لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون










لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون

قال تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [15:72] ، أقسم تعالى بحياة نبيّه صلوات اللّه وسلامه عليه، وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه عريض. عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: مَا خَلَقَ اللَّه وَمَا ذَرَأَ وَمَا بَرَأَ نَفْسًا أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا سَمِعْت اللَّه أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَد غَيْره قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره: {لَعَمْرك إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتهمْ يَعْمَهُونَ}. يقول: وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا { إنهم لفي سكرتهم يعمهون} ""رواه ابن جرير""، وقال قتادة: { في سكرتهم} أي ضلالتهم، { يعمهون} أي يلعبون، وقال ابن عباس: { لعمرك} لعيشك، { إنهم لفي سكرتهم يعمهون} قال: يترددون.

والخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. و" عَمْرُك " معناها السنُّ المُحدَّد للإنسان لاستقامة الحياة، ومرة تنطق " عُمْرك " ومرة تنطق " عَمْرك " ، ولكنهم في القَسَم يختارون كلمة " عَمْرك " ، وهذا يماثل قولنا في الحياة اليومية وحياتك ".

ومن هذا القول الكريم الذي يُحدِّث به الحق سبحانه رسوله استدلَّ أهل الإشراق والمعرفة أن الحق سبحانه قد كرَّم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بأنه حين ناداه لم يُنَادِهِ باسمه العلنيّ " يا محمد " أو " يا أحمد " كما نادى كل رُسُله، ولكنه لم يُنَادِ الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بقوله: {يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ} [المائدة: 67]. أو: {أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ} [الممتحنة: 12]. وفي هذا تكريمٌ عظيم، وهنا في هذه الآية نجد تكريماً آخر، فسبحانه يُقسِم بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم. ونعلم أن الحق سبحانه يُقسِم بما شاء على ما شاء، أقسم بالشمس وبمواقع النجوم وبالنجم إذا هَوَى. فهو الخالق العليم بكل ما خلق؛ ولا يعرف عظمة المخلوق إلا خالقه، وهو العالم بمُهمة كل كائن خلقه، لكنه أمرنا ألاَّ نُقسِم إلاَّ به؛ لأننا نجهل حقائق الأشياء مُكْتملةً.

وقد أقسم سبحانه بكل شيء في الوجود، إلا أنه لم يُقسِم أبداً بأيِّ إنسان إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فقال هنا: { لَعَمْرُكَ } بحياتك يا محمد إنهم في سَكْرة يعمهون.

والسكرة هي التخديرة العقلية التي تحدث لمن يختلّ إدراكهم بفعل عقيدة فاسدة، أو عادة شاذة، أو بتناول مادة تثير الاضطراب في الوعي.
و { يَعْمَهُونَ.. } أي: يضطربون باختيارهم. حيث قال لهم نبيهم لوط عليه السلام قبلها: {قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} [15:71]، فيأتي العقاب من الله سبحانه وتعالى؛ {فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ... }. وهذا كله وهم غافلون عما يراد بهم، وما قد أحاط بهم من البلاء، وماذا يُصبحهم من العذاب المستقر، ويتكرر هذا الامر دائما حين ينظر المستكبر الى نفسه ويراها اكبر من حجمها او ان قوته لا يمكن قهرها وحين تأخذه العزة بالاثم ويوغل بتعنته لوجود قوته واغتراره يصيبه العمه والعياذ بالله، والْعَمَهُ هو فُقْدَانُ مَلَكَةِ الإِدْرَاكِ بِالحِسِّ ، وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَشْكَالِ الأَشْيَاءِ وَالأَشْخَاصِ وَطَبِيعَتِهَا، لوجود ما يمنعه من الادراك وهي نشوة القوة التي ملكها او الصحة او كل ما آتاه الله نعمة فاستعملها في غير موضعها.

يقال وَجَدَ نَفْسَهُ فِي عَمَهٍ : فِي تَرَدُّدٍ وَحَيْرَةٍ ، لَمْ يَعُدْ يَدْرِي أَيْنَ وِجْهَتُهُ، وعَمَهُ الْبَصِيرَةِ : أَيْ عَمَى الْعَقْلِ وَالْفِطْنَةِ، ,وأَصَابهُ الْعَمَهُ : أَيْ فُقْدَانُ مَلَكَةِ الإِدْرَاكِ بِالحِسِّ ، وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَشْكَالِ الأَشْيَاءِ وَالأَشْخَاصِ وَطَبِيعَتِهَا
وصدق الله العظيم: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) القصص، ويقول الشعراوي (ولأهل المعرفة في هذه المسألة مَلْمح دقيق : يقولون : نصيبك من الشيء ما ينالك منه ، لا عن مفارقة إنما عن ملازمة ودوام ، وعلى هذا فنصيبك من الدنيا هو الحسنة التي تبقى لك ، وتظل معك ، وتصحبك بعد الدنيا إلى الآخرة ، فكأن نصيبك من الدنيا يصُبُّ في نصيبك من الآخرة ، فتخدم دنياك آخرتك).

حديث رمضان 15
جواد عبد المحسن


إرسال تعليق

0 تعليقات