سوء الظن بالله تعالى

سوء الظن بالله تعالى

إن سوء الظن يحمل على التجسس والتحسس والغيبة والتحاسد والتباغض والتدابر ، ويقطع العلاقة بين المتآخين . وَمَنْ حَكَمَ بِشَرٍّ عَلَى غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ حَمَلَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى احْتِقَارِهِ وَعَدَمِ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَالْتَوَانِي فِي إكْرَامِهِ ، وَإِطَالَةِ اللِّسَانِ فِي عِرْضِهِ وَكُلُّ هَذِهِ مُهْلِكَاتٌ .
وبسبب سوء الظن - إن كان اعتقاداً في أحوال الناس - قد يخسر الإنسان الانتفاع بمن ظنه ضاراً ، أو الاهتداء بمن ظنه ضالاً ، أو تحصيل العلم ممن ظنه جاهلاً ونحو ذلك . ولذلك فإن على الإنسان أن يحذر من هذه الآفة الضارة بالدين والدنيا ، وأن يحرص على سلامة صدره على إخوانه ؛ ليعيش هانئ البال ، مرتاح النفس ، بعيدا عن منغصات الحياة ، سالما من عناء البحث العورات وتتبع العثرات.
لذا فإنه لا ينبغي للمسلم أن يلتفت كثيرا إلى أفعال الناس ، يراقب هذا ، ويتابع ذاك ، ويفتش عن أمر تلك ، بل الواجب عليه أن يُقبل على نفسه فيصلحَ شأنها ، ويُقوِّمَ خطأها ،ويرتقي بها إلى مراتب الآداب والأخلاق العالية ، فإذا شغل نفسه بذلك ، لم يجد وقتا ولا فكرا يشغله في الناس وظن السوء بهم .

قال الشاعر :

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا * * * مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * * * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

لقد ذم الله تعالى من أساء الظن به ، فأخبر عن المشركين أنهم يظنون به ظن السوء ، قال تعالى " ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا " [ الفتح : ] ووصف المنافقين بأنهم يظنون به غير الحق فقال تعالى " يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر شئ قل إن الأمر كله لله " [ آل عمران : ] قال الألوسي رحمه الله : أي ظن الأمر الفاسد المذموم وهو أن الله عز وجل لا ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقيل المراد به : ما يعم ذلك وسائر ظنونهم الفاسدة من الشرك وغيره "  روح المعاني 9 / 95  وهذا الظن مما لا يليق بالله تعالى وحكمته ووعده الصادق ، فمن ظن أن الله يديل الباطل على الحق إدالة مستمرة يضمحل معها الحق أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره ، أو أنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد ، فذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار .
 صور من إساءة الظن بالله تعالى .
1. من قنط من رحمته وأيس من روحه فقد ظن به ظن السوء .
2. من ظن به أن يترك خلقه سُدى ، معطلين عن الأمر والنهي ، ولا يرسل إليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه بل يتركهم هملاً كالأنعام فقد ظن به ظن السوء .
3. من ظن أنه لا سمع له ولا بصر ، ولا علم له ولا إرادة ، وأنه لم يكلم أحداً من الخلق ولا يتكلم أبداً ، وأنه ليس فوق سماواته على عرشه بائناً من خلقه أي بلا كيف وكما وصف الله به نفسه فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه .
4. من ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسن فيها بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ، ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين ، فقد ظن به ظن السوء .
5. من ظن أن له ولداً أو شريكاً أو أن أحداً يشفع عنده بدون إذنه ، أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه ، أو أنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليه ، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه فيدعونهم ويحبونهم كحبه ويخافونهم كخوفه فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه .
6. من ظن بالله تعالى أن يخيب من تضرع إليه وسأله رغبة ورهبة واستعان به وتوكل عليه ولا يعطيه ما سأله ، فقد ظن به ظن السوء ، وظن به خلاف ما هو أهله . سلمان بن يحي المالكي بتصرف



 جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14
2016

إرسال تعليق

0 تعليقات