الدولة الإسلامية


الدولة الإسلامية
الدَّولةُ : العقبة في المال والحرب...يعني الغلبة.
الدولة في الحرب : أن تدال إحدى الفئتين على الأخرى...يقال كانت لنا عليهم الدولة.
دُوَل : وفي الحديث أشراط الساعة : إذا كان المغنم دُولا ...وهو ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم قول الحق سبحانه وتعالى     ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم).
الدولة : في الملك والسنن...هي التغيير والتبدل والانتقال من حال إلى حال- وهذا المعنى الذي نريد أن نسهب فيه- قول الحق سبحانه وتعالى (إن يمسكم فرح فقد مس القوم فرح مثله...وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمخص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين)...وتلك الأيام نداولها بين الناس...تتغير وتتبدل ولا تبقى على حال من فرح وغم وصحة وسقم وبرودة وحرارة وربيع وخريف...وغنى وفقر وكما قال الشاعر:
                    فيوم لنا ويوم علينا           ويوم نساءُ ويوم نُسرُ
دالت الأيام:...دارت
الأيام دول:وهو لذات الدنيا...وآلامها غير باقيه...وأحوالها غير مستقرة...فالله يميت بعد الاحياء ويسقم بعد الصحة وهو أيضا يبدل السراء بالضراء...والقدرة بالعجز روي أن أبا سفيان صعد الجبل يوم أُحد ثم قال : أين ابن أبي كبشة...اين ابن أبي قحافة...اين ابن الخطاب...فقال عمر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أبو بكر...ها أنا عمر...فقال أبو سفيان يوم بيوم والأيام دول...والحرب سجال فقال عمر... لا سواء بيننا...قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فقال ان كان كما تزعمون فقد جئنا إذن وخسرنا.
الدولة: الغلبة...الأدالة...أدالنا الله من عدونا...اللهم أدلني على فلان...انصرني عليه. وفي حديث وفد ثقيف-ندال عليهم ويدالون علينا-.
وفي حديث الحجاج- يوشكان تدال الأرض منا كما أدلنا منها. يعني قد اقتربت ساعتنا ولسوف تأكل لحومنا كما أكلنا ثمارها وتشرب ماءنا كما شربنا مياهها.
أخذناه بالدول:....بالغلبة...دواليك...مداولة على الأمر.
وتلك الأيام نداولها بين الناس
ورب سائل يسأل ما المقصود بهذا التطويل بتتبع الأصل اللغوي ...فأقول لابد من التوضيح والإبانة في هذا الزمن بالذات حتى لا يتحاذق أحمق ولا يقود جاهل...وإن حصل...فيكون الذي قد حصل لا يدعو لليأس ونحن في قاع الهوة العميقة ننزلق ممن درك إلى درك فهي كما أخبرنا ربنا عز وجل أنها دول فإيماننا بالله عز وجل ونحن في القاع هو نفس الإيمان ونحن في القمة ...فلا يضعف إذا انهزمنا ولا يقوى إذا انتصرنا ... فلا داعي للغرور ونحن في القمة ... ولا داعي لليأس ونحن في القاع.
إن الالتزام بأوامر الله ونواهيه أمر واجب على المنتصر والمهزوم ... فإذا انتصرنا فإن نصرنا يوافق شكر لله وإذا انهزمنا ... فإن هزيمتنا يوافقها صبر .. لأننا نعتقد جازمين بأن الله هو القابض الباسط المعز المذل.
الأيام دول ... لا نتغير بتغيرها ولا نتبدل بتبدلها ... لانغير جلودنا ولا نغير أفكارنا وقناعاتنا تبعاً لتغيرها ...فهي تتغير وتتبدل ونحن مسلمون في الصيف وفي الشتاء ... وفي الحر وفي القر نغير ملابسنا في الصيف والشتاء تبعا للحرارة والرطوبة والربح والخسارة ... ولكنها تبقى هي ... هي طالبة رضوان الله عز وجل.
وتلك الأيام نداولها بين الناس
ليس المراد من هذه المداولة أن الله ينصر المؤمنين تارة ... وأخرى ينصر الكافرين...!!! وذلك لأن نصرة الله منصب شريف وإعزاز عظيم فلا يليق بالكافر ... بل المراد من هذه المداولة أن الله يشدد المحنة على الكفار تارة ... وأخرى على المؤمنين وذلك ل:-
            1.   الله عز وجل لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات ... لحصل العلم اليقيني عند كل الناس بأن الإيمان حق ... وما سواه باطل ولو كان كذلك ... فما مغنى التكليف والثواب والعقاب...؟؟؟فلهذا المعنى –والله أعلى وأعلم- يسلط الله المحنة على أهل الإيمان تارة...وأخرى على أهل الكفر ... فتبقى الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام فالإيمان عن طريق التدبر والتفكر بالعقل في المخلوقات جميعها يوصل بالفطرة السليمة إلى الخالق المدبر.
أما غنى غيري وفقري ورقة حالي أو حال غيري طوله أو قصره أو قوته أو ضعفه ... أو انتصارنا وهزيمتنا فليست طريقا دالة على الصحة والخطأ...أو للتمييز بين الحق والباطل.
            2.    إن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي فيكون تشديد المحنة عليه في الدنيا تأديبا له وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه يكون غضبا من الله عليه ولا يكون عيش الكافر الرغيد دليل على رضى الله عليه كما ان ضيق عيش المؤمن ليس دليلا على سخط الله عليه...فالأيام دول لا يبقى الحال فيها واحداً...
مر زين العابدين رضي الله عنه وهو يركب بغلتته بيهودي يكنس الرفث...فقال اليهودي لزين العابدين قف فوقف فقال له .... تقولون أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر... فكيف يكون ذلك وأنت في هذا النعيم وأنا في هذا الذل ... فقال له رضي الله عنه ... نعم إن ما أنا فيه سجن إذا قورن بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وأنت في جنة اذا قارنت ذلك بنار الآخرة وجحيمها.
            3.   ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) متعلق بمضمر قبله أو بعده على تقدير-فعلنا هذه المداولة – وتلك ا؟لأيام نداولها بين الناس لأمور منها-ليتخذ منكم شهداء , ليمحص الله الذين آمنوا,ليمحق الكافرين فكانت الحكمة من هذه المداولةأن يصير الذين آمنوا متميزين عمن يدَّعي الإيمان بسبب صبرهم وثباتهم على الإسلام.
فكان من ها هنا التمييز ...فالإسلام متميز عن غيره ودولة الإسلام متميزة عن غيرها من الدول والمسلمون متميزين عن غيرهم من البشر في طريقة تفكيرهم ابتداءً وفي طريقة حياتهم ... وفي غايتهم .
( وليمحص الله الذين أمنوا ويمحق الكافرين )
قال الزجاج: معنى الآية أن الله جعل الأيام مداولة بين المسلمين والكافرين ... فإذا حصلت الغلبة للكافرين على المؤمنين كان المراد تمحيص ذنوب المؤمنين وإذا كانت الغلبة للمؤمنين على هؤلاء الكافرين كان المراد محق آثار الكافرين ومحوهم.
المحق هو الانقاص...والمحص هو التنقية
فقابل الله عز وجل تنقية المؤمنين بإهلاك الكافرين .
            4.   هناك فرق بين وجود الأفكار والالتزام بها ويعني هذا أن مجرد وجود الافكار لا يعني شيئا سوى وجودها أما الالتزام بهذه الأفكار وترجمتها إلى قيود تقيد الأفعال وتضع الضوابط للفرد وللجماعة فلا يتأنى ذلك إلا بوجود دولة تتبنى هذه الأفكار وتدافع عنها دفاعا عن وجودها .
فالأفكار الرأسمالية بقيت أفكار رأسمالية ولم توجد لها الضوابط إلا بعد أن وجدت دولتها وقد سبق وجودها وجود أفكارها.

والدولة الشيوعية أيضا لم توجد إلا بعد أن وجدت أفكار الشيوعيه بين الناس .. وبقيت هذه الأفكار مجرد أفكار ولم توجد لها ضوابط إلا بعد أن وجدت دولتها.

وأفكار الاسلام تبقى مجرد أفكار إن لم توجد الدولة الاسلامية التي تترجم أفكار الاسلام إلى ضوابط تحدد الأفعال والتصرفات.

فالدولة: هي التي تتبنى أفكارا معينة وتحكم بين الناس بها.

والدولة الاسلامية:انها تغليب الاسلام على غيره وتحكيمه في شؤون الناس ويكون الخليفة هو الدولة والدولة هي الخليفة وقد عرف الامام الجويني الامامه: رياسة تامه وزعامه عامه تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا متضمنها : حفظ الحوزة ورعاية الرعية وإقامة الدعوة بالحجة والسيف وكف الجنف والحيف والانتصار للمظلومين من الظالمين واستيفاء الحقوق من الممتنعين وايفاءها على المستحقين .

فلم تكن أفكار الاسلام مجرد أفكار بل ترجمت هذه الأفكار وأصبحت دولة قد ملأت الأرض عدلاً ولم تكن خيالا بل حقيقة موجودة في كل ناحية وصوب...تاريخها وعراقتها وحضارتها كانت في الماضي وستكون في المستقبل القريب إن شاء الله فعوامل وجودها أقوى من أن ينكرها الزمن أو أن يخفيها الأقزام ولم تقوى السنين الطوال –رغم عوامل التعرية الكافرة الجاحدة أن تهدم ما بنته من علوم وامجاد.

وليست الدولة الاسلامية رغبة تستأثر بالنفوس عن هوى وتحركها أحلام اليقظه..بل هي فرض أوجبه الله على المسلمين وأمرهم أن يقوموا به وحذرهم عذابه إن هم تقاعسوا عن فرض إقامته.

وليست دولة الاسلام أمنيه يتمناها المرء وهو غارق في اللذات ووحل الجاهلية أو شعارات ترفع في مسيرات أو مظاهرات أو احتجاجات تقدم إلى مجلس الأمن تطالبه أن يقيمها.

وليست دولة الاسلام من هذا في شيء بل ان طريقها مفروشة بالأشواك محفوفة بالمخاطر مملوءة بالعقبات والمصاعب لأنها لا تمنح بموجب اتفاق, ولا تؤخذ بمفاوضات ولا يتوصل اليها بمبدأ خذ وطالب لنحصل على تسميه خالية من مضمون.

بل عي طريق مرسوم ومحدد بأحكام الله عز وجل لا يتجاوز الحد الا ظالم .

عندما ينحبس المطر نصلي صلاة استسقاء حتى لا يحصل القحط فهل يلزم القحط الفكري الذي نعيش فيه صلاة استسقاء فكري...؟؟؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‌ 


جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات