الــغــش


الــغــش


الغِشُّ نقيض النُّصْح وهو مأْخوذ من الغَشَش المَشْرَب الكدِر أَنشد ابن الأَعرابي ومَنْهَل تَرْوَى به غير غَشَشْ أَي غير كدر ولا قليل وقد غَشَّه غِشّاً لم يَمْحَضْه النَّصيحة والغش : نقيض النصح ، وإظهارك غير ما تضمر

ومنه الحديث عن أبي تميم بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال : لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم " رواه البخاري ومسلم .

فالنصيحة لله عزوجل : هي النصيحة لدينه كذلك بالقيام بأوامره واجتناب نواهيه وتصديق خبره والإنابة إليه والتوكل عليه وغير ذلك من شعائر الإسلام وشرائعه .

والنصيحة لكتابه : الإيمان بأنه كلام الله وأنه مشتمل على الأخبار الصادقة والأحكام العادلة والقصص النافعة وأنه يجب أن يكون التحاكم إليه في جميع شئوننا .

والنصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم : الإيمان به وأنه رسول الله إلى جميع العالمين ومحبته والتأسي به وتصديق خبره وامتثال أوامره واجتناب نهيه والدفاع عن دينه ونحو ذلك وانه الصادق الامين .

     والنصيحة لأئمة المسلمين : مناصحتهم ببيان الحق وعدم التشويش عليه والصبر على ما يحصل لهم من فقر لظرف معين او جائحة وقعت, وغير ذلك من حقوقهم المعروفة ومساعدتهم ومعاونتهم فيما يجب فيه المعونة كدفع الأعداء ونحو ذلك.

والنصيحة لعامة المسلمين : أي سائر المسلمين هي أيضا بذل النصيحة لهم بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليمهم الخير وما أشبه هذا , ومن أجل ذلك صار الدين النصيحة وأول ما يدخل في عامة المسلمين نفس الإنسان أن ينصح الإنسان نفسه وصدق الله العظيم (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)البقرة44.

ومن فوائد هذا الحديث انحصار الدين في النصيحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة "ويفهم من هذا الحديث : تحريم الغش لأنه إذا كانت النصيحة الدين فالغش ضد النصيحة فيكون على خلاف الدين وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من غشنا فليس منا "الجامع بين الصحيحين وعن عاصم عن زر عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار.

    ان الافراد داخل المجتمع يحتاج بعضهم لبعض في امور الحياة من بيع وشراء وعقود ومصاهرة واقراض واجارة وغيرها كثير, وغنى للناس عن استشارة بعضهم بعضا, وحتى تستقيم العلاقة بين الناس لا بد ان تكون على اساس الاسلام واحكامة,وان يكون محض النصيحة ظاهرا لا خداع ولا غش فيها ففي الحديث عن عبد الرحمن عن أبى هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لأبى الهيثم : هل لك خادم قال لا قال فإذا أتانا سبي فأتنا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم قال النبي صلى الله عليه وسلم اختر منهما قال يا رسول الله اختر لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن المستشار مؤتمن خذ هذا فإني رايته يصلى واستوص به خيرا فقالت امرأته ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تعتقه قال فهو عتيق فقال النبي صلى الله عليه و سلم إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا ومن يوق بطانة السوء فقد وقى) قال الشيخ الألباني : صحيح

 ان ما يحصل بين الناس من مشاحنات ومشاكل تكون في الاغلب قد نشأت عن غش وعدم اظهار حقيقة او تغييبها عند ابرام عقد او علاقة نسب ومصاهرة, وقد جمع الشاعر المواطن التي لا تعتبر من الغيبة في بيتين فقال:

الذم ليـس بغيبـة في ستـة

 
متظلـم ومعـرف ومحـذرِ

ومظهر فسقا  ًومستفتٍ  ومن

 
طلب الإعانة في إزالة منكرِ

 

 

 ان محض النصيحة وعدم اخفاء امر عن المستنصح فرض فرضه الله وكل اخفاء امر هو غش فعن المسيب بن نجبة : أن الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر أتوه يخطبون إليه ابنته فقال: مكانكم حتى أعود إليكم فأتى عليا فقال إنى خلفت فى المنزل الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر يخطبون إلى وأتيت أمير المؤمنين لأشاوره فقال أما الحسن فمطلاق ولا تحظى النساء عنده وأما الحسين فملق ولكن زوج ابن جعفر فرجع فزوج ابن جعفر فقالا له منعتنا وزوجت ابن جعفر فقال أشار على أمير المؤمنين فأتياه فقالا وضعت منا يا أمير المؤمنين فقال سمعت رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  يقول المستشار مؤتمن فإذا استشير أحدكم فليشر بما هو صانع لنفسه (العسكرى فى الأمثال ، [كنز العمال 8771]

وفي البيع والشراء لابد من اظهار المبيع وعدم الغش فقد روى يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مر على صبرة طعام فأدخل يده فيه فنالت أصابعه بللاً فقال ما هذا يا صاحب الطعام قال أصابته السماء يا رسول الله قال أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس وقال من غشنا فليس منا)البخاري ومسلم.

