الأمة الإسلامية لن تبادَ أبدًا

 


الأمة الإسلامية لن تبادَ أبدًا

إن المتتبع لأحداث التاريخ، يجد أن هناك أممًا عريقة، عاشت قرونًا من الزمان، ودانت لها كثير من الشعوب والبلدان، ثم هوت وسقطت وانهارت وصارت نسيًا منسيًا، ولن تجد لها أثرًا إلا في سطور التاريخ وبطون الكتب. وهي كثيرة نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر.

فالدولة الفارسية، كانت إمبراطورية عظيمة استمرت منذ 559 ق.م. إلى أن سقطت في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 644م، أي أنها استمرت زهاء ألف ومئتي عام، وقد شمل سلطانها، بالإضافة إلى إيران، كلًا من بلاد ما وراء النهر، والعراق والشام ومصر واليمن، وبعد سقوطها لم نسمع بأن أحدًا فكر في إعادتها إلى الوجود مرة أخرى.

وكذا الدولة الرومانية؛ الغربية منها أو الشرقية (بيزنطة)، تلك التي عاشت أكثر من ألف سنة، امتدت في كثير من البلاد الأوروبية والآسيوية والأفريقية، قد كانت الدولة الأولى ولقرون عدة، وقد دخلت مع الدولة الإسلامية في مراحلها المختلفة في حروب كثيرة ثم هوت وسقطت، على يد القائد البطل محمد الفاتح وإلى الأبد. وأيضًا لم نقرأ في التاريخ أن أحدًا يسعى إلى إعادة الدولة الرومانية.

وكذا الإمبراطورية البرتغالية، التي سادت على مدى ستة قرون، غطت خلالها مساحة واسعة، تشكل الآن أراضي ستين دولة من الدول المستقلة القائمة في عالمنا اليوم، وقد كانت الدولة الرائدة في الاستعمار، وإليها تنسب الكشوفات في أفريقيا، ولها سجال مع الدولة العثمانية خاصة في شمال غرب أفريقيا. ومن بعد كل هذا المجد الذي وصلت إليه البرتغال، ها هي تتقزم إلى دويلة لا تزيد مساحتها عن 92 ألف كلم مربعًا، ولا يتعدى عدد سكانها العشرة مليون نسمة، وانحصر فكرهم في كيف يأكلون ويشربون، وكيف يحافظون على حدود دولتهم القومية.

وكذلك الإمبراطورية الإسبانية، والتي عدّها البعض الدولة الأولى في العالم، في القرن الثامن عشر الميلادي، وقد دخلت في صراعات عدة مع الدولة الإسلامية، وسيطرت على أجزاء من الشمال الأفريقي، وكانت لها سطوة في سائر البلاد الأوروبية، وقد امتدت سيطرتها ونفوذها حتى أميركا الجنوبية.. والآن لا نسمع عنها إلا في ميادين ملاعب كرة القدم ومصارعة الثيران، بل هي الآن تسير في طريق التشظي، وما محاولة انفصال إقليم كتالونيا عنا ببعيد.

والاتحاد السوفياتي الذي كان الدولة الثانية في العالم، والذي كان ينافس أميركا على مركز الدولة الأولى لعشرات السنين، قد صار أثرًا بعد عين بين عشية وضحاها.

والإمبراطورية البريطانية، وما أدراكم ما هي، وكانت تسمى بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، قد امتد نفوذها إلى بلاد العالم أجمع، وسيطرت سيطرة تامة على كثير من البلدان، في أفريقيا، وآسيا، وأستراليا، وأوروبا، حتى بلغ القارة الأميركية، جنوبها وشمالها، قد أصابها ما أصاب غيرها من الوهن والضعف، ولم يبقَ لها من النفوذ الدولي إلا التشبث بأظفارها في السياسة الدولية، وهي الأخرى مهددة بالانقسام من قبل كل من أسكتلندا وأيرلندا الشمالية، اللتين تتحينان الفرص لتعلنا عن انفصالهما. وغيرها الكثير من الدول التي سادت ثم بادت.

أما المتابع للتاريخ الإسلامي، فإنه يجد أن مقولة (سادت ثم بادت)، لا تنطبق على الدولة الإسلامية، فإن الدولة الإسلامية التي ولدت على يد الرسول صلى الله عليه وسلم قد ولدت قوية، وصارت هذه القوة في تصاعد طيلة الخلافة الراشدة، وتوسعت أيام الأمويين، حتى صارت الدولة الأولى في العالم بلا منازع. ثم استمرت زمن الخلافة الأموية والعباسية ردحًا من الزمان بالقوة نفسها، وبالزخم نفسه. ثم تسرب إليها الضعف حينًا، فاستولى عليها البويهيون، إلى أن قيّض الله لها السلاجقة، فأعادوا لها مجدها وهيبتها، ووقفت في وجه الصليبيين ردحًا من الزمن، إلى أن انتابها الضعف فتراجعت في وجه الحملة الصليبية؛ التي اكتسحت بلاد الشام، وأقامت عدة إمارات نصرانية في قلب العالم الإسلامي، وزحفوا إلى فلسطين حتى استولوا على بيت المقدس، ولأكثر من ثمانية عقود، فهب عماد الدين زنكي، ومن بعده محمود زنكي، فبعثوا الروح في دولة الخلافة من جديد، وشرعوا في حروب ضارية ضد الصليبيين، وأخرجوهم من بلاد الشام… إلى أن جاء صلاح الدين الأيوبي، فتوَّج تلك الانتصارات بطردهم من آخر معاقلهم ببيت المقدس.

إنَّ الناظر إلي بلاد المسلمين يجد أنَّ كثيرًا من أبناء المسلمين قد أصابهم الإحباط من واقع المسلمين، ويأسوا من أن تقوم لأمة الإسلام قائمة من جديد، وكثير من أبناء المسلمين يعتقدون أن سيادة المسلمين للعالم كانت تاريخًا مضى، وأن المستقبل قد يكون للشرق أو للغرب، وأكثر هذه الطائفة تفاؤلًا يعتقد أنه لو كان الإسلام سيعود من جديد لصدارة الأمم، فإن هذا لن يكون إلا بعد عمر مديد، وأجل بعيد، لا نراه نحن ولا أبناؤنا، ولا حتى أحفادنا. 

إنه لمن العجب حقًا أن تحبط أمة تملك كتابًا مثل القرآن، وحديثًا مثل حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وإنه لمن العجب حقًا أنْ ييأس شعب له تاريخ مثل تاريخ المسلمين، وله رجال أمثال رجال المسلمين.. وإنه لمن العجب حقًا أن يقنط قوم يملكون مقدرات كمقدرات المسلمين، وكنوزًا مثل كنوز المسلمين. عجيب حقًا أن تقنط هذه الأمة وقد قال ربها في كتابه: )قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ( (الحجر: 56).. لكنها حقيقة مشاهدة، وواقع لا يُنكر، والواقع أن غياب الأمل، وضياع الحلم، وانحطاط الهدف، كارثة مروعة حلّتْ على المسلمين، ومصيبة مهولة لا يرجى في وجودها نجاة، لابد أن الذي زرع اليأس في قلوب بعض المسلمين أمر تعاظم في النفوس الواهنة، وحدث أكبرته القلوب الضعيفة، فخضعت خضوعًا مذلًا حين كان يرجى لها الانتفاض، وركعت ركوعاً مخزيًا حين كان يرجى لها القيام.

أما لماذا صرنا إلى هذا الوضع فهذا يرجع إلى عوامل عديدة، وتراكمات مختلفة، نستطيع أن نقسمها إلى قسمين كبيرين: القسم الأول هو واقع صنعه المسلمون بأيديهم لـمّا فرطوا في دين الله، وابتعدوا عن منهج الله، واستهانوا - وأحيانًا تحالفوا !!- بأعداء الله.

 أما القسم الثاني فهو مؤامرة بشعة، نسجت خيوطها على مدار أعوام طويلة، وتعاون على التخطيط لها طوائف مختلفة من أعداء الأمة.

والمؤامرة على الإسلام قديمة جدًا وطويلة جدًا وذات أبعاد كثيرة، ولكن أهم أبعاد هذه المؤامرة هو البعد الفكري منها، لقد دأبت طوائف شتى من أعداء الأمة على العمل على انحراف أفكار الأمة عن الفكر الإسلامي الصحيح، ومن ثم تفقد الأمة المقياس السليم للحكم على الأمور، وكان أحد الأهداف الواضحة والمحددة لهذه المؤامرة هو زرع بذور اليأس في قلوب المسلمين، وإقناعهم باستحالة النهوض من هذه الكبوة التي وقعوا فيها. 

لقد اشترك في هذه المؤامرة الكثيرون: منهم:

1- المستشرقون: وهم طائفة من العلماء الأوربيين الذين جاءوا يتعلمون الإسلام ويدرسون منهجه، لا ليهتدوا بهداه، ولكن ليطعنوا فيه، وليلبسوا على المسلمين دينهم.. وانتشرت كتبهم، وعمت أفكارهم، وتبعهم طائفة من أبناء المسلمين الذين فتنوا بالغرب، واستغل الغرب الفرصة، ومدوا إليهم أيديهم بالسوء، ودسوا في عقولهم أفكارهم، ثم أعادوهم إلى أوطانهم.. يحبطون أبناء جلدتهم، ويشككونهم في دينهم، ويقنطونهم من القيام إلا بإتباع الغرب.


2- المستعمرون: اشترك أيضا في مؤامرة الإحباط المستعمرون الذين جثموا على صدور الأمة عشرات السنين، أذاقوها من العذاب ألوانًا.. في مصر وفلسطين وسوريا ولبنان وليبيا والجزائر وتونس والمغرب واليمن والسودان والعراق والكويت وفي كل بلاد المسلمين.

 

3- السلبيون من المسلمين اوالمضبوعون  : وهي طائفة كبيرة قد تدرك الحق لكنها لا تعمل له، وقد تعرف المعروف ولكنها لا تأمر به، وقد ترى المنكر ولكنها لا تنهى عنه.. إنهم ينتظرون إما حلًا من السماء، أو من غيرهم من أهل الأرض!!، ليس لهم عمل إلا الانتقاص من غيرهم، ونقد العاملين الحاملين للواء هذا الدين، إضافة إلى ذلك أنهم كذبوا وزورا التاريخ، وشوهوا الواقع وعظموا من قيمة الغرب، حتى لا يبقي أمامنا خيار إلا الإتباع الذليل، والتقليد الأعمى.. عظموا سلاح الغرب، ومدنية الغرب، وأخلاق الغرب، وعقل الغرب، وأدب الغرب، وفن الغرب، بل وعظموا لغة الغرب.. حتى افتتن المسلمون.. لقد أدى هذا كله إلى فقد الطموح عند الشباب، وضعف الهمم، وهوان العزم، فيصبح أمل الشاب المسلم في الحياة أن يلقي بوطنه وأهله وراء ظهره، وينطلق إلى بلاد الغرب.. إلى أمريكا وأوروبا، ليعيش في جنة الله في أرضه كما يزعمون !!.
وهكذا نتيجة هذه الجرائم والمؤامرات وغيرها أحبط كثير من المسلمين إحباطًا شديدًا، ورضخوا للواقع، وقنعوا بالسير في ذيل الحضارة الغربية. 

الحقائق المبشرة التي تؤكد حتمية عودة هذه الأمة لصدارة العالمين

لقد حفل القرآن العظيم والحديث الشريف بالعشرات - بل المئات - من الحقائق المبشرة التي تؤكد حتمية عودة هذه الأمة لصدارة العالمين.. هذا أمر لا ينكره من يدرك طبيعة هذا الدين، وطبيعة هذه الأمة.. ومن هذه الحقائق المبشرة: سُنَّة التداول، فالله سبحانه وتعالى شاء أن يجعل الأيام دولًا بين الناس. قال تعالى:)إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ( (العمران: 140). فكما تعاني أمة المسلمين من القرح اليوم، فقد كان هناك أيام عانى فيها الآخرون من القرح، بينما كانت أمة المسلمين في سلامة وعافية، كل الأمم تسود فترة وتتبع غيرها فترات... كل الأمم تقود زمنا وتنقاد لغيرها أزمانًا... بل إن كل الأمم تعيش مرة وتموت وتندثر وتختفي مرات، إلا أمة واحدة، قد تنقاد لغيرها فتره من الفترات، وقد تتبع غيرها زمانًا من الأزمان، لكنها لا تموت أبدا.... تلك هي أمة الإسلام!! 

أين حضارة الرومان؟!.. لم يبقي منها إلا أطلال وأبنية.

أين حضارة الإغريق؟!.. لم يبقي منها إلا فلسفة فارغة، ومعابد وثنية.

أين حضارة الفرس؟!.. ماتت ولم تترك ميراثًا.

أين حضارة الفراعنة؟!.. بقيت منها جمادات وديار كديار عاد وثمود، وبقيت جثث محنطة وأوراق بالية.

أين التتار وجيوشهم؟!.. لم يبق لهم أثر واحد.

أين إنجلترا الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس؟! 

ومن ثم فلا عجب أن ترى أمة ظالمة قد ارتفعت وتكبرت وتجبرت.. إنها في دورة ارتفاع، ولكنها حتمًا لن تخرج عن سنة الله في أرضه وخلقه.. إن مصيرها حتمًا إلى زوال.. فلن تجد لسنة الله تبديلًا، ولن تجد لسنة الله تحويلًا. 

ومن هذه الحقائق المبشرة بقاء أمة الإسلام، فإذا كان من سنة الله أن كل الأمم تموت وتندثر، فإن من سننه كذلك أن أمة الإسلام لها طبيعة مغايرة.. إنها ما سقطت إلا وكان لها بعد السقوط قيام، وما ضعفت إلا وكان لها بعد الضعف قوة، وما ذُلت إلا وكان لها بعد الذل عزة!!.
لأن طبيعة أمة الإسلام أنها أمة شاهدة على غيرها من الأمم
)وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا((البقرة: 143). فنحن باقون ما دامت الحياة، وغيرنا لا شك مندثر وذاهب.


ان طبيعة هذه الأمة أنها تحمل الرسالة الخاتمة، والكلمة الأخيرة من الله إلى خلقه، وليس هناك رسول بعد رسولنا صلي الله عليه وسلم، وليست هناك رسالة بعد الإسلام، فلابد وأن يحفظ الله المسلمين لأجل أهل الأرض جميعًا.

هذه هي طبيعة الأمة الإسلامية.. بقاؤها هو خير الأرض، وذهابها فناء الأرض.. إذا كانت هذه هي طبيعة الأمة الإسلامية، فلماذا الإحباط واليأس؟.. والله سبحانه وتعالى يبشرنا في كتابه العزيز بقوله:) وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ( (الروم: 47).. ويقول )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ((النور: 55).. فإذا توفر الإيمان والعمل الصالح والعبادة الخالصة دون الشرك به سبحانه، كان الاستخلاف في الأرض، وكان التمكين للدين، وكان الأمن بعد الخوف.. من الذي وعد بذلك؟ إنه جبار السماوات والأرض، مالك الملك ذو الجلال والإكرام. 

وقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه: "إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا".. نعم، سيبلغ ملك المسلمين مشارق الأرض ومغاربها، بكل ما تحمله الكلمة من معاني...
ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والطبراني وابن حبان وصححه الألباني عن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه سلم
يقول:" ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر". 

هكذا وعد ربنا سبحانه وتعالى بنصر المؤمنين ووعد رسول الله صلى الله عليه سلم بفتح الأرض جميعًا.. فوالله الذي لا إله إلا هو، لا يوجد تاريخ في الأرض مثل تاريخ المسلمين، ولا يوجد دين مثل دين المسلمين، ولا يوجد رجال مثل رجال المسلمين.. وحتى السقطات التي كانت في تاريخ المسلمين اتبعت بقيام أقوى وأشد. 

ولكن النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة يقول الله سبحانه وتعالى تعالى:)حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ((يوسف: 110)، وقد جاء في السيرة النبوية أن أشد لحظات الابتلاء للمؤمنين كانت في غزوة الأحزاب، حيث وصفها ربنا في كتابه فقال: )وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا((الأحزاب: 10، 11) وبعد غزوة الأحزاب كان المسلمون في فتح يتلوه فتح؟.. بعد أشد لحظات المجاهدة، جاءت الحديبية، ثم مكة، ثم الطائف، ثم جزيرة العرب بكاملها.. أمجاد تعقبها أمجاد، وأيام نصر وفرح وتمكين. 

فالنصر يأتي في وقت يعلم الله فيه أن خير المؤمنين أصبح في النصر، والله سبحانه وتعالى يقول: )وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( لقد نزلت بعد الهزيمة غزوة أحد، وذلك ليعلم الله المؤمنين أن العزة والعلو لا يتأثران بهزيمة مرحلية.. وليعلم الله المؤمنين أن الأيام دول، وأن للتاريخ دورات، فلهذا دورة، ولهذا دورة، أما الدورة الأخيرة فللمؤمنين إن شاء الله.

إرسال تعليق

0 تعليقات