الخزي




الخزي

خزِيَ مِنْ عَمَلِهِ : شَعَرَ بِالْعَارِ وَالْمَهَانَةِ وَالذُّلِّ بعمل غير محمود او مخالف لما علية الناس، فهو شعور  الأشخاص بالخزي، أو بالازدراء من قبل الغير ليقوموا بتغيير سلوكياتهم، وهو شعورٌ مؤلم للغاية أو معاناة يشعر بها الفرد بانه معاب. ويقال خزي الرّجل من نفسه: استحيا ، خجِل منها خزِى لفعلته القبيحة. وخزِي فلانٌ ذلَّ وهان وقُهِر، خزاه الله. قال تعالى: { لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} (134) طه. وقال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) التوبة. هذا للفرد واما للجماعة ففي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) المائدة.
خزى الدنيا فى إهلاك الأمم السابقة
1-      ان الله جل وعلا لم يقصّ علينا قصص الأمم السابقة للتسلية ولكن للعبرة والعظة، ونفهم منه أن العذاب مرتبط بالخزى فى تدمير الأمم السابقة، وانه تعالى اوقع عليهم عذابه وهم في عنفوان كفرهم ليكون هذا العذاب خزي وذل وصغار لهم قبل عذاب الآخرة، وقد جاء هذا عموما فى قوله جل وعلا (كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ( الزمر 25 : 26).
2-      وجاء بالتحديد عن قوم نوح حين توعد الكفرة من قومه بطوفان قادم فقال لهم :( فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) ( هود 39  ).
3-      وحين استكبر وطغى قوم عاد أخزاهم الله جل وعلا بأن سلّط عليهم الريح تقتلعهم وتلقى بهم هنا وهناك كأنهم أعجاز نخل خاوية ، وفى هذا خزى عظيم لمن طغى وتكبر ، يقول جل وعلا : (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ   ) ( فصلت 15 : 16).
4-      ولم يتعظ بعدهم قوم ثمود فكذبوا نبى الله صالح ، وكانت النتيجة نجاة صالح عليه السلام والمؤمنين معه والهلاك والخزى للكفرة من ثمود : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) ( هود 66 ).
5-      وتكرر الخزى عقوبة مع إهلاك قوم مدين. قال لهم نبى الله شعيب عليه السلام يحذرهم من خزى قادم للمعاندين : (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (هود 93 ، 94)، فلم يتعظوا ، فحاق بهم الهلاك والخزى.
6-      واستفاد قوم يونس من تجارب السابقين الهالكين فنجوا من عقوبة الخزى والاهلاك ، يقول رب العزة عنهم: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) ( يونس 98 ).
وفيما يخص موضوعنا نختار حالة " الخزي " التي يعيشها المستبد إذ كان يتصرف كأنه إله مقدس يأمر ويطاع ، ويمنح ويمنع ويقتل ويعذب ويمنح الملايين وينهب البلايين ، ثم فجأة يأتيه الأنفجار من الداخل فيعيش في خزي ورعب وعار إلى أن تنتهي حياته ..)، وصدق الله العظيم (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ  فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  " (البقرة 114 ) فهي تنطبق على رئيس تونس السابق  الذي أرهب من يدخل المساجد وسلط شرطته السرية تراقب من يدخل المساجد ، بل تفتش المصلّين  امعاناً في أرهابهم ، وظل متحكماً في حياة التونسيين إلى ان ثار عليه التونسيون فحاول التراجع ، ثم انتهى به الأمر إلى الهرب ، وحقت عليه لعنة الخزي قبيل الهرب وبعده ، وسيظل يعيش في خزي وعار إلى أن يموت ، وفي الآخرة ينتظره عذاب عظيم مصداقاً لقوله جل وعلا (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، والامر نفسه ينطبق على حسني مبارك والقذافي والرئيس اليمني علي عبد الله صالح وشاه ايران والسادات وكل جبار عنيد ممن نظر الى نفسه كما نظر فرعون ثم يأتى الوقت الذى يتحول فيه هذا الطاغية المتجبر الى فأر مذعور يستجدى الحماية من كلاب حراسته ولا يقدرون او ممن خدمهم وما بريدون.
الخزى فى الآخرة:
1-      هو مرتبط بالعذاب الخالد الأبدى ، فإذا كان خزى الدنيا يأتى عرضا مؤقتا فى مرحلة من العمر فى حياة دنيا زائلة فالخزى فى الآخرة خالد مخلد ، لا يمكن تصوره بزمننا الدنيوى المتحرك المؤقت الزائل.
