التصديق مطلق

التصديق مطلق

ان من التصديق التصديق المطلق، ولو لم تدرك الحكمة، فإن من صدق أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ائتمنه على الشريعة، فهو مأمون، لا يكذب ولا يفتري، والله تعالى شهد له بهذا، فإذا كان كذلك وجب تصديقه من غير تردد، ولو لم تتبد له الحكمة، وهذا حال المؤمنين في قوله تعالى:{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) }النور, وقوله { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) }وقوله  { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)النساء.
لما أسري برسول الله عاد فأخبر قومه فكذبوه وارتد كثير ممن أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له: "هل لك يا أبا بكر في صاحبك يزعم أن قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة" فقال لهم أبو بكر: " والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه" فسمي يومئذ الصديق تهذيب السيرة ص102.
     ويقول اهل المنطق في هذا الامر  التصور هو: «إدراك الشيء إدراكاً ساذجاً»
ان التصديق هو: «الإدراك المشتمل على الحكم» فهو إدراك مشتمل على الإثبات أو النفي، مضافا إلى الإذعان واليقين بثبوت الشيء أو ثبوت شيء لشيء. والحكم بمطابقة النسبة للواقع أو عدم مطابقتها له, توضيح ذلك:
     إنَّ الإنسان عندما يدرك شيئاً، فهذا لا يعني أنّه صدَّق بوجوده أو عدمه، أو بكيفياته وحالاته من طوله وعرضه وارتفاعه ولونه وغير ذلك، فإنَّ مجرد الإدراك لا يلزمه التصديق فربَّ مُدركٍ للشيء ومتصوِّر له، دون أن يذعن به حيث أنّ التصور هو: «الإدراك الساذج غير المقترن بالتصديق والإذعان» كتصور الهواء أو تصور الجبل، أو تصوُّر الكَرم أو الشجاعة، أو البخل أو الخوف، وكتصور الحرمة أو الوجوب، أو كتصوُّر جبل من نور أو إنسان ذي رؤوسٍ ثلاثة أو تصوُّر حرارة الجوّ أو حسن الكرم أو قبح البخل، وكذلك ما لو تصوَّرنا النسب غير المتحقِّقة في الواقع الخارجي، كتمنّي الوصول إلى مقام المخلَصين أو تمنّي الجهاد أو ترجِّي بلوغ الأسباب في قول فرعون: {لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ}.
وأمّا التصديق فهو: «الإدراك المقترن بالإذعان بالنسبة، والحكم بمطابقتها للواقع أو عدم مطابقتها» وذلك كما لو قلنا: الغيبة حرام وأذعنّا بالحكم - أعني حرمة الغيبة - وأمّا إذا شككنا فهو من التصوُّر غير المستتبع للحكم. كذلك لو قلنا: الحلم حسن، الزهد حسن، الجوُّ حارٌّ؛ فكل هذه القضايا تصديقيَّة، ونعني بالتصديق: التصور المستتبع للحكم والإذعان.

 جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14
2016




إرسال تعليق

5 تعليقات

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  4. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  5. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف