حق القوةِ ام قوةُ الحق


حق القوةِ ام قوةُ الحق


ان قوة الحق كامنة فيه بوصفه حق فحججه موجودة فيه ولا تنفصل عنه لانها جزء منه ، وكل عمل لفصل حججه عنه هي مجرد اهواء تتلاعب بأصحابها لتعريتهم وكشفهم ، فالحكم الشرعي لارض فلسطين مثلا من الحجج على ان فلسطين كلها ملك للمسلمين كلهم ولا يحل لاحد ان يتنازل عنها فلا يستطيع احد ان يفصل هذه الحجة عن هذا الحق تحت أية ذريعة عقليه لا اساس لها شرعاً ، مثل كون المنظمة هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني او قرارات القمم العربية او مواثيق الامم المتحدة ، فهذه واشباهها لا ترقى لان تكون شبهات فكيف يمكن ان تُساق على انها حجج .

ان الحق لا يضعف ولا يتغير حين يحمله من هو من غير اهله بل يكون الحق كاشفا لهذا الحامل وزيفه اذ ان من اخص خواص الحق انه لا يمكن استعماله او استخدامه لانه للالتزام وليس للاستخدام ، فمن اراده لغير ما وجد من اجله كشف, لان هذا الحامل المدلس لا يطيق الإلتزام به على الدوام لثقله عليه بل يريد ان يستخدمه لامر ثم يدعه وهنا تبرز خاصية الحق بأنه لا يحمله إلا اهله .

ان للحق اهلا كما ان للباطل اهلا .... فأهل الحق هم الذين آمنوا به واعتقدوه وصدقوا به والتزموا جانبه ..... فأسبغ الحق عليهم قوته وأمدهم بالقدرة والطاقة التي مكنتهم من حمله وتبعاته, ومثاله ان بلال بن رباح قبل ان يحمل الحق ما هو إلا كائن بشري يأتمر بأمر سيده ولكنه بعد ان حمل الحق واسبغ الحق عليه لونه اصبح اقوى من سيده بالحق الذي يحمله ويلتزم به ، وكذلك عبد الله بن مسعود بعد ان حمل الحق اضفى عليه الحق من قوته ما مكنه من الصعود على صدر ابي جهل فقال له ( لقد ارتقيت مرفقاً صعباً يا رويعبي الغنم ) نعم فلقد ارتقى به الحق الذي ذاب فيه هذا المرتقى وأعلى من ذلك .

انه لا يوجد لأهل الحق من ادوات الا اوامر الله ونواهيه فإنها الحصن الحصين لهم امام مكائد اهل الباطل الذين لا يحد كيدهم حد ولا يقف امام باطلهم قيد وهنا لابد ان يبرز الفرق بين صدق اهل الحق والتزامهم بحقهم ووقوفهم عند حد الله الذي حده لهم وبين انفلات اهل الباطل وكيدهم و كذبهم ، ولا بد ان يظهر الالتزام تجاه الانحراف حتي يحصل عند الامة هذا التمايز حين تمييزهم بين اهل الحق واهل الباطل .

فاصرار اهل الحق دعوة, وثباتهم برهان, نعم ولكن لا يكفي هذا الامر فقط وانما المبادرة بالمواقف التي تدفع الغير للعمل الجاد, فحمل الحق ليس وظيفة وانما هو التزام والزام للنفس بالصبر عند الشدائد التي تحيط بالامة من كل اتجاه ، فتميز اهل الحق عن اهل الباطل ولا يظهر هذا جلياً إلا عند نزول البلاء والمحن فيصدع اهل الحق بالحق صابرين محتسبين فيما ينقلب اهل الباطل ويظهر عوارهم وانحيازهم بالكلية لباطلهم ولاهوائهم رغم علمهم بباطل موقفهم ،و مثاله ما نراه ونسمعه في سوريا وغيرها من الشيخ فلان والدكتور فلان والعالم فلان كل ينفخ ببوق السلطة والنظام .

ان اهل الحق لا يستجدون حقهم ولا يطلبونه توسلاً لا من اهل الباطل ولا من غيرهم من اهل القوة, فأهل الحق بقوة الحق يأخذون حقهم اخذا ولا يستجدونه استجداءً .... فالحق لا يعطى وانما يؤخذ .... اخذاً ، فلا بد للحق ان تكون له قوة تدافع عنه وتحميه وتفرضه على جاحديه ليظهر الحق بصورته الحقيقية وليست بالصورة المشوهة حين يحمله غير اهله, فقد دخل النابغة الجعدي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنشده :

لا بد للحق من ارهاصة يلاحظها


 
تحمي صفوه ان يكدرا


 

فقال له رسول صلى الله عليه وآله وسلم لا فض فوك فعاش اكثر من مئة سنة ما سقط له سن ولا رباعية .... فالقوة يستخدمها الحق لإبراز صورته الصافية وتثبيت وجوده حيال خصومه وأعدائه لابقاء صفائه في الداخل ، وحمل هذا الصفاء للعالم ، فالقوة يحتاجها الحق ودولته لتحقق الطريقة الشرعية لنشر الدعوة بها .

ان حامل الحق الواقف عند حدود الله عز وجل يدرك ادراكاً جازماً انه بموقفه لا يعبر عن نفسه فقط وانما هو صورة معبرةٌ عن الحق وعن جهته, وكل ضعف في مواقفه انما تنعكس سلباً على الحق الذي يحمله ، فأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه قال ( والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه ) نعم ولكن لا بد من معرفة الظرف الذي قالها فيه حتى ندرك قيمة هذه الجملة وصلابة قائلها والتي تعبر عن الموقف المبدأي لهذه الدولة ، فالجملة جاءت حين خرجت عبس وذبيان  يريدون المدينة المنورة بعد ان ارتد من ارتد ومنع الزكاة من منع في اغلب جزيرة العرب .

وأما في عصر الرويبضات فإننا نرى العجب العجاب من سياسات الاستجداء والتذلل والاستخذاء حتى ان رئيس وزراء عربي (السنيورة) في خضم حرب بكى امام الاعلام .... من قبله من قال ان امريكا تملك 99% من اوراق الحل فكان لا بد من سؤاله فماذا كنت تصنع انت في موقعك؟؟ وسمعنا اخيراً ونسأل الله ان يكون اخراً من ذهب إلى الامم المتحدةِ يستجدي دولة .. فهل ادرك وعلم عواقب موقفه ..؟؟ .

وكذلك الامر بالنسبة للأحداث الجارية الدامية في بلاد المسلمين فلا بد من ان ينفصل اهل الحق عن اهل الباطل, فجهة الحق لا تحالف الكافر ليعينها على استبدال صنم بصنم, او ترفع شعارات الكافر ارضاء له من ان مطلبها هو الدولة الحديثة التي تقوم على اساس الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون ومحاربة الارهاب ونبذ العنف مع علمها بانها لا تتنازل عن مفاهيمها فقط بل تتعدى هذا الامر بتبنيها لمفاهيم الكافر,ومثاله اننا كمسلمين مطالبون شرعا بان تكون دولتنا ذات رهبة بطلب الله منا في قوله (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الانفال60 ،ويبنى على هذا الامر امور تخالف النص الصريح لامر الله عز وجل,فذريعة الضعف او ذريعة التخلص من الظالم ليست حجة لاي احد لاستبدال حكم الله بحكم الطاغوت بحجة المصلحة او غيرها.

ان الباطل يمكن ان يملك القوة المادية المهولة والضخمة والكثيرة العدد والعدة ، ولكنه بكل ما اوتي من قوة لا يمكن له ان يصنع حقاً فلا يوجد للباطل حق, لانه امتلك القوة فقوة الباطل لا توجد حقاً, ولا تستطيع من منطق قوتها ان تعين الحق لانها قوية .... فيمكن للباطل بقوته ان يغتصب وأن يحتل وأن يستعمر ولكن اغتصابه واحتلاله واستعماره لا يدخل في دائرة الحق مطلقاً وانما تبقى دائرته تدور ضمن دائرة القوة والغلبة, وحين تأتي قوة اخرى اقوى منه تأخذ ما في يده لا يسمى الاول انه صاحب حق مغضوب وانما هو فرض واقع, وفرض الواقع لا يدور في دائرة الحق .

ان الباطل بكل اتجاهاته حين كرس جهده لبناء القدرة التدميرية الهائلة في ترسانته العسكرية قد اغفل بناء قوة عقائدية لحماية وضبط هذه القوة ، فكانت قوته العسكرية وبالاً عليه, ومثاله الاتحاد السوفييتي ما اغنى عنه سلاحه من شيء وما انقذه من شر نفسه لحظة انهياره ، وكذلك كل باطل يمتلك قوة فمصيره كسابقه آجلاً ام عاجلاً .

ان اهل الحق بوصفهم بشراً يجري عليهم ما يجري على البشر من قوة وضعف وهم ملزمون بهذا الحق الذي يحملونه في حال قوتهم وفي حال ضعفهم وأي تجاوز منهم يعتبر مخالفاً للحق ، ففي حال قوتهم لا يجوز لهم البغي وتجاوز الحد, وفي حال ضعفهم لا يجوز لهم التخلي او التنازل او المساومة على الحق الذي يحملونه او عن جزء منه ، فلا يجوز وهذا يعني لا يحل لأهل الحق ان يضعفوا امام جبروت الباطل او اظهار ضعفهم امامه ، فإنهم ان لم يساووه بقوته المادية فإنهم متفوقون عليه بقوة الفكر والعقيدة التي يحملونها .... فيمكن بوصفهم بشراً ان يُغلبوا في معركة ولكن لا يحل لهم مطلقاً ان يرفعوا علماً ابيض مطلقا ، ومثاله اجتياح المغول لبغداد سنة656هـ ... وانتصر المغول ولكن القوة العسكرية انتصرت وما رفع اهل بغداد علما ابيض وانتصر المسلمون في عين جالوت سنة 658هـ, ثم انتصرت القوة الفكرية والعقيدةُ ودخل المغول في دين الله أفواجا .

إن الخلط بين المفهوم والحال يوصل الكثير من الناس إلى وضع ينقطع فيه رجاؤهم فتفتر عزيمتهم وتقل استجابتهم بل ويدفنوا رؤوسهم في التراب ، لأنهم نظروا إلى حالهم وحال عدوهم فحكموا على الواقع بمعزل عن مفاهيمهم فكانت النتيجة يأسهم مما هم فيه من ضعف, فالقوة والضعف والصحة والمرض والغنى والفقر أحوال يمر بها الانسان بوصفه آدمي والمسلم كذلك, وهذه الأحوال لا تؤثر على حامل الدعوة ولا على عقيدته ، فحاله في اليسر كحاله في العسر وقوة حمله في منشطه كقوة حمله في مكرهه فالاسلام و الدعوة إليه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر هي كل همه في جميع احواله ، فلا يساوم على مفاهيمه في حال ضعفه إن حصل له الأذى ولا ينهزم إن عُذب أو ينافق من أجل تحقيق مصلحة .

ان المتتبع لأيات الله عز وجل المتعلقة بالوعد منه بالنصر والتمكين ليرى ان هذا الوعد ما جاء الا للمستضعفين الذين لحق بهم الاذى من المستكبرين الطغاة فوعد الله لبني اسرائيل في قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) القصص، وخطابه للمؤمنين (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) آل عمران 123،وقوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور:55 ،  وهذا يعني انهم كانوا في حالة عدم استخلاف وضعف والوعد لهم متحقق وسيأتي لهم وهم في تلك الحالة ,ولم يكن لهم الوعد وهم في حالة الاستخلاف والقوة .

  ان حملة الحق الذين هم اهله والذين يُعرفون به لا تؤثر فيهم حال الضعف والفقر لانهم يحملون وعد الله لهم بالنصر والتمكين ويدركون ادراكا عقائدياً ان الله معهم فإنه عز وجل خاطبنا فقال (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) النحل:128 ، وقال (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)البقرة153، وقال (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) التوبة40 ، فكون حملة الحق في معية الله عز وجل فإن الله لا يخلف وعده ولا  يهزم جنده,وهومعهم ولن يترهم اعمالهم وانه ناصرهم ولو بعد حين .
 
جواد عبد المحسن
حديث رمضان 11

إرسال تعليق

0 تعليقات