المعتمد بن عباد

المعتمد بن عباد
رعي الإبل ولا رعي الخنازير

لم يزل المعتمد بن عبَّاد في صفاء ودعة في مُلْكِهِ إلى سنة 478 هـ حين استولى ملك قشتالة ألفونس السادس على طليطلة اجتمع النصارى على المسلمين ووحدوا قواهم وأجلوهم عن كثير من بلاد الأندلس، وحاصروا أبرز حواضرها إمارة قرطبة، وتجهزوا للمعركة الفاصلة التي ستقرر إما الإسلام في الأندلس وإما يعلو الصليب.وكان أمير قرطبة ابن عباد فارس وشاعر وأديب مشهور ومن عقلاء من ملك الأندلس فجمع أهل الشورى عنده يستشيرهم بالاستنصار بدولة المرابطين في المغرب وشمال أفريقيا، وكان أمير المؤمنين فيها الملك الصالح المجاهد يوسف بن تاشفين، فأشار على ابن عباد غالب حاشيته بأن لا يدعوهم، لأنهم أي المرابطين سيأتون من بلاد فقيرة صحراوية فإذا شاهدوا الأندلس وما فيها من النعيم، دفعوا النصارى ثم استلبوا ملك بني عباد وسيطروا على الأندلس وضموها لمملكتهم، وأنه أولى له يصالح النصارى ويرضيهم من أن يعرض ملكه للزوال على يد المرابطين وإن كانوا مسلمين. . فسمع من الحاضرين ثم قال لهم أتفكر الليلة وأرى أمري. . ثم جمعهم في اليوم التالي فقالوا له ما رأيت أيها الأمير، قال تفكرت في أمرنا ورأيت أنه " رعي الإبل ولا رعي الخنازير " وذهبت من بعده هذه الكلمة مثلاً، قال رعي الإبل ولا رعي الخنازير، أي لئن يأخذني المرابطون عبداً إن سلبوا ملكي فأقصى ما يصيبني أن أرعى الإبل عبداً عند المسلمين، ولا يأخذني النصارى إن سلبوا ملكي فأكون عبداً عندهم أرعى الخنازير لأهل الصليب. . فالعقل والدين فعلا أن يكون رعي الإبل أولى من رعي الخنازير.
وتقول الرواية التاريخية: أن ابن عباد استنصر بابن تاشفين وكان ملكاً مجاهداً قد جاوز التسعين من العمر وكان يأمر جنده أن يربطوه على الخيل حتى لا يسقط لهرمه ، واجتمع جند المغرب من المرابطين وجند الأندلس وكانت معركة الزلاقة المشورة. . ونصر الله أهل الإسلام وفرق جيوش الصليب ومد في عمر الإسلام في الأندلس أربعمائة سنة أخرى. . وانسحب ابن تاشفين من ساحة المعركة مقسماً على جنده ألا يأخذوا معهم من الغنائم شيئاً. . وهذه كانت عاقبة من فكر بهدي من دينه وعقله فقال رعي الإبل ولا رعي الخنازير
ووقعت بين المعتمد وألفونس السادس المعركة المعروفة بوقعة الزلاَّقة سنة 479هـ يعاونه فيها يوسف بن تاشفين، فأوقعا بملك الروم هزيمةً نكراءَ، وأُبيد أكثر جيشه، وثبت المعتمد في ذلك اليوم ثباتاً عظيماً وأصابه عدة جراحات في وجهه وبدنه،

لمّا تماسكتِ الدّموعُ ** وتَنَهْنَهَ القلبُ الصَّدِيعُ
قالوا: الخضوعُ سياسةٌ ** فَلْيَبْدُ منك لهم خضوع
وألذ من طعم الخضو ** ع على فمي السّمُّ النّقِيعُ
إن تَسْتَلِبْ عنِّي الدُّنَا ** مّلْكي وتُسْلِمُني الْجُمُوعُ
فالقلبُ بين ضُلُوعِهِ ** لم تُسّلِمِ القلبَ الضُّلُوعُ
قد رُمْتُ يوم نِزَالِهم ** أنْ لا تحصِّنني الدُّرُوعُ
وبرزت ليس سوى القميـ ** ـصٍ عن الحشَى شيءٌ دَفُوعُ
أجَليَ تأخّر، لم يكن ** بهواي ذلّي والخشوع
ما سرت قطّ إلى القتا ** ل وكان في أملي رجوع

شِيَمُ الأُولَى أنا منهمُ ** والأصل تتْبعهُ الفروعُ

جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14
2016

إرسال تعليق

0 تعليقات