اما ادهى وانكى الغش هو ان غش الراعي رعيته ففي صحيح مسلم قال حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: دَخَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَهُوَ وَجِعٌ فَسَأَلَهُ فَقَالَ إِنِّى مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا لَمْ أَكُنْ حَدَّثْتُكَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَسْتَرْعِى اللَّهُ عَبْدًا رَعِيَّةً يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ». قَالَ أَلاَّ كُنْتَ حَدَّثْتَنِى هَذَا قَبْلَ الْيَوْمِ قَالَ مَا حَدَّثْتُكَ أَوْ لَمْ أَكُنْ لأُحَدِّثَكَ.

   اما ما نحن بصدده من انواع الغش فانه الغش الفكري والذي يمارس هذه الايام مع الاسف ممن يتصدرون المقام رافعين شعارت خدمة الاسلام والمسلمين وان الاسلام هو الحل وانه دين ودولة وبعد ان ينجذب الناس لهذه الشعارات حبا للاسلام فينتخبون اصحابها يتخلى اولئك عن شعاراتهم ثمنا لبقائهم في السلطة,كما حصل في مصر وغيرها من بلاد المسلمين ما أدى لزعزعة صورتهم وخلخلة صدقهم بل وجعلهم عائقا يقف في طريق نهضة المسلمين.

ان طبيعة الرعاية من الحاكم لرعيته تقوم على أمور منها:

     أولاً : حسن تطبيق الإسلام في النواحي الاقتصادية والسياسية ، والاجتماعية . فيحرص الحاكم على بلوغ أفضل درجة مستطاعة عنده لما يؤديه اجتهاده في تطبيق الإسلام في هذه النواحي ، ويقوم بتعيين الولاة ، والقضاة ، والمعاونين ، والإداريين والموظفين لسد الكفاية بما يخدم مصلحة المسلمين  وتسهيل عيشهم.

     ثانياً : الحرص على راحة الرعيّة ، ورفع مستواها المعيشي ، والعلمي في كل شأن من مجالات الحياة,ودوام سقيهم بماء العزة وانهم الاعلون بحملهم الدعوة لكل الارض,وانهم الاقوى وان عدوهم الاضعف,  لتكون الدولة الاولى في كل مجال(وليس تصوير العدو بانه لا يقهر ولا طاقة بمحاربته) وهذا الأمر يكون بدوام العمل ، والحث على العمل وبذل الجهود المستمرة لبلوغ هذه الغاية من اكرام القواد والجند وانزالهم منازلهم وكذلك رعاية العلماء والنابغين ومساندتهم المالية في بحوثهم (فمع الاسف ان مليار مسلم ونصف المليار ما استطاع احد منهم ان يرشح لجائزة نوبل في المواضيع العلمية(احمد زويل) هذا عدا عن هجرة العقول من البلاد الاسلامية) وتوظيف من يتفقد المظالم ، والمفاسد ( قاضي الحسبة ) أو غير ذلك ما يؤثر على راحة الأمة ايجابا.

     ثالثاً : العمل على حمايتها من أي اعتداء داخلي أو خارجي ، ففي الداخل ينظر باستمرار في أعمال الولاة ، وفي أعمال القادة ، ويحاسبهم محاسبة دقيقة ، ولا يتوانى عن إزالة أي خطر يتهدد وحدة الأمة ، أو وحدة بلاد المسلمين ، ولو كان بالبتر والقطع ، أي بإعلان الحرب على كل من تسول له نفسه شق عصا الطاعة من حرابة او انسلاخ عن الدولة كما ورد في الحديث حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِى يَعْفُورٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِى الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى شَيْبَةَ ، كما حصل مع المرتدين عن الإسلام في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه .

    واما ما نراه اليوم ونعيشه من تواطؤ الغاشم مع الكافر للنيل من الامة الاسلامية لاركاعها واخضاعها وتفتيتها تحت شعارات القومية والوطنية والاثنية وحق تقرير المصير وغيرها من الشعارات ليسهل عليه سلبها ثروتها تحت قوانين الامتيازات وحقوق التنقيب وغيرها,فليس هذا من الغش بل هو اشتراك مع الكافر لقتل الامة.

 
حديث رمضان 11

جواد عب المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات