الزعم



الزعم

الزَّعْمُ :القولُ الباطلُ، وأكثرُ ما يُقالُ فيما يُشَكُّ فيه؛ فلا تَستعمِلْهُ فيما تَسْتَيقِن، يُؤيِّد هذا المذهب أنّه:
أ‌- لم يأت في القرآن إلاّ في محلِّ الذَّمِّ، كما نبّه عليه المُناوي في التّوقيف على مهمّات التّعاريف والرّاغب في مفرداته والعلاّمة بكر أبو زيد في معجم المناهي اللّفظيّة  والألبانيّ في الصّحيحة (2 /523 - 524).
ب‌- ما درج عليه جمهور العرب في كلامهم نظمًا ونثرًا.
ت‌- ما ثبت بالنّقل الصّحيح عن علماء العربيّة، وعُدول نقلة اللّغة.
ومن هذا الأخير:
• ما حكاه الزّبيدي في تاج العروس (32 /312) وغيره عن اللّيث قوله: " سمعت أهل العربيّة يقولون: إذا قيل: ذكر فلانٌ كذا وكذا فإنّما يقال ذلك لأمر يُستيقن أنّه حقٌّ، وإذا شُكَّ فيه فلم يُدْرَ لعلّه كذبٌ أو باطلٌ قيل: زعم ".
• ثمّ أورد نقلا آخر عن ابن خالويه هذا نصُّه: قال ابن خالويه: الزّعمُ يُستعملُ فيما يُذَمُّ كقوله تعالى: ﴿ زَعَمَ الّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ... ﴾ حتّى قال بعضُ المفسّرين: الزّعمُ أصلُه (الكَذِبُ) ...".، لنستعرضْ الآنَ بعضَ منظوم كلام العرب في هذا المقام:

• قال جرير:
السيف أصدق إنباء من الكتب  في حده الحد بين الجد واللعب
• قال عويف القوافي:
سأُكْذِبُ مَن قد قالَ يزعُمُ أنّني    إذا قلتُ قولاً لا أُجيدُ القوافيا
• قال الشّاعر
زعمَ ابنُ سَيِّئةِ البنانِ بأَنَّني       لَذِمٌ لآخُذَ أَرْبَعاً بالأَشْقَرِ
قال أبو أُميّة الحنفيّ:
زَعَمَتْني شيخاً ولستُ بشيخٍ      إنّما الشّيخُ مَن يَدِبُّ دَبيبا

