الكرب و الفرج




الكرب و الفرج

الكرب : لغة هو الحزن والغم الذي ياخذ بالنفس

كربه الامر والغم يكربه كرباً ... اشتد عليه فهو مكروب

كل شديد العقد من حبلٍ او بناءِ او مفصلِ يسمى مُكرب فهو مكروب المفاصل... إذا كان وثيق المفاصل.
قول الحطيئة:
قومٌ إذا عقدوا عقداً لجارهمُ

شدوا العِناجَ وشدوا فوقه الكربا


فالحبل الواصل بين الدلو والحبل او بين شيئين يشدهما معاً ... هو الكرب.
الفرج : هو الخلل بين شيئين
والفَرجُه : الخصاصةُ بين الشيئين
             والخروق يقال لها تفاريج

الفُرجه  : في الحائط الشفافيه

            وفي حديث صلاةِ الجماعة ( ولا تذروا فُرجاتِ الشيطان) وهو الخلل الذي يكون بين المصلين في الصفوف.
الفَرجَةُ : التفضي من الهم . ويقال فرّج الله غمّك تفريجاً وفي حديث عبد الله بن جعفر :( ذَكرت امنا يُتماً وجعلت تَفرَجُ له فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم اتخافين الغيلة وأنا وليهم)

الفَرْجُ  : الثغر

هذا ما ورد في لسان العرب       

                
      عندما يحزُب الانسان امرٌ او ينزل عليه بلاء او ضائقة ثم تتبعها اخره يقال اشتد عليه الكرب فكأن الكرب حبل او سلسلة تُشدُّ عليه او تنقص حلقة من السلسلة
    وحتى تكون الصورة اوضح فإن هناك فرقُ بين الضيق والكرب وهو ان الضيق وضعٌ مستقر بمساحةٍ معينةٍ وحجم معين ووضع معين لا بنقص ولا يتضاءل
بينما الكرب هو في تناقص وحركة مستمرة فكأنه ضغط يتزايد بإضطراد او فقير يتناقص دخله يوماً بعد يوم.
   ولقد وردت كلمة الكرب في القرآن الكريم في اربعةِ مواضع:
( قل الله بنجيكم منها ومن كل كربٍ ثم انتم تشركون) الانعام [64]
( فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ) الانبياء [76]
( ونجيناه واهله من الكرب العظيم ) الصافات [76]
( ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ) الصافات [115]
   وإذا تمعنت في هذه الآيآت تجد ان الحال فيها لم يكن مستقراً كالضيق مثلا بل كان متحركاً وأنه كالحبل يشتدُّ لحظة بعد لحظة وهذا هو مفهوم الكرب ؛ فالذي يسير من سيءٍ الى اسوأ فهو في كرب

     وأما الفرج فهو النور الذي ينبعث فكان النور فرج له , والذي تحسس الحائط المنيع فاحسَّ بالنافذه فيه وكانت النافذةُ فرجاً له , والذي رأى النور في آخر النفق كان النور فرجاً له يهديه ويسير يإتجاهه.
    هذه صوره او بعضاً من صوره وأما فهو أنه غير متوقع او انه يأتي على غير توقع فالذي يسير في الليل المظلم كان يسير من ظلامٍ الى ظلام ولم يخطر بباله أن يرى نوراً والراكب في السفينة التي تتقاذفها الامواج وتهزها الرياح لم يكن متوقعاً النجاة بحالٍ من الاحوال فجاءه الفرجُ بهدوء الموج وسكون الريح وهكذا فالفرجُ يأتي على غير توقعٍ وفي موقفٍ يكون الانسان فيه يفكر في المرحلة الاخرى من السوء الذي هو فيه و الاسوأ الذي هو مقدمٌ عليه وصدق الله العظيم ( ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ) وهكذا الفرج يأتي من حيث لايحتسب الانسان.

    إن الكرب و الفرج من الافعال التي تقع على الانسان ولا يقتضيها نظام الوجود فقد يكرب المرء وقد لا يكرب وقد يأتي الفرج المكروب و يأتي لآخر او يأتي في آن ولا يأتي في آنٍ آخر , فهو من القضاء ولا يملك إلا الايمان والتسليم بقضاء الله عز وجل . وهو وحده جل وعلا مفرج الكرب.
    ان الكرب و الفرج قد يتعلقا بشخص او بمجموعة اشخاصٍ تجمعهم مصلحةٌ واحدة او بأمةٍ او مجموعةٍ يجمعهم مبدأ معين.

