قصة وعبرة

قصة وعبرة

يقول الحق سبحانه وتعالى(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)يوسف ويقول(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)الكهف ويقول(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)هود.ان القصة ليست لمجرد السرد بداية وعقدة وحل لهذه العقدة ثم النهاية السعيدة,اذ ان القصص عادة ما تكون هكذا, ولكن لا بد لصاحب العقل الذي يتدبر ويتفكر من ان تكون هذه القصة عبرة له يتعظ بها,فبدون العظة والعبرة تكون القصة مجرد سرد ليس لها غاية سوى انها كلام كالمسلسلات لقتل الوقت واضاعته فيما لا جدوى منه.

اما القصص القرآني فانه مغيا وليس للسرد, فهو من اجل غاية وهدف واقرأ معي قول الحق(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)يوسف فهو عبرة وعظة لتقريب وتبسيط الامور ليسهل فهمها.

فتكون القصة لراويها زيناً في مجالسه، وأنساً لمجالسه، وشحذاً لذهنه وهاجسه، فلا يمر به معنى في الأغلب مما يذاكر به، إلا أورد فيه بيتاً نادراً، أو مثلاً سائراً، أو حكاية مستطرفة، أو حكمة مستحسنة، يحسن موقع ذلك في الأسماع، ويخفف على النفس والطباع، ويكون لقارئه أنساً في الخلاء، كما هو زين له في الملاء، وصاحباً في الاغتراب، كما هو حلي بين الأصحاب. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أهدى المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة واحدة، يزيده الله بها هدىً، ويصرفه بها عن ردى "سعيد بن منصور ، والبيهقى فى شعب الإيمان. ويروى عن عيسى الخياط، عن الشعبي، قال: لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمة ينتفع بها فيما يستقبل من عمره، ما رأيت أن سفره قد ضاع.

والكلام يفسر الكلام ومثاله ان اعرابيا سأل سأل أعرابى عبداللَّه بن عباس ـ رضى اللَّه عنهما. فقال: إن العرب تقول: حب التناهى شطط ـ خير الأمور الوسط ـ هل هذا موجود فى القرآن؟. قال ابن عباس. رضى اللَّه عنهما: نعم فى أربعة مواضع منها:فى قوله تعالى فى وصف بقرة قوم موسى: (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى. قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك). «البقرة: 68». «اى وسط بين الكبر والصغر». وفى قوله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا). «الاسراء: 110» (هذا السبيل هو الوسط). وفى قوله تعالى فى مدح المعتدلين من كرماء المؤمنين: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما). «الفرقان:67». «أى الوسط».وفي قوله تعالى(ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها)110 الاسراء,ففهم الاعرابي.

واما القصة:فقدكان سعي  قال المسعودي: وقد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل وقيل له: إن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته فوجه إليه ـ ليلاً ـ من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله، على غفلة ممن في داره، فوجدوه في بيت وحده، مغلق عليه، وعليه مدرعة  من شعر، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى، وعلى رأسه ملحفة من صوف، متوجهاً إلى ربّه، يترنّم  بآيات من القرآن في الوعد والوعيدفأخذ على ما وجد عليه، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه، (ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل فيه، ولا حالة يتعلّل عليه بها), فقال له: أنشدني شعراً استحسنه فقال:

باتوا على قلل الأجـبال تـحرسهم     غلب الرجال، فـــما أغنــتهم القلل
واستنزلوا بــد عزّ عـن معاقلهم      فأودعوا حُــفراً يــا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخٌ من بعـــد ما قـبروا:      أين الأســـرة والتيــــجان والحلل؟
أين الوجــوه التــــي كانت منعمة      من دونها تضــرب الأستار والكلل؟
فأفصح القبر عنهم حين سـاءلهم                تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكــلوا فيـها وما شربوا        فأصبحوا بعــد طول الأكل قد أكلوا
وطالما عـــمّروا دوراً لتـحصنهم         ففارقوا الـــدور والأهلين وانتقلوا
وطالما كنزوا الأمـــوال وادّخروا         فخلّفــــوها إلى الأعداء وارتحلوا
أضحت منــازلهم قـــفراً معطلة          وساكـنوها إلى الأجداث قد رحلوا

قال: فأشفق ـ كل من حضر ـ على علي (الهادي) وظنّ أن بادرة تبدر منه (المتوكل) إليه قال: والله لقد بكى المتوكل بكاءً طويلاً، حتى بلّت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثم أمر المتوكل برفع الشراب، ثم قال له: يا أبا الحسن، أعليك دين؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار فأمر بدفعها إليه، وردّه إلى منزله من ساعته مكرّماً.
يخسر الناس معظم الفرص لأنها تأتيهم فى صورة مشكلات فيتعاطون ويتعاملون معها على انها مشكلة لا يرون فيها الا جانبها المظلم,فالعسر لا يمكن ان يطبق مطلقا فاليسر معه دوما,والفرج لا يعرف الا بالضيق واليسر كذلك لا يعرف الا بالعسر,والحسن لا يدرك مفهومه الا بالقبح ,وقس على ذلك كل امر فان له جانب آخر يقول الشاعر:


        ايها الشاكي وما بك داء.............كن جميلا ترى الوجود جميلا 

جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14 
2016 م

إرسال تعليق

0 تعليقات