السابقون الأولون




السابقون الأولون

الاخوة الكرام تناقشت اليوم مع اخ كريم حول فكرة مهمة واحببت ان اشرككم معي لتعم النعمة علينا جميعا .
في قول الله عز وجل: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتَّبعوهم بإحسان، رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار، خالدين فيها أبداً، ذلك الفوز العظيم} [التوبة:100].
تتحدث الآية عن فئات المجتمع الإسلامي :القسم الأول: هم (السابقون الأولون)، وهؤلاء فئتان: الأولى: المهاجرون، والثانية: الأنصار والقسم الثاني: هم (الذين اتبعوهم بإحسان). وهذا القسمان المباركان: {رضي الله عنهم ورضوا عنه}.
من هم السابقون الأولون :المراد بالسابقين: السبق التاريخي، ولذلك وصفوا بأنهم {الأولون}، وهي أولية زمانية. ولم تُبْقِ الآية هؤلاء السابقين الأولين في إبهام، وإنما بينت أنهم مؤلفون من المهاجرين والأنصار. و{من} في {من المهاجرين والأنصار}: حرف جر، وهو بمعنى البيان؛ فكل المهاجرين وكل الأنصار من السابقين الأولين.
و{المهاجرون}: هم الصحابة الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، والصحابة الذين هاجروا من مختلف مناطق سكناهم إلى المدينة و{الأنصار}: هم الذين نصروا إخوانهم المهاجرين، واستقبلوهم في المدينة، وفتحوا لهم قلوبهم وبيوتهم، وهم الأوس والخزرج، وغيرهم من سكان المدينة وما حولها.
وإذا كانت الآية حصرت السابقين الأولين من هذه الأمة الحية الممتدة بالمهاجرين والأنصار، فقد أبقت الباب مفتوحاً لأجيال الأمة المتلاحقة، ليكونوا ضمن القسم الثاني، وهم: {الذين اتبعوهم بإحسان}.
قال عمر بن الخطاب لأبي بن كعب رضي الله عنهما حول هذه الآية: لقد رُفعنا نحن المهاجرون والأنصار إلى مكانة لا يبلغها أحد بعدنا!. فقال أبي بن كعب رضي الله عنه: نعم. ومصداق ذلك قوله تعالى في سورة الأنفال: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} [الأنفال:75]. وقوله تعالى في سورة الحشر: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [الحشر:10]. وقوله تعالى في سورة الجمعة: {وآخرين منهم لَمّا يلحقوا بهم} [الجمعة:3].
من هم التابعون لهم بإحسان :{الذين اتبعوهم بإحسان}: تمتد لتشمل مختلف قرون وأجيال المسلمين، من جيل التابعين إلى هذا الجيل المعاصر الذي نحن جزء منه ونسال الله ان نكون منهم، وتبقى ممتدة لتشمل الأجيال اللاحقة القادمة، حتى قيام الساعة؛ فكل المسلمين الصالحين من زمن التابعين حتى قيام الساعة هم {الذين اتبعوهم بإحسان}.
وتصف الجملة هاتين الآيتين بعد السابقين من الصحابة بصفتين أساسيتين: الصفة الأولى: {اتبعوهم}؛ أي: اتبعوا السابقين الأولين؛ ولهذا وصفوا بالتابعين. والاتباع بمعنى المتابعة، والمتابعة هي الاقتداء، أي إن الأجيال اللاحقة من الأمة المسلمة هي متابعة لجيل الصحابة الفريد، ومقتدية بهم، وسائرة على طريقهم. ولذلك أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالصحابة والالتزام بسنتهم، حيث قال: "فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجد".
والصفة الثانية: {بإحسان}؛ أي: هؤلاء التابعون محسنون. والباء في {بإحسان} للمصاحبة؛ أي: اتباعهم للسابقين الأولين بإحسان؛ أي: هم محسنون في حياتهم وأعمالهم، محسنون في عباداتهم وطاعاتهم، محسنون في متابعتهم واقتدائهم بالسابقين الأولين. والإحسان هو الإتقان والإجادة والإبداع، في الحياة والعبادة، والمتابعة والاقتداء. {رضي الله عنهم ورضوا عنه}
أخبر الله أن حياة قسمي الأمة المباركة -السابقين والتابعين- تقوم على (الرضى المتبادل)؛ فالله رضي عنهم أولاً، وهم رضوا عنه بعد ذلك. وبهذا الرضى المتبادل عاشوا حياتهم في الدنيا سعداء، وأمضوا أعمارهم في الاستمتاع بمحبة الله والرضى عنه، وحسن عبادته وطاعته، ونصرة دينه ومواجهة أعدائه.
والرضى: هو القبول. تقول: رضي الرجل عن فعل صاحبه. أي: قَبِلَ فعلَه، ولم ينكره عليه.
وما أجمل قول الإمام الراغب الأصفهاني في الرضى المتبادل بينهم وبين الله: "رضى العبدِ عن الله: أن لا يكره ما يجري به قضاؤه. ورضى الله عن العبد: أن يراه مؤتِمراً لأمره، ومنتهياً عن نهيه" [المفردات:356].
ولنقرأ هذه الآيات التي تحدثت عن ذلك الرضى المتبادل بين الله سبحانه وبين هؤلاء الصالحين: {قال الله هذا يومُ ينفع الصادقين صدقُهم، لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك الفوز العظيم} [المائدة:119].
وقوله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون} [المجادلة:22] وقوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية . جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه} [البينة: 7-8]. وقد بدأت الجملة المباركة في الآيات برضى الله عنهم، وقدمت رضاه عنهم سبحانه على رضاهم عنه: {رضي الله عنهم ورضوا عنه}؛ لأن رضاه عنهم هو الأساس والتمهيد لرضاهم عنه.
معنى الرضى المتبادل :ان معنى هذا الرضى المتبادل بين هؤلاء السعداء وبين الله إنه الاختيار والقبول ,رضي الله عنهم -أولاً-: بأن اختارهم لعبادته، وقبلهم لولايته، واصطفاهم من بين خلقه، وفضّلهم على الآخرين، وجعلهم أهلاً لعبادته وطاعته ومناجاته وهذا الاختيار والقبول والاصطفاء فضل عظيم من الله تفضل به عليهم.
فأن يختارك ويصطفيك، ويقبلك من بين الآخرين، ويوجه لك أوامره وأحكامه، ويوفقك لعبادته ومناجاته.. إن الله لم ييسرك إلى ما أنت فيه من العبادة والطاعة إلا لأنه يحبك أولاً، ويرضى عنك ثانياً. فاشكر الله على هذا الاختيار والاصطفاء,ورحم الله رابعة العدوية:

فليتك تحلو والحياة مريرة
 
وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر
 
وبيني وبين العالمين خراب

إذا صحَّ منك الودُّ فالكلُّ هيِّن
 
وكلُّ الذي فوق التراب تراب

ورضوا هم عنه: بأن رضوا به ربّاً سبحانه، وقبلوا كل ما قضاه عليهم وقدَّره لهم من خير أو شر.. رضوا بما رضيه لهم، وقبلوا بما اختاره لهم؛ لأنهم يوقنون أنه أدرى بمصلحتهم منهم، وأرحم بهم من أنفسهم؛ فصبروا على ما قضاه لهم من خير، وشكروه على ما منحهم من خير؛ فكانوا فرحين شاكرين عند الرخاء، وكانوا صابرين راضين عند البلاء، لم يسخطوا على قَدَرِهِ، ولم يعترضوا على قضائه، ولم يشكوه سبحانه إلى خلقه.
وصدق الله العظيم{يا أيتها النفس المطمئنة . ارجعي إلى ربك راضية مرضية . فادخلي في عبادي . وادخلي جنتي} [الفجر: 27-30].

كتاب حديث رمضان 17
جواد عبد المحسن


إرسال تعليق

0 تعليقات