قال ابن شريح : لكل شيئ كنية و كنية الكذب : زعموا .وقال ابن عطية : لا يوجد ( زعم ) مستعملة في فصيح الكلام الا عبارةعن الكذب او قول انفرد به قائله ، وتبقى عهدته على الزاعم . ففي ذلك ما ينحو إلى تضعيف الزاعم، قال ابن الجوزي في تفسيره : كان ابن عمر يقول: (( زعموا مطية الكذب )) .
قالت أمة الله النجدية :والزعم هوالقول الذي لا يملك صاحبه له إثباتاً.
قال تعالى:{أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً }الإسراء92 أي كما أخبرتَ .
في قوله تعالى: { ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ( 7 ) فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير ( 8 ) يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ( 9 ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ( 10 ) التغابن
يقول تعالى مخبرا عن المشركين والكفار والملحدين أنهم يزعمون أنهم لا يبعثون : ( قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم ) أي : لتخبرن بجميع أعمالكم ، جليلها وحقيرها ، صغيرها وكبيرها ، ( وذلك على الله يسير ) أي : بعثكم ومجازاتكم .
وهذه هي الآية الثالثة التي أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقسم بربه ، عز وجل ، على وقوع المعاد ووجوده فالأولى في سورة يونس : ( ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين ) [ يونس : 53 ] والثانية في سورة سبإ : ( وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم ) الآية [ سبإ : 3 ] والثالثة هي هذه [ ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ]
ثم قال تعالى : ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ) يعني : القرآن ، ( والله بما تعملون خبير ) أي : فلا تخفى عليه من أعمالكم خافية .
وقوله : ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ) وهو يوم القيامة ، سمي بذلك لأنه يجمع فيه الأولون والآخرون في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، كما قال تعالى : ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) [ هود : 103 ] وقال تعالى : ( قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ) [ الواقعة : 49 ، 50 ]
وقوله : ( ذلك يوم التغابن ) قال ابن عباس : هو اسم من أسماء يوم القيامة . وذلك أن أهل الجنة يغبنون أهل النار . وكذا قال قتادة ، ومجاهد .
وقال مقاتل بن حيان : لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة ، ويذهب بأولئك إلى النار .
يقول سيد قطب رحمه الله { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - وقد أمروا أن يكفروا به - ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً } . .
ألم تر إلى هذا العجب العاجب . . قوم . . يزعمون . . الإيمان . ثم يهدمون هذا الزعم في آن؟! قوم { يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } . ثم لا يتحاكمون إلى ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك؟ إنما يريدون أن يتحاكموا إلى شيء آخر ، وإلى منهج آخر ، وإلى حكم آخر . . يريدون أن يتحاكموا إلى . . الطاغوت . . الذي لا يستمد مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . ولا ضابط له ولا ميزان ، مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . . ومن ثم فهو . . طاغوت . . طاغوت بادعائه خاصية من خواص الألوهية . وطاغوت بأنه لا يقف عند ميزان مضبوط أيضاً! وهم لا يفعلون هذا عن جهل ، ولا عن ظن . . إنما هم يعلمون يقيناً ويعرفون تماماً ، أن هذا الطاغوت محرم التحاكم إليه : { وقد أمروا أن يكفروا به } . . فليس في الأمر جهالة ولا ظن . بل هو العمد والقصد . ومن ثم لا يستقيم ذلك الزعم . زعم أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك! إنما هو الشيطان الذي يريد بهم الضلال الذي لا يرجى منه مآب
{ ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً } . .
فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت . وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إلى الخروج من حد الإيمان وشرطه بإرادتهم التحاكم إلى الطاغوت! هذا هو الدافع يكشفه لهم . لعلهم يتنبهون فيرجعوا . ويكشفه للجماعة المسلمة ، لتعرف من يحرك هؤلاء ويقف وراءهم كذلك .
ويمضي السياق في وصف حالهم إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله إلى الرسول وما أنزل من قبله . . ذلك الذي يزعمون أنهم آمنوا به :
{ وإذا قيل لهم : تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ، رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً } .
يا سبحان الله! إن النفاق يأبى إلا أن يكشف نفسه! ويأبى إلا أن يناقض بديهيات المنطق الفطري . . وإلا ما كان نفاقاً . .
إن المقتضى الفطري البديهي للإيمان ، أن يتحاكم الإنسان إلى ما آمن به ، وإلى من آمن به . فإذا زعم أنه آمن بالله وما أنزل ، وبالرسول وما أنزل إليه . ثم دعي إلى هذا الذي آمن ، به ليتحاكم إلى أمره وشرعه ومنهجه؛ كانت التلبية الكاملة هي البديهية الفطرية . فأما حين يصد ويأبى فهو يخالف البديهية الفطرية . ويكشف عن النفاق . وينبئ عن كذب الزعم الذي زعمه من الإيمان!
وإلى هذه البديهية الفطرية يحاكم الله - سبحانه - أولئك الذين يزعمون الإيمان بالله ورسوله . ثم لا يتحاكمون إلى منهج الله ورسوله . بل يصدون عن ذلك المنهج حين يدعون إليه صدوداً!
ثم يعرض مظهراً من مظاهر النفاق في سلوكهم؛ حين يقعون في ورطة أو كارثة بسبب عدم تلبيتهم للدعوة إلى ما أنزل الله وإلى الرسول؛ أو بسبب ميلهم إلى التحاكم إلى الطاغوت .


جواد عبد المحسن
حديث رمضان 17

إرسال تعليق

0 تعليقات