نظام الوقف واثره على الدولة والمجتمع

نظام الوقف واثره على الدولة والمجتمع

الوقف في اللغة هو الحبس والمنع، وقد عرف الوقف (اصطلاحا) بقولهم :"هو حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، على مصرف مباح".والوقف نوعان: "وقف خيرى" يتعلق بالجانب الخيرى لصالح المسلمين عموما وهو ما ورد فيه الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". ويفصل معنى الصدقة الجارية ماورد في سنن ابن ماجة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً نشره أوولدًا صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته".
أما النوع الآخر فهو "الوقف الأهلى(الذرى)" والذي يوقفه المرء لصالح ذريته من بعده للانتفاع بها وقد  روى البيهقي من أن عدداً من الصحابة تصدقوا بدورهم ومساكنهم، وجعلوها وقفاً في سبيل الله أو على ذريتهم. ويكون الوقف باطلا غير مشروع إذا قصد به الواقف مضارة ورثته، كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم، لأن ذلك مما لم يأذن به الله سبحانه، بل إنه تعالى نهى عن الضرر والضرار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاضر ولاضرار".
و تستند مشروعية الوقف إلى الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فيدل على مشروعيته بعموم قوله تعالى { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}آل عمران92وقد بادر بعض الصحابة إلى التصدق بأحب أمواله إليه، عند نزول هذه الآية.وقد روى البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، عن أنس بن مالك قال: "كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة نخلاً، وكان أحب أمواله إليه (بيرحاء)، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قام أبو طلحة وقال يارسول الله إن الله يقول  (لن تنالوا البر...)الآية، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يارسول الله حيث أراك الله، فقال صلى الله عليه وسلم: إجعلها (أي ريعها) في قرابتك.
وأول وقف خيري عرف في الإسلام هو وقف سبع بساتين بالمدينة، كانت لرجل يهودي اسمه مخيريق، أوصى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين عزم على القتال مع المسلمين في غزوة أحد، قال في وصيته: "إن أصبت ـ أي قتلت، فأموالي لمحمد ـ يضعها حيث أراه الله، فقتل، وحاز النبي صلى الله عليه وسلم تلك البساتين السبعة، فتصدق بها أي حبسها, ومضى الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وعملوا بما حث عليه من الإكثار من الصدقة والإنفاق مما يحبون، وسجلوا أروع الأمثلة في التطوع بأحب أموالهم إليهم.
ومن تلك الأمثلة وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل هو ثاني وقف في الإسلام، ففي الحديث أنه أصاب أرضاً بخيبر، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله: أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس منه، فبم تأمرني؟ فقال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها". فتصدق بها عمر على ألا تباع ولا توهب ولا تورث، وتكون (أي منافعها وثمارها) في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل، ولاجناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول. ثم تتابعت الأوقاف بعد ذلك في أوجه البر والخير,فقد ادرك المسلمون كنه الحياة الدنيا وانها تفضي لما بعدها فعاشوا الآخرة في الدنيا وادركوا عمليا ان الباقيات الصالحات هي خير وابقى,وانعكس هذا الامر على علاقتهم مع مالهم فجعلوا منه مركبا موصلا الى الأخرة بل ومستمرا يدر عليهم الاجر فوقفوه على اوجه الخير الشامل للمسلمين في مجتمعهم فانهم حين قرأوا قول الحق{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}قرأوا ما قبله فادركوا معناه كاملا(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)آل عمران.
ونظام «الوقف» هوميزة تميز بها المجتمع المسلم فلم تكن موجودة وما عرفها احد او فعلها قبل المسلمين للتقرب إلى الله تعالى ,فنسيج المجتمع المسلم تاتي قوته من خلال مشاركة افراده في بناء لبناته بناء قويا ومستمرا ومستديما يستغرق الجيل الحالي والاجيال القادمة,وياتي تشابه الاوقاف وارض الخراج من ناحية استغراق منفعتها الحاضر والمستقبل وتصرف براي الخليفة ونظره, على خلاف الاوقاف فانها تحبس لتصرف على الوجه الذي اوقفها صاحبها عليها,وليس للخليفة سلطان عليها الا للتنظيم او لوجود مخالفة شرعية, ويظهر الفرق بين الارض الخراجية والارض العشرية في التصرفات في موضوع الوقف فتنفصل الرقبة عن المنفعة هنا لان التصرف يكون في الرقبة، ولذلك لا يصح وقف الارض الخراجية .
وفي العصر الأموي حدث تطور كبير في إدارة الأوقاف، فبعد أن كان الواقفون يقومون بأنفسهم على أوقافهم ويشرفون على رعايتها وإدارتها، قامت الدولة الأموية بإنشاء هيئات خاصة للإشراف عليها، وأحداث ديوان مستقل لتسجيلها.
وفي عهد العباسيين أصبحت للأوقاف إدارة خاصة مستقلة عن القضاء، يقوم عليها رئيس يسمى "صدر الوقوف" وواكب هذا التطور الإداري جهد علمي مفيد، لضبط أحكام الوقف وطرق التصرف فيه ولحماية أملاكه من الضياع، فخصه الفقهاء بمؤلفات خاصة، وأفردوا له فصولا واسعة في مدونات الفقــه الكبرى. وهذا التطور والتوسع في العناية بالأوقاف أدى إلى قيام الوقف بدور كبير في التنمية المجتمعية وسد الخلل الناتج عن خطوب الدهر وتقلب الاحوال اونزول جائحة, حتى لا يشغل المسلم عارض يلهيه او يدفعه لمعصية,وابقاء التجانس والتعاضد في المجتمع المسلم وعدم احتياجه لغيره لا استدانة ولا صدقة ولا منحة فمجتمع خير امة اخرجت للناس لا يليق به ان يكون محل صدقة اواحتياج من أي احد كان دولة او منظمة دولية اجنبية.
وقد اقتبس الغربيون هذه الفكرة ونقلوها عن الدولة العثمانية في القرن التاسع عشرحين ظهر تغول الراسمالية وظهر عوارها بتفتت مجتمعهم وتحلله بطغيان المادية عليه فكانت هذه الفكرة محاولة لاخفاء عوار مبداهم ,فنشات الجمعيات التي تعنى بالفقراء ودور الايواء وأطلق عليها الغربيون لاحقا اسم"منظمات المجتمع المدنى"او المنظمات غير الحكومية والتي -ومن المفارقه - استوردنا مصطلحها منهم في القرن العشرين بعد أن همشنا دور الاوقاف ومحوناه من عندنا.
ان من المسلم به أن نظام الوقف الإسلامي ظل يمثل على مدى ثلاثة عشر قرناً صورة من أروع صور التعاضد في المجتمع المسلم وينبوعاً فياضاً من ينابيع الخير حتى آلت حال الأوقاف في العصور الأخيرة من عصور الدولة العثمانية إلى التدهور والجمود والإهمال والمحاربة، وتعرضت ممتلكاتها بسبب ذلك، إلى الانهيار والخراب، خصوصا بعد دخول البلاد الإسلامية مرحلة الاستعمار الأوروبى وخصوصا الفرنسي الذي أدرك أن أهم المؤسسات التي تدعم الطبقـــة المتعلمة الواعية في وقوفها في وجه سياسة الاستعمار وخططه هي المؤسسات التي تعتمد على الوقف كالمساجد والمدارس والزوايا والأربطة. لهذا عمد المستعمر إلى التدخل المباشر في شؤون الوقف ومؤسساته، تحت ستار إصلاح إدارتها وتحديث أنظمتها، وكان هدفه الحقيقي هو الحد من الدور الإيجابي للوقف ومؤسساته، خاصة في تنشيط الوعي الديني ومحاربة المستعمر ، ودخلت البلاد الإسلامية عهداً جديداً من التطور السياسي والاجتماعي تمثل في نشوء نظام الدولة الوطنية الحديثة على النمط الغربي.وكانت تركيا أول دولة إسلامية تقوم بإلغاء النظام القديم للأوقاف ووضع ممتلكاته تحت الإدارة الحكومية الرسمية، وذلك عقب الغاء نظام الخلافة الإسلامية مباشرة، وقد صدرت قوانين إلغاء الوقف الأهلي(الذري) في عدد من الأقطار الإسلامية الأخرى، ففي لبنان صدرت سنة 1947، وفي سوريا 1947م، ومصر 1952م، وفي العراق 1954م، وفي المغرب 1977م وفي الاردن1958ودمجت مدخولات الاوقاف بالميزانية العامة للدولة ضمن قانون الوعظ والارشاد . وتسربت ممتلكات الوقف بنوعيه الأهلي والخيري لجيوب البعض باسلوب الخصخصة او التاميم اوغيرها من الشعارات، و صمت العلماء والمفكرون عن الحديث عنه اوالبحث في أبعاده وقضاياه وبعد عن الاذهان حتى اصبح مع الاسف من الاحكام الشرعية الكثيرة المغيبة.