2-      من هنا يدعو خليل الله ابراهيم عليه السلام رب العزة قائلا: (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) ( الشعراء 87 ) وعلى نفس النسق يدعو كل مؤمن تقى يخشى الخزى فى الآخرة لأن من يدخل النار فقد حقّ عليه الخزى الأبدى : (رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) ( آل عمران 192)، (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (البقرة 194). والله جل وعلا يعظ المؤمنين بالتوبة طلبا لأن يلحقوا بخاتم النبيين محمد عليه السلام والفائزين من المؤمنين معه حيث لا خزى بل تكريم ونعيم ، وهذا هو ما ينتظر التائبين المؤمنين: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( التحريم 8 ).
3-      أما الكافرون الذين يموتون بلا توبة معاندين محاربين لله جل وعلا ورسوله وكتابه فإن رب العزة يقول عنهم ( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ) ( التوبة 63 ). فالخزى العظيم الهائل هو فى الآخرة.
4-      ويقع الخزى عليهم بمجرد البعث والحساب ، أى قبل دخولهم النار ، فالله جل وعلا حين يستجوبهم يحلّ بهم الخزى والعار والمهانة وتكون تلك هى إجابتهم عن سؤال رب العزة ، وهنا هم لا يتكلمون ولا ينطقون من الخزى ، بل يصف حالهم المؤمنون ، وهذا معنى قوله جل وعلا :(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ) (النحل 27 )
فهل يتعظ بهذه الآيات الكريمة دعاة الانحلال وعابدوا الديمقراطية ودعاة المدنية الذين يجاهرون بمحاربة الله ورسوله وكل من يقول ربي الله بل ولا يكتفون بهذا بل يصفونهم بالارهابيين ويصفون الاسلام بانه دين الإرهاب، فهل يتوبون قبل فوات الأوان ؟ أم هل ينتظرون الى أن يحل بهم الخزى فى الدنيا والخزى العظيم فى الآخرة؟
إن الفكرة التي احاول ايصالها: اننا نحن الذين نختار مصيرنا ، فلا يمكن لنا أن نهرب من الله جل وعلا. واليوم الآخر ينتظرنا جميعا ولا يمكن لأحد أن يفرّ منه ، واختيارنا فى الدنيا بين الايمان والكفر، او الطاعة والمعصية سنحاسب عليها يوم الدين، فان كنا لم نختر امهاتنا ولا نملك ان نعلم متى سنموت فلنا الخيار كيف نعيش وكيف نموت وقد خاطبنا ربنا عز وجل فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) آل عمران، فلا نلوم الا انفسنا ولا يحق لنا ان نلوم غيرنا لما فعلناه نحن، ومن امثلة العرب على ذلك (يداك أوكتا وفوك نفخ) وُيضرب هذا المثَلُ لِمَن كان سبب هلاكه مِنْه. أَوْكَتا: من الإِيكاء، وهو شَدُّ رأس السقاء بحبل ونحوه، ومنه حديث اللُّقَطة، وفيه: ((اعرف وِكاءَها))، وهو الخيط الذي تشدُّ به الصُّرَّة. ونَفَخ: من النفخ، وهو إخراج الهواء من الفم. وأصل المثل - فيما يَذكرون -: أنَّ قومًا كانوا في جزيرة من جزائر البحر في الدَّهر الأول، وكان دُونَها خليجٌ من البحر، فأتى قومٌ يريدون أن يَعبروا إليهم، فلم يَجدوا معْبرًا، فجعلوا ينفخون أسقيتهم، ثم يَعْبرون عليها، وكان معهم رجلٌ عَمدَ إلى سِقائه، فأقَلَّ النفخ فيه، وأضْعَفَ الإيكاء والربْطَ له، فلما توسَّط الماء جعلَتِ الرِّيح تخرج حتى لم يَبق في السِّقاء شيء، وأوشك على الغرق وغَشِيه الموت. فنادَى رجلاً مِن أصحابه: أن يا فلان، إني قد هلكت فقال: ما ذنبي؟ "يداك أَوْكَتا وفوك نفَخ" فذهب قولُه مثلاً.
فلا يتحمل مسؤولية اخطائنا غيرنا ،ونحن من سيدفع الثمن، وقد روى الديلمى عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن في جهنم أرحية تدور بالعلماء فيشرف عليهم من كان عرفهم في الدنيا فيقولون: ما صيركم إلى هذا وإنما كنا نتعلم منكم؟ فيقولون: إنا كنا نأمركم بأمر ونخالفكم إلى غيره" ونسأل الله المغفرة والعفو.



حديث رمضان 15
جواد عبد المحسن




إرسال تعليق

0 تعليقات