( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) سماحة الاسلام



وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

سماحة الاسلام

{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } الانبياء107 هذا خطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيه تشريف عظيم ، والمعنى على هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الرحمة ، والمعنى على كل وجه : أن الله رحم العالمين بإرسال سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنه جاءهم بالسعادة الكبرى ، والنجاة من الشقاوة العظمى ، ونالوا على يديه الخيرات الكثيرة في الآخرة والأولى ، وعلمهم بعد الجهالة وهداهم بعد الضلالة ، فإن قيل : رحمة للعالمين عموم ، والكفار لم يرحموا به؟ فالجواب من وجهين : أحدهما أنهم كانوا معرضين للرحمة به لو آمنوا, فهم الذين تركوا الرحمة بعد عرضها عليهم ، والآخر أنهم رحموا به لكونهم لم يعاقبوا بمثل ما عوقب به الكفار المتقدّمون من الطوفان والصيحة والخسف وشبه ذلك ,أخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين " وأخرج أحمد وأبو داود والطبراني عن سلمان : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما تغضبون وإنما بعثني رحمة للعالمين وأجعلها عليه صلاة يوم القيامة "
وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنما أنا رحمة مهداة "
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله ألا تلعن قريشا بما أتوا إليك ؟ فقال : " لم أبعث لعانا إنما بعثت رحمة " يقول الله : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الانبياء 107
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« لكل نبيّ دعوة مستجابة فتعجل كل نبيّ دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي يوم القيامة ».
ان من مقتضيات الرحمة القدرة عليها,فمن لا يملك القدرة لا يستطيع ولو اراد,فالقوي هو الذي يرحم والضعيف لا يستطيع ولو اراد فعندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش (اذهبوا فانتم الطلقاء) تهذيب سيرة بن هشامكان في موضع القوة والقدرة,فرحمته لهم دعوة عملية ليدخلوا في الاسلام في حين كان يستطيع غير ذلك,فهم يعلمون كيف عاملوه وأي أذى آذوه ورغم ذلك رحمهم وصدق الله العظيم (فبما رحمة من الله لنت لهم) ال عمران 159 فالقضية هي دعوته وليس انتقامه منهم على ما قدموا وهنا تبرز الرحمة في موضع القوة.
ان الذين يتحدثون عن سماحة الاسلام ربما خلطوا بين الدعوة له وبين الدفاع عنه وحماية بيضته,فكونه رحمة للعالمين يدعوهم بها ويعلمهم بخيرها في الدنيا والآخرة في قوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل125 ) وقوله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (256البقرة ) فسماحة الإسلام بالدعوة له وإظهار الادلة الدامغة حتى تحصل القناعة على صدقها,وحصول غلبة الحجة اوقع في النفس من غلبة القهر والارغام كما فعل ويفعل اصحاب الاديان الاخرى.
اما قضية الدفاع عنه فانها قضية اخرى تتعلق باحكام شرعية لاتتغير ولا تتبدل ولا تخضع لعقل بشري لاقرارها او لرفضها بل ولا تسمح الدولة لكائن من كان ان يتهجم على الاسلام او احكامه او حتى من اراد من المسلمين ان يشفع في حد من حدود الله , فعن الزهري عن عروة عن عائشة أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فكلمه أسامة فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أتشفع في حدٍّ من حدود الله ثم قام فاختطب ثم قال إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) المسند الجامع , واما في حروبه صلى الله عليه وآله وسلم فيقول علي رضي الله عنه في رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (ولقد رأيتنا يوم بدر وقد حمي البأس واحمرت الحدق.. ونحن نلوذ ونتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو وأشدنا بأسا.. وإن الشجاع منا للذي يحاذي به).متفق عليه.
واما في حربه فنذكر ما قاله ابن إسحاق: لما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب، أدركه أبى ابن خلف وهو يقول: لا نجوتُ إن نجوتَ,فقال القوم: يا رسول الله يعطف عليه رجل منا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه. فلما دنا منه: تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة،فقال بعض القوم، كما ذكر لى، فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم انتفض انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا.ابن كثير. وقال النبي صلى الله عليه وسلم" أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتل نبيًّا أو قتله نبى أو رجل يضل الناس بغير علم أو مصور يصور التماثيل (أحمد ، والطبرانى عن ابن مسعود) "  وقد ثبت في الصحيحين من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله ".
وقد قال الشاعر في رسول الله صلى الله عليه وسلم