لقد كان للوقف أبعاد دينية واجتماعية واقتصادية وثقافية وإنسانية غطت أنشطتها سائر أوجه الحياة الاجتماعية وامتدت لتشمل المساجد والمرافق التابعة لها والدعوة والجهاد في سبيل الله، والمدارس ودور العلم والمكتبات، والمؤسسات الخيرية، وكفالة الضعفاء والفقراء والمساكين والأرامل، والمؤسسات الصحية.
وكذلك الوقف للجهاد في سبيل الله ويؤكد مشروعيته ما روى أن خالد بن الوليد حبس دروعه وأكراعه في سبيل الله. وتأهيل المجاهدين,وإعداد العدة اللازمة من سلاح وطعام,وصناعة الأسلحة,وفك أسرى المسلمين من أيدي الأعداءوقد سجل تاريخ الإسلام أوقافاً كانت مخصصة لهذا الغرض، ولعل أشهرها وقف صلاح الدين الأيوبي الذي كان ببلده بلبيس.
وبفضل ما تدره الأوقاف من أموال سخية في هذا المجال، قاومت الأمة الإسلامية أعداءها على مر العصور، وصدت جيوش الاستعمار في العصر الحديث، ولم ينجح المستعمر في اختراق حدودها إلا بعد أن ضعفت مؤسسة الوقف وتقلص دورها في حياة المسلمين.
وكذلك الوقف للانفاق في المواسم الدينية فانها تعتبر شعائر تعبدية، فضّلها الله تعالى على غيرها وأمر بإحيائها ومن هذه المواسم شهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى ويوم عاشوراء,وحرصاً على إقامة هذه الشعائر أقام المسلمون أوقافاً خاصة بها وشرطوا أن تخصص لإحيائها وأن يصرف ريعها على المحتاجين للتفريج عنهم وإدخال السرور عليهم,وهناك وثائق نصت على أن يصرف من ريع الوقف كل سنة في يوم عاشوراء في شكل إعانات ومواد غذائية، توزع على طلبة العلم والأيتام والفقراء والمساكين,وفي كل يوم من أيام رمضان على الفقراء والمساكين وطلاب العلم..ومولت الأوقاف موائد الإفطار والسحور للصائمين من الفقراء والغرباء، ووضعت بذلك الأساس لِسُنَّةٍ حسنة لا تزال حية في بعض البلاد الإسلامية ,وفي عيد الأضحى تذبح النعام وتوزع لحومها.
ومن منافع ذلك النوع من أنواع الأوقاف انها تدخل السرور على قلب المرء المحتاج لقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ( إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم إشباع جوعته وتنفيس كربته) جامع الجوامع للسيوطي.
والوقف على المدارس فقد عرف تاريخ الاسلام إيقاف أموال المسلمين على التعليم وبناء المدارس. ولدينا العديد من الأمثلة على عظمة ورقى المسلمين في هذا الصدد ومن امثلة ذلك ما روى الرحالة الشهير ابن جبير: أنه شاهد في بغداد نحو ثلاثين مدرسة،كل واحدة منها في قصر وبناية كبيرة.... أشهرها وأكبرها "المدرسة النظامية". ولهذه المدارس أوقاف وعقارات للإنفاق عليها وعلى العلماء والدارسين فيها، وكان وقف "نظامية بغداد" خمسة عشر ألف دينار شهرياً، وتخرج منها أكابر العلماء,و تحدث ابن جبير عما شاهده من هذه المدارس في القاهرة ودمشق وغيرها بأنه تأسست المدارس الموقوفة الخاصة بأبناء الفقراء والأيتام واللقطاء.
ويعطي ابن خلدون أمثلة على ما كان في بغداد وقرطبة والكوفة والبصرة والقيروان وفاس من مراكز علمية، ويتحدث عما شاهده في القاهرة من التطور العلمي وازدهار المدارس,ويذكر التاريخ فضل صلاح الدين الأيوبي في إنشاء المدارس العلمية في جميع المدن التي كانت تحت سلطانه، في مصر ودمشق والموصل وبيت المقدس.
والوقف على المكتبات كذلك فقد انتشرت المكتبات التي أوقفها المسلمون في جميع بلاد المسلمين في بغداد ومصر والشام والأندلس والمغرب على مَرِّ التاريخ,وهناك أمثله عديدة توضح المستوى الذي كانت عليه تلك المكتبات: (أ)حوت المكتبة التي أوقفها ابن مليس الوزير الفاطمي على غرف عديدة للمطالعة، وقاعات خاصة للمحاضرات والمناظرات، وقاعة خاصة لتوجيه الباحثين والناشئين. وأعطيت من ريع وقفها مرتبات لطلبة العلم والعلماء والقائمين عليها. (ب)يقال أن المكتبة التي أوقفها بنو عَمَّار في طرابلس الشام، كانت آية في السعة والضخامة، وإنها اشتملت على مليون كتاب. (ج)يصف لنا ابن جبير عن المكتبات التي أوقفها المسلمون في مصر فيقول: "ومن مناقب هذا البلد (أي مصر)، ومفاخره أن الأماكن في هذه المكتبات قد خصصت لأهل العلم فيهم، فهم يفدون من أقطار نائية فيلقى كل واحد منهم مأوى يأوي إليه ومالاً يصلح به أحواله. وبلغ من عناية السلطان بهؤلاء الذين يفدون للاستفادة العلمية، أن أمر بتعيين حمامات يستحمون فيها، وخصص لهم مستشفى لعلاج من مرض منهم، وخصص لهم أطباء يزورونهم وهم في مجالسهم العلمية، وخصص لهم الخدم لقضاء حاجاتهم."
والوقف في المجال الصحي بلغ من عناية المسلمين بالرعاية الصحية وتطوير خدماتها، أن خصصت أوقافا وقفت على رعاية المرضى جميعا دون تمييز بين فقير وغنى والخدمات الصحية التي تقدمها هذه المراكز الطبية، من علاج وعمليات وأدوية وطعام، كانت مجاناً بفضل الأوقاف التي كان المسلمون يرصدونها لهذه الأغراض الإنسانية، إذ كانت الرعاية الصحية في سائر البلاد الإسلامية إلى وقت قريب من أعمال البر والخير، ولم تكن هناك وزارات للصحة العمومية كما في العصر الحاضر.
وكان للأوقاف أثر حميد في النهوض بعلوم الطب، لأن دور المستشفيات التي ينفق عليها من الأوقاف لم يقتصر على تقديم العلاج، وإنما تعدى ذلك ذلك إلى تدريس علم الطب، فكانت تخصص قاعات داخل المستشفيات الكبيرة للدروس والمحاضرات.
ونسرد بعض الأمثلة لبيان مستوى تلك الخدمات الطبية  (أ)كان أول مستشفى كبير في تاريخ الحضارة الإسلامية هو "البيمارستان" الذي أمر ببنائه هارون الرشيد ببغداد. ثم توالت بناء المستشفيات حسب نظام الوقف حتى أصبح ببغداد وحدها في مطلع القرن الرابع الهجرى خمسة مستشفيات. (ب)وصل الأمر إلى بناء أحياء طبية متكاملة: فقد تحدث ابن جبير في رحلته: أنه وجد ببغداد حياً كاملاًً من أحيائها يشبه المدينة الصغيرة، كان يسمى بسوق المارستان، يتوسطه قصر فخم جميل وتحيط به الغياض والرياض والمقاصير والبيوت المتعددة، وكلها أوقاف وقفت على المرضى، وكان يؤمه الأطباء والصيادلة وطلبة الطب، إذ كانت النفقات جارية عليهم من الأموال الوقفية المنتشرة ببغداد. (ج)تحدثت كتب التاريخ عن المستشفيات التي أنشئت في مصر بفضل أموال الوقف: مثل:مستشفى أنشأه الفتح بن خافان ومستشفى أمير مصر أحمد بن طولون والمستشفى التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي. وتحدث المؤرخون والرحالة عن المستشفى التي أنشأه الملك قلاوون بمصر، وجعله وقفاً لعلاج مرضى المسلمين، قال عنه ابن بطوطة إنه يعجز الوصف عن محاسنه، وقد أعد فيه من الأدوية والمرافق الخدمية ما لايحصى. (د)وكثرت المنشآت الصحية بمدن الأندلس حتى ان مدينة قرطبة وحدها كان بها خمسون مستشفى، أوقفها الخلفاء والأمراء والموسرون. وكذلك الحال في المغرب الأقصى حيث انتشرت المستشفيات في أهم المدن وتحدث عنها المؤرخون بإسهاب، ومن أهمها مستشفى سيدي فرج بفاس التي خصص جزءا منها لعلاج طير اللقلاق، وجزءا خصص للموسيقيين الذين يزورون المرضى مرة كل أسبوع للترفيه عنهم
والرعاية الاجتماعية كذلك فقد تعددت أنواع الوقف في هذا المجال عبر التاريخ الإسلامي فهناك أوقاف للّقطاء واليتامى لإيوائهم ورعايتهم وختانهم وأوقاف مخصصة لرعاية المقعدين والعميان والشيوخ والعجزة، وأوقاف لإمدادهم بمن يقودهم ويخدمهم,وأوقاف لتزويج الشباب والفتيات ممن تضيق أيديهم وأيدي أوليائهم عن نفقاتهم، وفي بعض المدن دور خاصة حبست على الفقراء لإقامة أعراسهم.
 وأوقاف لإمداد الأمهات المرضعات بالحليب والسكر، ويذكر المؤرخون بإعجاب شديد أن من محاسن صلاح الدين الأيوبي أنه جعل في أحد أبواب القلعة بدمشق ميزاباً يسيل منه الحليب، وميزابا يسيل منه الماء المحلى بالسكر، تأتي إليهما الأمهات في كل أسبوع ليأخذن لأطفالهن ما يحتاجون إليه من الحليب والسكر.
وأوقاف لإنشاء دور للضيافة والاستراحة (الخانات)وأوقاف لقضاء الديون عن المعسرين، وأوقاف للقرض الحسن، وأوقاف لتوفير البذور الزراعية، ولشق الأنهار وحفر الآبار.
ومن أهم المنشآت الاجتماعية التي نشأت في المجتمعات الإسلامية، بفضل الاهتمام بالوقف، أسبلة المياه الصالحة للشرب(السقايات) وكان من تقاليد الوقف أن تلحق الأسبلة بالمساجد، وغالباً ما تكون وسط المدينة أو على طرق القوافل، لتكون في متناول الجميع. وشاع الوقف لهذا الوجه من البِرِّ في سائر أنحاء العالم الإسلامي، لعظيم فضلها وثوابها ومنها ما يزال قائما.
وهناك أوقاف مشهورة في التاريخ لتزويد مكة المكرمة بالماء الطاهر الطيب، أشهرها وقف السيدة زبيدة زوج هارون الرشيد، وما زال يعرف بعين زبيدة. المراجع تحرير نظام الوقف الإسلامي ونظام الوقف الإسلامي


حديث رمضان -12

جواد عبد المحسن 

إرسال تعليق

0 تعليقات