ومن يسلم وجهه الى الله وهو محسن



ومن يسلم وجهه الى الله وهو محسن

ومعنى { يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله . . } [ لقمان : 22 ] أخلص وجهه في عبادته لله وحده ، وبذلك يكون في معية الله ، ومَنْ كان في معية ربه فلا يجرؤ الشيطان على غوايته ، ولا يُضيع وقته معه ، إنما ينصرف عنه إلى غافل يستطيع الدخول إليه ، فالذي ينجيك من الشيطان أن تُسلم وجهك لله .
وقد ضربنا لذلك مثلاً بالولد الصغير حينما يسير في صحبة أبيه فلا يجرؤ أحد من الصبيان أن يعتدي عليه ، أما إنْ سار بمفرده فهو عُرْضة لذلك ، لا يَسْلم منه بحال ، كذلك العبد إنِ انفلتَ من يد الله ومعيته .
وهذا المعنى ورد أيضاً في قوله سبحانه : { بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ . . . } [ البقرة : 112 ] وهنا قال { إِلَى الله . . . } [ لقمان : 22 ] فما الفرق بين حرفي الجر : إلى ، اللام؟
استعمال ( إلى ) تدل على أن الله تعالى هو الغاية ، والغاية لا بُدَّ لها من طريق للهداية يُوصِّل إليها . أمَّا ( اللام ) فتعني الوَصْل لله مباشرة دون قطع طريق ، وهذا الوصول المباشر لا يكون إلا بدرجة عالية من الإخلاص لله ,وسألت الدكتور حاتم جلال عن هاتين الآيتين فقال في قوله تعالى { بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ . . . } [ البقرة : 112 ] ان اللآم للغاية وانك اسلمت وجهك من البداية (ل)غاية نيل رضوانه ,وفي الآية الاخرى فقوله تعالى : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله . . } [ لقمان : 22 ] يعني : أنك على الطريق الموصِّل إلى الله تعالى ، وأنك تؤدي ما افترضته عليك ربك من البداية الى النهاية وتستغرق الطاعة كل حياتك ,فهناك والعياذ بالله من يسير سنة او اكثر في طريق طاعة الله ثم يتنكب او يتعثر او يغويه ابليس فتختلف بدايته عن نهايته ونسال الله الثبات على الحق والوفاة عليه.
ومن إسلام الوجه لله قَوْل ملكة سبأ : { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العالمين } [ النمل : 44 ] الكلام هنا كلام ملكة ، فلم تقل : أسلمتُ لسليمان ، لكن مع سليمان لله ، فلا غضاضة إذن .
وإسلام الوجه لله ، أو إخلاص العمل لله تعالى عملية دقيقة تحتاج من العبد إلى قدر كبير من المجاهدة؛ لأن النفس لا تخلو من هفوة ، وكثيراً ما يبدأ الإنسان العمل مخلصاً لله ، لكن سرعان ما تتدخل النفس بما لها من حب الصِّيت والسمعة ، فيخالط العملَ شيء من الرياء ولو كان يسيراً .
ويقول الشعراوي في هذه الفكرة (الإشراك مع الله إلهاً آخر، إنما أشركوا مع الله نية أخرى، فالإشراك هنا بمعنى الرياء، والنظر إلى الناس لا إلى الله.
لذلك يقولون: العمل من أجل الناس رياء، وترْك العمل من أجل الناس شرك، فالذي يصلي أو يبني لله مسجداً للشهرة، وليحمده الناس فهو مُراءٍ، وهو خائب خاسر؛ لأن الناس انتفعوا بعمله ولم يُحصِّل هو من عمله شيئاً.
أما مَنْ يترك العمل خوفاً من الوقوع في الرياء، فيمتنع عن الزكاة مثلاً، خَوْفَ أن يُتَّهم بالرياء، فهو والعياذ بالله مشرك، لأن الناس ينتفعون بالعمل حتى وإنْ كان رياءً، لكن إنِ امتنعتَ عن العمل فلا ينتفع الناس منك بشيء.
فالمعنى: {وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين} [الروم: 31] أي: الشرك الخفي وهو الرياء؛ لذلك رأينا سيدنا رسول الله وهو الأسوة للأمة الإيمانية يدعو ربه ويقول «اللهم إنِّي أستغفرك من كل عمل أردتُ به وجهك فخالطني فيه ما ليس لك» .مرفوع عن ابن عمر.
لذلك؛ فإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمل عنا هذه المسألة ويطمئن المسلم على عمله ، فيقول في دعائه : « اللهم إني أستغفرك من كل عمل أردتُ به وجهك ، فخالطني فيه ما ليس لك » .
والنبي صلى الله عليه وسلم ليس مظنة ذلك ، لكن الحق سبحانه علَّمه أن يتحمل عن أمته كما تحمَّل الله عنه في قوله تعالى : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ . . . } [ الأنعام : 33 ] أي : أنك أسمى عندهم من أن تكون كاذباً .      { ولكن الظالمين بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : 33 ]

جواد عبد المحسن
حديث رمضان 17

إرسال تعليق

0 تعليقات