وما حملت من ناقة فوق رحلها


أبر وأوفى ذمة من محمد

وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه


وأمضى بحد المشرفي المهند


يفهم مما سبق أن المؤمن يجب عليه أن لا يلين إلا في الوقت المناسب للين، وألا يشتد إلا في الوقت المناسب للشدة، لأن اللين في محل الشدة ضعف، وخور، والشدة في محل اللين حمق، وخرق ، وقد قال أبو الطيب المتنبي:
إذا قيل حلم قل فللحلم موضع



وحلم الفتى في غير موضعه جهل



   ان الذين يحاولون لَيَّ اعناق النصوص خدمة لاهوائهم ولكبرائهم ليرضوا عنهم بتصوير الاسلام وسماحته التي تستغرق كل امر حتى الهجوم عليه وعلى الرسول والتعدي على القرآن وتمزيقه تحت شعار (سماحة الاسلام) و(روح التسامح) ويقابل كل فعل من الكفار ببرود من قبل الغاشم كانه ما كان ولا يعني الاسلام بشيء,وحدث ضمن هذا الاطار ولا حرج والامثلة اكثر من ان تحصى,فالمسلمون هم المستهدفون حتى الكاريكتير المسيء للرسول اولوه بانه فن حتى وصل الامر ان كل من يريد الشهرة فاقرب طريق هي الهجوم على الاسلام وصدق الله العظيم (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَروُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)) يونس               
لكن أنى يرى الشمس خفاش يلاحظها



والشمس تبهر أبصار الخفافيش


ويقول الشيخ الشعراوي ( وجاء الإسلام لا ليهدي الملاحدة فقط ، ولكن ليهدي أيضاً الذين أضلهم أرباب أهل الكتاب . وكانوا من بعد الإسلام يحاربون الإسلام بالاستشراق ، وكانوا يؤلفون الكتب ليطعنوا الإسلام . لكنهم وجدوا أن الناس تنصرف عنهم؛ لذلك جاءوا بمن يمدح الإسلام ويدس في أثناء المديح ما يفسد عقيدة المسلمين .
إننا نجد بعضاً من المؤلفات تتحدث عن عظمة الإسلام تأتي من الغرب ، ولكنهم يحاولون الطعن من باب خلفي كأن يقولوا : إن محمداً عبقري نادر في تاريخ البشرية ويبنون كل القول على أساس أن ما جاء به محمد هو من باب العبقرية البشرية ، لا من باب الرسالة والنبوة . ونجد مثالاً على ذلك رجلاً أوروبياً يؤلف كتاباً عن مائة عظيم في العالم ويضع محمداً صلى الله عليه وسلم على رأسهم جميعاً . ونقول له : شكراً : ولكن لماذا لم تؤمن أنت برسالة محمد ابن عبد الله؟

إن شهادتهم لنا لا تهمنا في كثير أو في قليل . لقد هاجمونا من قبل بشكل علني . ويحاولون الآن الهجوم علينا بشكل مستتر . وهم أخذوا بعضاً من أبناء البلاد الإسلامية ليربوهم في مدارس الغرب وجامعاته من أجل أن يجعلوا من هؤلاء الشباب دعاة لقضاياهم في إفساد المسلمين ، ولم ينجحوا إلا مع القليل؛ لذلك نقول لشبابنا : احذروا أن تكونوا المفسدين وتدعوا أنكم المصلحون ، فلا تأخذوا المسألة بالطلاء الخارجي ولكن انظروا إلى عمق القضايا ، وتذكروا قول الحق : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً * الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 103-104 ] .

جواد عبد المحسن

حديث رمضان 11 

إرسال تعليق

0 تعليقات