل منهم ذلك حتى ولو كان معهم ما لا يستطيعون جمعه,ولكن لا مال يوم القيامة ولو كان لا يقبل الافتداء به وهذا وعيد شديد واقناط لهم من الخلاص, واليوم ههنا تقبل ذرة من الخير ولقمة من الصدقة وكلمة من التوبة والاستغفار, كما انهم لو تابوا وبكوا فى الآخرة بالدماء لا يرحم بكاؤهم وبدمعة واحدة اليوم يمحى كثير من ذنوبهم

في قوله تعالى: { وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ:35] أن الحياة الدنيا غرتهم ، فظنوا أن عطاء الله يدل على رضاه عنهم ؛ كقوله : ( وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) [سبأ : 35] ,ومنها : ترك الدخول في الحق إذا سبقتهم إليه الضعفاء تكبراً وأنفة ,ومنها : الاستدلال على بطلانه بسبق الضعفاء  كقوله  ( لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ) [ الأحقاف : 11].

من جهل الكفار واغترارهم بمتاع الحياة الدنيا، وظنهم أن الآخرة كالدنيا ينعم عليهم فيها أيضاً بالمال والولد، كما أنعم عليهم في الدنيا ـ جاء مبيناً في آيات أخر، كقوله تعالى في فصلت: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} [50]، وقوله: في مريم: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} [77]، وقوله: في سبأ: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [35]. وقوله: في الكهف {فَقَالَ لَصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} [34].

وبين جل وعلا كذبهم واغترارهم فيما ادعوه: من أنهم يجدون نعمة الله في الآخرة ,فالقصص التي يذكرها الله جل وعلا لنا في القرآن مثل قصة قارون وعاد وفرعون وبني إسرائيل، المقصود بها: الاعتبار، فنحن المقصودون منها، وليس معنى ذلك أنه مجرد أخبار وقعت فمضت، فيأخذها الإنسان من باب التسلي أو التفكر، وكونه يذكر هذا تاريخاً مضى لأناس مضوا، بل المقصود أن نعتبر نحن بذلك، وألا نقع في مثل ما وقعوا فيه، حتى لا يصيبنا ما أصابهم، هذا هو مغزى القصص وهو المقصود منها.

وفي قصة قارون الذي جمع الأموال وكنزها، ثم نصحه من نصحه من المؤمنين وقالوا: لا تبغ الفساد بأموالك هذه، ولا تنس نصيبك من الدنيا، ولكن أحسن كما أحسن الله إليك، فنصحوه النصيحة التي لو أخذ بها لاجتمعت له نعمة الدنيا والآخرة، ولكنه تكبر وقال: إنما أوتيته على علم عندي، ومعنى (علم عندي) مثل ما قال قتادة : محظوظ عند الله، علم الله أني له أهل وأني أفضل منكم، فزعم أنه يستحق ذلك وجحد نعمة الله، فأخذه الله وخسف به وبداره الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، نسأل الله العافية.

وأخبر جل وعلا أن من قبله من القرون من هو أكثر منه جمعاً وأقوى منه، وأُخذوا بكفرهم وظلمهم، وعادة الإنسان الكافر أنه لا يعتبر بما مضى، ولا بما يجري حوله، إذا كثرت نعمه وكثر ما لديه فإن ذلك يدعوه إلى التكبر والبغي.

بل زعمهم أنه إن كانت الآخرة حقاً فسيكون لهم فيها أحسن نصيب كما كان لهم في الدنيا. ويدل على هذا القول الأخيركثرة الآيات القرآنية المبينة لهذا المعنى؛ كقوله تعالى عن الكافر: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} [فصلت/50]، وقوله: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} [الكهف/36]، وقوله: {وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} [مريم/77]، وقوله: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ/35]، وقوله: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ...} [المؤمنون/55]، إلى غير ذلك من الآيات.

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدٌ يَمُوتُ حَتَّى يَبْلُغَهُ آخِرُ رِزْقٍ هُوَ لَهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ مِنَ الْحَلاَلِ وَتَرْكِ الْحَرَامِ » السنن الكبرى للبيهقي, فالقضية ليست رقما تمتلكه وانما كيف تمتلكه وكيف تنفقه بغض النظر عن هذا الرقم فقد روي  عَن أبي هُرَيرة ، قال : قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم (سبق درهم مِئَة ألف درهم قالوا : يا رسول الله كيف سبق درهم مِئَة ألف درهم ؟ قال : رجل له درهم واحد فتصدق به ورجل له مِئَة ألف درهم فتصدق بها) مسند البزار, روى مسلم عن عبد الله بن الشِّخِّير قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : ( ألهاكم التكاثر ) قال : يقول ابنُ آدم مالي مالي ، وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلتَ فأفنَيْت أو لَبست فَأَبْلَيْت أو تصدقت فأمضَيْت ).

ان المال في الإسلام وسيلة لا غاية: فهو وسيلة للعيش الكريم, ولتلبية الحاجات, ومساعدة النّاس, لذلك ذمّ الإسلام حبّ المال الشّديد والتّعلّق به, قال تعالى: " وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً"(الفجر20). ولكنّه لم يمنع من التّمتّع به, وإنفاقه بما يرضي الله, يقول تعالى: " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ"(الاعراف32).

فالإسلام لم يرد أن يصبح الإنسان عبداً للمال, وبيّن له أنّ هذا المال لن ينفعه يوم القيامة, يقول تعالى: "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء88,89), وبالتّالي أمر بالعمل لتحصيل المال الّذي ينتفع به في هذه الحياة الدّنيا, يقول تعالى: " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(الجمعة 10).

حديث رمضان 11

جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات