الشماتة


الشماتة


شمت : الشماتة الفرح ببلية من تعاديه ويعاديك يقال شمت به فهو شامت وأشمت الله به العدو ,وقد قيل (الموت دون شماتة الأعداء ) ومنه قول الشاعر : المبارك بن الطبري : 

لولا شماتة أعداء ذوي حسد

 
أو اغتمام صديق كان يرجوني

لما طلبت من الدنيا   مراتبها

 
ولا بذلت لها عرضي ولا ديني


                                                                                                                                                                   

 ان الشماتة تسخط الربَّ - تبارك وتعالى - وتدل على انتزاع الرحمة من قلوب الشامتين ، وهي تورث العداوات ، وتؤدي إلى تفكك أوصال المجتمع وتخرجه عن كونه مجتمعا متميزا تسوده سلاسة المعاملة وحسن الاداء وطيب التواصل ، وهي من الآفات التي تنهش علاقات الافراد بعضهم مع بعض داخل المجتمع,ولقد نهى الله عنها, فهي تعرض أصحابها للبلاء, ولا شكَ أن الموت من أعظم ما يقع بالإنسان من الابتلاء له ولمن يتركهم بعده ، فلقد قام النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ لجنازة ، ولما قيل له : إنها ليهوديٍّ قال : " أليستْ نفسًا" ؟ رواه البخاري ومسلم.

أن التشميت هو الدعاء للعاطس وفي الموطأ قال إن عطس فشمته ثم إن عطس فشمته ثم إن عطس فقل إنك مضنوك يعني مزكوم,  قال الراوي بعد الثلاث أو الأربعة  قال الباجي يقال بالشين المعجمة والمهملة فبالشين قال ثعلب إبعاد الشماتة والتسميت الدعاء بالهداية الى السمت الحسن والخلق المستحسن له.

 والشماتة : السرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدين والدنيا. وهي محرمة منهي عنها. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك"أخرجه الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع وحسنه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها ويقول : "اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء" . أخرجه البخاري وغيره.  ومنه قوله صلى الله عليه و سلم :[اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وجهد البلاء وشماتة الأعداء] وهو في الصحيح. وقوله صلى الله عليه وسلم من ذلك أيضـًا: (من عيَّر أخاه بذنبٍ لم يمت حتى يعمله) رواه الترمذي وقال : حسن غريب  ومنه قول الشاعر :

إذا ما الدهر جر على أناس

 
كلاكله أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

 
سيلقى الشامتون كما لقينا


 

وقد ذكر السرخسي في المبسوط ان الصديق رضي الله عنه بطريق المصلحة والسياسة أمر بقطع ايادي النساء اللاتي ضربن الدف لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإظهار الشماتة. 

 إن الشماتة لا تليق بمسلم تجاه أخيه المسلم أبدًا، بل هي من صفات الأعداء الذين حذر الله منهم ووصفهم بقوله: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط ٌ) آل عمران:120 ،وقوله تعالى:(إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) التوبة:50 وقال الزمخشري : المسّ مستعار هاهنا بمعنى : الإصابة .

ويقول الآلوسي رحمه الله في هذه (إن تمسسكم أيها المؤمنون حسنة نعمة من ربكم كالألفة وإجتماع الكلمة والظفر بالأعداء تسؤهم أي تحزنهم وتغظهم وإن تصبكم سيئة أي محنة كإصابة العدو منكم وإختلاف الكلمة فيما بينكم يفرحوا أي يبتهجوا بها وفي ذلك إشارة إلى تناهي عداوتهم إلى حد الحسد والشماتة كقوله تعالى ( إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) التوبة (50)  فإنه للدلالة على إفراطهم في السرور والحزن لأن المس أقل من الإصابة كما هو الظاهر فإذا ساءهم أقل خير نالهم فغيره أولى منه, وإذا فرحوا بأعظم المصائب مما يرثى له الشامت ويرق الحاسد فغيره أولى فهم لا ترجى سوالاتهم أصلا فكيف تتخذونهم بطانة !).

ويقول السيد قطب في الظلال ( ولكن الله الذي يرعى دعوته ويكلأ رجالها المخلصين ، كفى المؤمنين الفتنة ، فترك المنافقين المتخاذلين قاعدين والظالمون هنا معناهم « المشركون » فقد ضمهم كذلك إلى زمرة المشركين!

وإن ماضيهم ليشهد بدخل نفوسهم ، وسوء طويتهم ، فلقد وقفوا في وجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبذلوا ما في طوقهم ، حتى غلبوا على أمرهم فاستسلموا وفي القلب ما فيه :

{ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ } (48)التوبة. .

وكان ذلك عند مقدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، قبل أن يظهره الله على أعدائه . ثم جاء الحق وانتصرت كلمة الله فحنوا لها رؤوسهم وهم كارهون ، وظلوا يتربصون الدوائر بالإسلام والمسلمين .

روى محمد بن إسحاق عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن قتادة قالوا : « قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، وهو في جهازه ( أي لغزوة تبوك ) للجد بن قيس أخي بني سلمة : هل لك يا جد في جلاد بني الأصفر؟ » ( يعني الروم ) فقال : يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني؟ فوالله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجباً بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر عنهن . فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : « قد أذنت لك »بمثل هذه المعاذير كان المنافقون يعتذرون . والرد عليهم :

{ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (49)التوبة فإنهم لا يريدون بالرسول خيراً ولا بالمسلمين؛ وإنهم ليسوؤهم أن يجد الرسول والمسلمون خيراً وصدق الله العظيم { إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ }التوبة50 وإنهم ليفرحون لما يحل بالمسلمين من مصائب وما ينزل بهم من مشقة :{ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ }التوبة50 واحتطنا ألا نصاب مع المسلمين بشرّ ، وتخلفنا عن الكفاح والغزو!....{ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ } بالنجاة وبما أصاب المسلمين من بلاء .

ذلك أنهم يأخذون بظواهر الأمور ، ويحسبون البلاء شراً في كل حال ، ويظنون أنهم يحققون لأنفسهم الخير بالتخلف والقعود . وقد خلت قلوبهم من التسليم لله ، والرضى بقدره ، واعتقاد الخير فيه . والمسلم الصادق يبذل جهده ويقدم لا يخشى ، اعتقاداً بأن ما يصيبه من خير أو شر معقود بإرادة الله ، وأن الله ناصر له ومعين :{ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (51)التوبة. .

والله قد كتب للمؤمنين النصر ، ووعدهم به في النهاية ، فمهما يصبهم من شدة ، ومهما يلاقوا من ابتلاء؛ فهو إعداد للنصر الموعود ، ليناله المؤمنون عن بينة ، وبعد تمحيص ، وبوسائله التي اقتضتها سنة الله ، نصراً عزيزاً لا رخيصاً ، وعزة تحميها نفوس عزيزة مستعدة لكل ابتلاء ، صابرة على كل تضحية . والله هو الناصر وهو المعين { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .

عندما نرى ردود فعل الخصوم على أعدائهم .. أو انتصار الفرقاء ضد بعضهم الآخر ، نجد أن الشماتة أو التشّفي هو التعبير العاطفي المحموم واليائس الذي يترجم حالة الانتقام والوصول إلى ذروة التمتع بما نزل بالخصم بغض النظر عن الثمن المدفوع مسبقا للوصول لهذه اللحظة البائسة ويصل الإنسان  الشامت إلى حالة من النشوة والفرح ، إذ يحتقق له ما كان ينتظره من خصمه أو عدوه ، جراء هزيمة أو انتكاسة أو أزمة أو فشل أو خسارة .. وانتهاء بالموت . فالشماتة والتشفي هما عكس التسامح والتعاطف والمشاركة وهي تنم عن قلب مريض . وإذا كان هذا يحدث بين الأفراد نتيجة عدم وعي او جهل، فهو يحدث بين الدول نتيجة برامج سياسية واملاءآت دول وحقد بين زعماء ففي الوقت الذي كانت تسيل فيه دماء المسلمين وتنتزع اشلاؤهم كانت الحفلات تقام  .

وإذا كنا نقرأ عن شماتة شعب ضد شعب آخر فانه النتيجة الطبيعية للتوجيه الاعلامي الممنهج والمرسوم وابأس مثال عليه ما جرى ويجري في مباريات كرة القدم بين مصر والجزائر ، فهل يمكن أن يحدث مثل هذا الاضطراب الخلقي والإصابات النفسية البائسة عند أبناء بلد واحد ، أوملةواحدة؟  

إن شماتة الحسّاد تأتي عاطفيا دوما ضد الاقوياء الناجحين المهتدين من قبل الضالين المنهزمين ومن قبل الكفار واعوانهم المنافقين في قوله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة (109)  ، وترتبط به شماتة الأغبياء الذين يعلنون عن حقدهم ضد الناجحين والمتفوقين ، في حين أن شماتة المنتقمين الذين يعلنون عن فرحهم ورقصاتهم ضد الفئات العليا وأصحاب الجاه والسلطان ,وثمة تصنيفات أخرى للشماتة, فالشماتة نجدها بين أعداء حقيقيين ، أو خصوم سياسيين ، أو فرقاء متعصبين, ولا نجدها عند كل الشعوب .. فثمة مجتمعات لم تعرف تواريخها الأحقاد ، ولم تتوارث ثقافيا الأخذ بالثارات ، أو أنها ربّت أبناءها على فكرة الكراهية والانتقام كمجتمعات اليهود المنغلقة في اوروبا, وثمة مجتمعات لا تعرف إلا روح التعاون والتسامح بين أبنائها,فدولة الاسلام رّبت أبناءها على التسامح في ما بينهم ان شابت علاقاتهم شائبة , فالتعاون على البر والتقوى اصل فلا تعاون من دون سماحة في مجتمع متجانس  ومتميز.

هينون لينون أيسار ذوو كرم            سواس مكرمة أبناء أيسار

إن من سجايا المسلمين التعاطف مع الآخرين في أزماتهم ومشكلاتهم والسعي لتحمل مسوؤلية حلها  بل ثمة تربية أخلاقية  تنبع من العقيدة الاسلامية تتوارثها الأجيال في عدم خلق الخصوم والأعداء ,فالدعوة لاستئناف الحياة الاسلامية لا يعني البقاء داخل دائرة الحكم فقط ,وانما يتعدى ذلك ليشمل كل العلاقات داخل المجتمع ليعيد له تجانسه على اساس العقيدة الاسلامية بعد ان شوه الكافر المستعمر هذه العلاقات بما ادخله على بلاد المسلمين من انظمة وطراز عيش انتج تطبيقها على بلاد المسلمين ما نراه من تدابر وقطيعة اكتوى بنارها كل بيت من بيوت المسلمين حتى غدا مع الاسف الحقد والغل والحسد والعداوة والبغضاء وسوء الظن اصل,فكان العمل لازالة هذه العوالق والاتربة مهما كاهمية السعي لايجاد الخليفة,حتى لا يبقى للكافر اثر لا له ولا لثقافته اوطراز عيشه في ديار المسلمين قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا عفان، حدثنا أبو عَوَانة، عن أبي بِشْر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "يرحم  الله موسى، ليس المعاين كالمخبر؛ أخبره ربه، عز وجل، أن قومه فتنوا بعده، فلم يلق الألواح، فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح"  
 
جواد عبد المحسن
حديث رمضان 11

إرسال تعليق

0 تعليقات