الرجس
أن ماهية الرجس
: مرض القلب وانغلاقه عما نزل من
الذكر عكس الإيمان في قوله تعالى (فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)
البقرة ,10وما جاء في قوله تعالى (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا
إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا
عَامِلُونَ) فصلت 5 .ومثلها في سورة الأنعام (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا
يؤمنون ) 125.وهو القَذَر وما يوجب التنفّر، وقد يكون مادّياً وظاهريّاً، كرجاسة
الخنزير في قوله تعالى (أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ
لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)145 الانعام.ويقول الشعراوي" إن الرجس هو القذارة نفسها
، فلا نقول إنهم قذرون لأننا إن قلنا ذلك فالمعنى
يفيد أنهم طُهُرٌ أصابهم قذر ، وهم ليسوا كذلك ، إنهم « قذر » في حد ذواتهم ، ولا يطهرهم
شيء؛ لأن الذي يخرج من القذارة يكون مثلها؛ فهم خباثة لا يطهرها لَوْم أو توبيخ . وأطلق
الرجس هنا مثلما قال الحق : { إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ } التوبة
28 ولم يقل : « نجسون » بل هم أنفسهم نجس" وهذه حالهم ا ن اصروا على كفرهم ولا يطهرهم شيىء الا ايمانهم
بالله واسلامهم ,وذكر صاحب كتاب الكليات" الرجس الشر والمستقذر أيضا, والركس العذرة
والنتن, والرجس والنجس متقاربان لكن الرجس أكثر ما يقال في المستقذر طبعا, والنجس أكثر
ما يقال في المستقذر عقلا وشرعا .
والرجس يطلق أيضاً على الشيء القذر حسيّاً؛ مثل الميتة ، والحق سبحانه يقول{
قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ
أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ
أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ }الأنعام 145,فالميتة قذارة حسّية ، كذلك
الخمر التي يقول فيها الحق : { إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ
عَمَلِ الشيطان . . . } المائدة 90 ,فالخمر
نفسها رجس ، أي : قذارة حسّية ، وعطف عليها الحق سبحانه الميسر والأنصاب والأزلام؛ فأخذوا حكم الخمر ، وهكذا
نفهم أن الخمر رجس حسّي ، بينما الأنصاب والأزلام والميسر رجس معنوي" .
وقد
يكون معنويّاً وباطنيّاً، كالشرك والكفر وقبائح الأفعال في قوله تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ)
125التوبة ، فالرجس يعمّ سائر الخباثات ظاهرها وباطنها، الشّاملة لضيق الصّدر وحرجه
، وبهذا العموم كان تذييلاً ، فليس خاصّا بضيق الصدر حتّى يكون من وضع المظهر موضع
المضمر,وذكر إبن جرير الطبري في جامع البيان
"القول في تأويل قوله تعالى(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) 125التوبة
,"يقول تعالى ذكره : وأما الذين في قلوبهم مرض نفاق وشك في دين الله ، فإن السورة
التي أنزلت زادتهم رجسا إلى رجسهم ، وذلك أنهم شكوا في أنها من عند الله ، فلم يؤمنوا
بها ولم يصدقوا ، فكان ذلك زيادة شك حادثة في تنزيل الله لزمهم الإيمان به عليهم ،
بل ارتابوا بذلك ، فكان ذلك زيادة نتن من أفعالهم إلى ما سلف منهم نظيره من النتن والنفاق
، وذلك معنى قوله : فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا يعني هؤلاء المنافقين أنهم هلكوا
وهم كافرون يعني وهم كافرون بالله وآياته".وذكر ايضا" حدثني : يونس ، قال
: ، أخبرنا : إبن وهب ، قال : قال إبن زيد في قول الله : في قلوبهم مرض فزادهم الله
مرضا قال : زادهم رجسا. وقرأ قول الله عز وجل (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ
مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ
إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) 125التوبة ،
قال : شراً إلى شرهم ، وضلالة إلى ضلالتهم".
لقد
اختلف في الرجز والرجس هل هما كلمة واحدة أبدلت سينها زايا كما يحصل أحيانا في تبادل
أحرف الصفير مثل الأسد والأزد ومثل الصراط والسراط والزراط، أو أنهما كلمتان معناهما
واحد وهو القذر كما جزم به صاحب مختار الصحاح، أو يختلف معناهما فيراد بالرجز العذاب
وقد يراد به القذر،,وقوله تعالى( فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ
بِهِ )الأنعام145,كذا قال ابن الأثير في النهاية وابن منظور في اللسان والبيضاوي في
التفسير والشوكاني في فتح القدير.
وذكر
صاحب معجم "مقاييس اللغة" أن (الراء، والجيم، والسين) أصل يدل على اختلاط،
يقال: هم في مرجوسة من أمرهم، أي: اختلاط. والرجس: صوت الرعد؛ وذلك أنه يتردد. والرجس
هدير البعير. ويقال: سحاب رجاس، وبعير رجاس. وهذا راجس حسن، أي راعد حسن. والرجس: القذر؛
لأنه لطخ وخلط. وواضح أن الأصل اللغوي لهذا اللفظ يتعلق بما هو مادي محسوس، لكن توسعوا
بعدُ في استعمال هذا اللفظ، فأصبح يُستعمل فيما هو معنوي.
ولفظ
(الرجس) ورد في القرآن الكريم في مواضع متعددة ولم يأت هذا اللفظ في القرآن إلا بصيغة
الاسم, وهو في المواضع التي جاء فيها لم يأت على معنى واحد، بل جاء على أكثر من معنى
فيما يلي:
1- قال
تعالى في وصف الخمر والميسر: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان}
(المائدة:90)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن (الرجس) هنا هو: السَّخَط. وروي عن
ابن زيد، قال: (الرجس)،الشر. وقال سعيد بن جبير: الإثم. وقال الطبري: إثم ونَتْن. وقال
البغوي: أي: خبيث مستقذر.
2- و(الرجس)
في قوله تعالى: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} (الأنعام:125)، روي عن
ابن عباس رضي الله عنهما أن (الرجس) هنا: الشيطان. وروي عن مجاهد، قال: (الرجس): ما
لا خير فيه. وقال ابن زيد: الرجس: عذاب الله. ورجح الطبري قول ابن عباس رضي الله عنهما
في الآية.
3- و(الرجس)
في قوله تعالى: {فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} (الأنعام:145)، الحرام، كما قال البغوي. وقال ابن عاشور: الرجس
هنا الخبيث والقَذر.
4- و(الرجس)
في قوله تعالى: {قد وقع عليكم من ربكم رجس} الأعراف:71، السَخَط، وهذا مروي عن ابن
عباس رضي الله عنهما. وقال الطبري والبغوي: الرجس هنا: العذاب. وهو بمعنى كلام ابن
عباس رضي الله عنهما.
5- وفسر
الطبري (الرجس) في قوله تعالى: {فأعرضوا عنهم إنهم رجس} (التوبة:95)، بأنه: النجس.
وفسره القرطبي و البغوي بأنه: العمل القبيح. وقال ابن كثير: خبثاء نجس بواطنهم واعتقاداتهم.
وقال ابن عاشور: الرجس هنا: الخبث. والمراد: تشبيههم بالرجس في الدناءة ودَنَس النفوس.
فهو رجس معنوي.
6- و(الرجس)
في قوله تعالى: {فزادتهم رجسا إلى رجسهم} (التوبة:125)، الشر والضلال. قال ابن زيد
في معنى الآية: زادهم شراً إلى شرهم، وضلالة إلى ضلالتهم. وقال ابن كثير: أي: زادتهم
شكا إلى شكهم، وريبا إلى ريبهم. وقال الكسائي: أي: نتناً إلى نتنهم. وقال مقاتل: إثماً
إلى إثمهم. وقال القرطبي: أي شكاً إلى شكهم، وكفراً إلى كفرهم. وقال ابن عاشور: الرجس
هنا: الكفر. والمعنى في الجميع متقارب.
7- وفسر
كثير من المفسرين (الرجس) في قوله تعالى: {ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون} (يونس:100)،
بأنه العذاب. وقال ابن كثير: الخبال والضلال.
8- وأغلب
المفسرين على أن المراد من (الرجس) في قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} (الحج:30)،
عبادة الأوثان، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فاجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان.
وقال ابن كثير اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. وقال ابن عاشور: وَصْفُ الأوثان بالرجس
أنها رجس معنوي؛ لكون اعتقاد إلهيتها في النفوس بمنزلة تعلق الخبث بالأجساد، فإطلاق
الرجس عليها تشبيه بليغ,وقال صاحب تاج العروس من جواهر القاموس" والفَرْقُ بينَ
مِن للتَّبْعِيض ومِن للتَّبْيِين أَنَّه كانَ للتَّبْعِيضِ يكونُ ما بَعْدَه أَكْثَر
ممَّا قَبْلَه كقَوْلِه تعالى{ وقالَ رجُلٌ مُؤْمِنٌ مِن آلِ فِرْعَوْنَ }غافر 28 ،
وإنْ كانَ للتَّبْيِين كانَ ما قَبْلَه أَكْثَر ممَّا بَعْده كقَوْلِه تعالى : { فاجْتَنِبُوا
الرِّجْسَ مِنَ الأوْثانِ }(الحج:30) وأَنْكَرَ مَجِيءَ مِن لبَيانِ الجِنْسِ قَوْمٌ
وقالوا : هي في { مِنْ ذَهَبٍ } و { مِنْ سُنْدسٍ } للتَّبْعِيضِ ، وفي { مِنَ الأَوْثانِ
} للابْتِداءِ ، والمعْنَى فاجْتَنِبُوا مِنَ الأَوْثانِ الرِّجْسَ وهو عِبادَتُها.
9- و(الرجس)
في قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} (الأحزاب:33)، عمل الشيطان،
وما ليس لله فيه رضى. قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وقال قتادة: السوء. وقال مجاهد:
الشك. وقال ابن زيد: الرجس ها هنا: الشيطان، وسوى ذلك من الرجس: الشرك. وقال مقاتل:
الإثم. وقال ابن عاشور: المراد به هنا الخبيث في النفوس، واعتبار الشريعة. وهذا القول
يجمع الأقوال السابقة.
10- ،
منها قوله تعالى: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} (الأنعام:125).
أن لفظ (الرجس) في الآيات السابقة قد جاء على عدة
معان، فجاء بمعنى الإثم، والشرك، والشر، والعذاب، والشك، والشيطان، والنجس، والخبث،
والسَّخَط، وهي معان تجمع بين ما هو مادي حسي وما هو معنوي، ويصب كلها في النهاية في
المعنى اللغوي وهو معنى الخبث والقَذَر.
بقيت
في الموضوع مسألة وهي ان لفظ (النجــس) جاءت في
الكتاب المبين مرة واحدة، في قوله تعالى
وصفاً للمشركين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ
عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) 28التوبة, ومعناها القذارة
- المعنوية ، النفسية – من جراء عقيدة
إشراكهم فلننظرفي ذلك, فالطهارة من الشرك بالنسبة للكافر كالطهارة من الحدث بالنسبة
للمؤمن لانهما طارىء قد طرأعلى اصل والله اعلى واعلم.
جواد عبد المحسن
حديث رمضان -12
0 تعليقات