  فإذا تعلق الكرب والفرج بشخصٍ معين في وضعٍ معين كان الفرج فردياً فالعائل المعدم في كرب فإذا أُ عطي فُرجَ عنه و الاسير في كرب ان اُطلق سراحة فقد فُرّجَ عنه ففرجه وكربه متعلقٌ به هو وقس على ذلك أشخاص تجمعهم مصلحةٌ واحدةٌ فكربهم وفرجهم متعلق بمصلحتهم اذا مُنعوا من مماؤسة اعمالهم فهم في كرب ويأتيهم الفرج بالسماح لهم بالعودةِ لممارسة ما كانوا يعملون.

  فإن نعلق الفرج والكرب بشخص او اشخاص فالحال واحدٌ وهو انه ينظر للوضع من خلال نفسه ومن خلال ما يقع عليه او يرفع عنه وتكون زاوية النظر من خلال نفسه لنفسه ولمصالحه هو وبعض النظر عن غيره اكان هذا الغير في كربٍ ام في فرج.
    فالذي يعيش لنفسه ويقيم الدنيا من خلال نفسه يرى ان الفرج والكرب خاصٌ به ولا يعنيه غيره, كذلك الحال للذين لاينظرون للدنيا إلا من خلال مصالحهم فهم في فرج او في كرب معا لوضع مصالحهم ما يتحقق منها وما لا يتحقق.
    أما حامل الاسلام فإن له شأن آخر لا يفرحه ما يفرح الناس ولا يحزنه ما يحزن الناس ليس لأنه لا يهتم بهم بل لانهم همه وسعادتهم ما يطلبه يقول السيد محمود الالوسي في روح المعاني ج6 في تفسير قول الله عز وجل ( فإن له معيشةٌ ضنكا ) وتقديم حال الآخرة على حال الدنيا في المهتدين لان مطمح نظرهم امر آخرتهم بخلاف خلافهم فإن نظرهم مقصورعلى دنياهم . وروى عن عطاء و ابن جبير ووجه ضيق معيشة الكافر المعرض في الدنيا أنه شديد الحرص على الدنيا منهالك على ازديادها خائف من انتقاصها غالبٌ عليه الشحُ بها حيث لا غرضَ له سواها بخلاف المؤمن الطالب الآخرة . انهى كلامه.
    ان المومن الذي ينظر للدنيا من خلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) ويرى أنه يحمل ما لا يحمله إلا من كان مثله وعليه من الواجب تجاه غيره الكثير الكثير له مفهوم معين للفرج وللكرب وينبغ من مبدأه الذي يحمله قيادةً فكريةً للدنيا بأسرها    
   وهذا النوع من الناس على ضربين احدهما  الانسان الذي يحمل مبدأ بغض النظر عن صحته وخظأه فهو قد حمل ما لا يحمله غيره فكان غريباً في حمله وقوياً فإنه في كربٍ دائم حتى يتحقق ما يريده الا ترى ان الذين دعوا الى فصل الكنيسة عن واقع الحياةِ قد جوبهوا من قبل الكنيسةِ وقتلوا واتهموا بالزندقةِ وكانوا في كرب عظيم .
   وأن الين حملوا نفس الفكرة من بعدهم كانوا هم ايضاً في كرب شديد فالذين حاربوا التسلط الديني تحت شعار الاصلاح الديني كان لهم فكر يدعون له وكانوا في كرب لحملهم هذه الافكار.
   وكانت وثيقة (الماغناكارتا) مثلا اول الفرج لهم لتحقق مطالبهم كما كان إعدام لويس السادس عشر في فرنسا اول الفرج لدعاة الثورة.
    فالذي حمل الافكار الرأسمالية ودعا لها كان في كرب شديد لان غيره يحارب افكاره وليس هو المقصود بالمحاربة بل افكاره فإذا تخلى عنها لا يحارب ولذلك فالكرب آتيه من جهةِ افكاره لا لنفسه.
    وعندما اصبحت لهذا الرأسمالي دولة تتبنى افكاره كانت هذه الدولة بمثابة الفرج له ان كان بداخلها فرج وان كان خارجها سعى اليها ليعيش بها لانه خارجها في كرب داخلها في فرج .

