الامة المنصورة الغالبة

الامة المنصورة الغالبة

      انه من الممكن ان يكون للكفار نصيب في موقعة ما لاسباب عديدة,ولكن من غير الممكن ان يسمى نصيبهم هذا فتحا او نصرا,فالفتح والنصر محصور للمسلمين من الله عز وجل واقرأ معي قول الحق (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) 141النساء,وما حصل في هذه الموقعة التي كان لهم نصيب فيها اوغيرها مثل بلاط الشهداء لم تنعكس سلبا على همة الامة الاسلامية ,بل كان حافزا لشحذ الهمم والانطلاق لحمل الاسلام بعزم وبقوة اكثف واكبر.
لقد خاطب الله رسوله الكريم حين كذبه اهله بعد ان كانوا يصفونه بالصادق الامين بسبب دعوته ,واخبره بما فعلته الاقوام السابقة مع رسلهم فقال عز وجل(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)الانعام,وهذا اخبار وبشرى وان دعوته منصورة,فالبشرى والوعد بالنصر والتمكين لشخصه ولدعوته .
      ان الامة الاسلامية تتميز عن غيرها من الامم بميزات حباها الله بها فلا يوجد في مفاهيمها فكرة الانهزامية او الاستخذاء او استمراء الظلم, بالرغم مما يقع عليها من اعداء الداخل والخارج والمحاولات الدؤوبة لتفتيتها تبقى منتصبة تغذ الخطى للمعالي,فكل طاقاتها تتوجه في لحظات الحسم لتدارك هذا النصيب حتى لا يغتر مغتر بهذا النصيب من الكافرين اوالمنافقين ,فالامة الاسلامية امة منصورة وغالبة بغض النظر عن غناها وفقرها ففي غزوة الاحزاب وبرغم الجوع كانت منصورة وغالبة, وفي احد وبدر واليرموك والقادسية كانت كذلك غالبة ومنصورة , ولا تزال برغم تحكم الغاشم بمقدراتها تبقى هذه صفتها الملازمة لها كما ارادها ربها الامة الغالبة المنصورة وصدق الله العظيم(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)الصافات,واما الضعف فانه صفة طارئة توصف بها الامة في ظرف ووضع معين وليس الاصل.
ان الكافر استطاع بمكره ودهائه وتواطىء عملائه ان يهدم دولة الخلافة,ولا يعني هذا الامر انه استطاع ان يهزم الامة,لان الامة الاسلامية لا تهزم ولا تنهزم,وهذا الامر عقدي ولا ينفصل عن الايمان بالله عز وجل القائل(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)143 البقرة والجعل هو التصييرفالذي خلق جعل وصير كقوله تعالى(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) 54)الفرقان ,فالله هوالذي جعل الامة الاسلامية هي الامة الوسط,وليس غناها اوموقعها الاستراتيجي ولا كثرة المفكرين فيها,بل كل هذا يمكن ان يزول بتبدل الغني او بوجود البديل للموقع بعكس الجعل لان الله عز وجل هو الذي جعلها الامة الوسط وهو الوصف الملازم الذي لا ينفصل عنها ولا تنفصل عنه,فامريكا بجيشها وسلاحها واقمارها ومالها لا ولن تكون الامة الوسط لان الله لم يجعلها فهي بقوتها الدولة الاولى والقوة نسبية وآنية فلقد كان غيرها ولسوف ياتي بعدها من يحل محلها بخلاف الامة التي جعلها الله وليست القوة.
ان الامة الاسلامية صاحبة قضية تسخر كل طاقاتها من اجل هذه القضية وهي حمل الاسلام قيادة فكرية للعالم اجمع ,فهي ليست للعرب او للترك او لشعب معين بل هي للانسان بوصفه انسانا,فهي صاحبة رسالة وتقوم بعمل الرسل وكل رسول ارسله الله منصور, فلا يتأتى ان يهزم رسول ارسله الله, فهزيمته تعني انهزام دعوته وحاشا لله ان يرسل رسولا بدعوة مهزومة,فان كان كذلك لا سمح الله فكيف نفهم البشرى بالوعد بالتمكين والاستخلاف واقرأ معي قول الحق سبحانه وتعالى(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (110)يوسف وقوله(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)الصف,بغض النظر عن عدد من آمن به وغناهم وفقرهم وقطعا ويقينا هم المنصورون في الدنيا والآخرة او بالآخرة, عن محمد بن إسحاق ، قال  كانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه ، وكانوا أهل بيت إسلام ، إذا حميت الظهيرة فيعذبوهم برمضاء مكة ، فيمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول ، فيما بلغني : « صبرا آل ياسر ، موعدكم الجنة » فأما أمه فقتلوها وهي تأبى  إلا الإسلام,فلا يعني قتلها انها مهزومة بل قتلت وهي منتصرة,وكذلك كل من فعل فعلها منصور ولو اصابه ما اصابها.
ان الكفر ملة واحدة  من حيث العداء للامة الاسلامية وان اختلفت حدة عداءه فهم في حركة مستمرة للنيل منه ومن حملته وبيان ذلك في قوله تعالى (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)التوبة, فالحروب العسكرية والإعلامية التي تُشنُّ لتشويه الإسلامِ من قبل الكفار حين رأوا في مَنهجِ وتشريع هذا الدين القويم خطراً كبيراً عليهم فما زادت الحروب هذه الامة الا قوة واصرارا,وحين التدقيق في في الآية الكريمة ترى أربعة أفعال كلها بصيغة المضارع، وهي على الترتيب: (يريدون)، (يطفئوا)، (يأبى)، (يتم). والفعل بصيغة المضارع يدل على الحال والاستقبال ويعني الاستمرار, ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وقد تمَّ وانتشر وظهر في كل أصقاع المعمورة ولله الحمد، وهذا مصداق قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {33} التوبة.وحاشا لله ان تهزم امة تحمل دين الحق الذي تكفل الله باظهاره على الدين كله .
ان الامة الاسلامية تتميز عن غيرها من الامم بالخيرية التي حباها الله بها حين جعلها خير امة اخرجت للناس,ومن هذه الخيرية انها لا تجمع على ضلال فقد روى الترمذي  عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ). حسنه الألباني.وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (أمتي كالمطر لا يدري اوله خير أم آخره)المعجم الاوسط .فبرغم هدم الدولة وتعطيل الحكم بالاسلام بل ومحاربتة على كل الصعد من قبل اعداءه الكثر لم تخبو ناره بل دائمة التوهج والناس يدخلون فيه افواجا,هذا من جانب ومن جانب آخر ان الامة لم تفقد حيويتها ولم تتخلى  عنه كغيرها من الامم او ترفع راية بيضاء,فالمانيا مثلا عقب هزيمتها العسكرية هزمت الهزيمة الفكرية ولم نسمع ان احدا من الالمان نادى بخروج الحلفاء من قواعدهم في المانيا,وكذلك اليابان فلم نسمع من يقول بعودة مجد ابناءالشمس, بعكس الامة الاسلامية فانها لم تكل ولم تمل برغم الجراحات المتعددة والحروب المتجددة ما زال شعار عودة الاسلام ودولته هو المرعب المخيف للكفر واعوانه,ويحارب تحت شعارات عديدة لكسر شوكته ولا تزيده الجراح الا صلابة ويقينا وهذا هو الامر العقائدي الواجب الايمان به من ان الامة الاسلامية هي الامة الغالبة المنصورة قطعا ويقينا.
واما القصة فانها موقعة ليبانت البحرية 17 جمادى الأولى 979 هـ 7 أكتوبر 1571م فبعد أن فتحت الدولة العلية العثمانية جزيرة قبرص في 10 ربيع الأول سنة 979 هـ الموافق 1571 م شعرت البندقية بالخطر فاستعانت باسبانيا و البابا للوقوف في وجه الدولة العلية حتى لا تصل إلى بلاد ايطاليا ، و تكوّن هذا الأسطول المتحالف من (70) سفينة اسبانية و (140) سفينة من البندقية و (12) سفينة من البابا و (9) سفن من سفن مالطة .
و قد كانت سفن الدولة العلية مؤلفة من (200) سفينة و اشتبك الأسطول المتحالف مع أسطول الدولة العلية قرب جزيرة " ليبنته " واستمر القتال مدةً حتى انتهى الأمر بانتصار الأسطول المتحالف من الدول النصرانية و أخذت (130) سفينة و أحرقت و أغرقت (94) سفينة و غنمت (300) مدفع و أسرت (30) ألف أسير و قد كان لهذا الانتصار صدى كبير عند النصارى حتى أن البابا قد خطب فيهم في كنيسة " مار بطرس " بروما و شكر القائد النصراني " دون جوان " على انتصاره .
كان نائب البندقية في استانبول - السفير - أنطونيو باربارو – مازال في استانبول لم يغادرها و أراد مقابلة الصدر الأعظم – رئيس الوزراء – محمد باشا صقلّلي ليسير أغواره عقب معركة ليبانت ، و يقف على اتجاهات السياسة العليا للدولة بعد هذه المعركة ... فاجتمعا .
وقد بادره الصدر الأعظم قائلاً ( انك جئت بلا شك تتحسس شجاعتنا  وترى أين هي ... و لكن هناك فرق كبير بين خسارتكم و خسارتنا . إن استيلاءنا على جزيرة قبرص كان بمثابة ذراع قمنا بكسره و بتره . و إيقاعكم الهزيمة بأسطولنا لم تفعلوا شيئا أكثر من حلق لحانا ... و إن اللحية لتمنوا بسرعة و كثافة تفوقان السرعة و الكثافة اللتين نبتت بهما في الوجه لأول    مرة) . وانتهى اللقاء
و كان الفصل شتاءً و الأسطول النصراني لا يستطيع أن يقوم بأي عمل في الشتاء ، فانتهز الصدر الأعظم محمد باشا صقللي الوضع و عهد إلى قائد شجاع أسمه " العلج علي " يعني السيف علي و أمده بما يحتاج من مؤن و عدد و عمال لبناء أسطول جديد و انهالت التبرعات من امير المؤمنين سليم الثاني و غيره من المسلمين لتجهيز هذا الأسطول ، حتى كان شهر يونيو حزيران سنة 1572 فاكتمل الأسطول الجديد و أخذت الوحدات البحرية العثمانية الجديدة تجوب المياه الإقليمية لسواحل ايطاليا دون أن تجرؤ احدى الدول على التعرض لها و قد بنيت ( 250 ) سفينة في مدة لا تتجاوز التسعة أشهر .
و استعادت الدولة التوازن الدولي لمصلحتها في البحر الأبيض المتوسط ... و لم تنته سنة 1573 حتى وقعت البندقية معاهدة مع الدولة الإسلامية على أن تدفع على مدى ثلاثة أعوام ثلاثماية ألف بندقي ( عملة البندقية ) كجزء من نفقات الحرب الأولى ، و كما نصت على زيادة الجزية التي تؤديها البندقية للدولة العلية من خمسماية بندقي إلى ألف و خمسماية بندقي ، و أن تتنازل البندقية للدولة العلية عن جزيرة قبرص و جزيرة سوبوتو وانتهت الموقعة.

جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14
2016 

إرسال تعليق

0 تعليقات