    و الذي يحمل الافكار الاشتراكية ومنها الشيوعية كذلك فقد كانوا في كرب سواء من كان منهم في بريطانيا اوفي المانيا او في فرنسا او في روسيا لان افكارهم هي المستهدفة من الحرب وليسوا هم الاشخاص وعندما قامت لهم دولة في روسيا كانت دولتهم هي الفرج أحسَّ به من كان بداخلها ومن بقي خارجها فقد بقي في كرب.
   إن الغنى والفقر والتعب والدَّعةُ ليست مقياساً للكرب والفرج بالنسبة لمن يحمل افكاراً ومبدأً معيناً تمر به احوال الغنى والفقر والتعب و الدعة والعسر واليسر ورغم هذه الاحوال كلها فإنه في كربٍ تبعاً لأفكاره التي يحملها وليس تبعاً لأحواله العارضة هذه.
    فهمه في حال غناه هو همه في حال فقره فهو في كرب داماً ان حصل تغير تبعاً لتغير حاله فقد طرأ خلل في فهمه وقد تغير ان لم اقل تنكب لما يحمله.
   إن الفكرة التي تتوارد في الاذهان من أن الغني غير مكروب بل في فرج وان الكرب لايتعلق الا بالفقر ما هي الا فكرة ساذجة وسطحية وينظر لها من زاوية ضيقة لا يتعدى حجمها حجم الفلس فالغنى والفقر واليسر والعسر حالات و الجوع والشبع والعطش والرّي حالات فقد يكون الجائع في فرج والشبعان في كرب والغني في كرب والفقير في فرج هذا إن كان لهذا الشخص افكار ومبدأ يحمله.

   الا ترى ان الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اسلم معه من المؤمنين الصادقين في مكة انهم  كلهم كانوا في كرب اعرقهم نسباً وأفصحهم لساناً كان في كرب رغم نسبه وعدم فاقته و أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه كان غنياً وبلال كان فقيراً وكلاهما كانا في كرب تبعاً لما يحملانه من افكار فإن الناظر لهم من أهل مكة نظر لهم من خلال ما يحملونه من أفكار وليس من خلال حالهم أفقر أم غنى وعسر أم يسر.
    لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في كرب و المسلمون معه وحالهم واحد من أنهم مكروبون ولم يكن الكرب الذي هم فيه عذرٌ لهم ليتهاونوا او ليتقاعسوا بسبب هذا الكرب
    ولما بلغ الكرب منهم مبلغه حاءهم الفرج من الله عز وجل وأصبحت لهم دولة قبلها كانوا في كرب وفيها كانوا في فرج بغض النظر عن غناهم او فقرهم او يسرهم او عسرهم فإن ما حملوه ودعوا له قد تحقق وتحققه هو الفرج وما قبل تحققه كرب.
 
  وعندما كانت للمسلمين دولة كانوا في فرج بغض النظر عن غناهم وفقرهم وعسرهم ويسرهم ويسرهم وهدموا دولتهم بل ساعدوا على هدمها ظانين أن هدمها هو الفرج وأنهم فيها في ضيق فتقطعوا أُمماً وأحزاباً و دولاً ودخلوا متاهات ودهاليز الامم المتحدة و الاسرة الدولية ... فتاهوا ودخلوا من ضيق الى ضيقٍ الى اضيق وسبحوا فوق آبار البترول فلم تكن لهم فرجاً وبنوا لعمارات وحفروا الانفاق فلم تكن لهم فرجاً ... ورغم الكم الضخم من الموارد و الاموال ... فهم في كرب حتى يبنوا ويعيدوا بناء دولتهم لانها الفرج.

   قلنا أن الكرب والفرج من الافعال التى لا يقتضيها نظام الوجود بمعنى أن قد يأتي الفرج المكروب وقد لا يأتي نعم ولكن هذا اذا لم يكن هناك وعد من الله عز وجل .

    وقد وعد الله عز وجل الجماعة المكروبة التي لا همَّ لها الا أن يعود حكم الله لارضِ الله وعدهم بالفرج و بالنصر و بالتمكين و بالأمنِ وبعد الخوف :

   قال تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكننَ لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركونَ بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) النور[55]

    فلا يهم الكرب و ضيق الطريق ووعورتها ان كانت هي الموصلة لوعد الله الذي لا يخلف الميعاد.


جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات