الفقر وسياسة الافقار



الفقر وسياسة  الافقار


ان الفقر هو حالة تجتاح الانسان كاليسر والعسر والصحة والمرض والفرح والغم والانقباض والانشراح ولا تبقى حال الانسان على حال فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ ، وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ ، وَعَذَابِ النَّارِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا ، كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ َالْمَغْرِبِ )  خرجه البخاري.

ان الفرق بين مفهوم الفقر والافقارهو ما نحن بصدده لبيانه, فيشير مفهوم الفقر الي عجز الفرد أو الأسرة عن تلبية حاجياته الضرورية في العيش الكريم في حدوده الدنيا بسبب عدم القدرة علي تملك وسائل الآنتاج مثل الارض أو فقدان العمل أو عدم القدرة علي العمل لآي سبب كالمرض مثلا . وفي هذه الحال يصير الانسان فقيرا لانه لا يقدر على الأنتاج والعمل والكسب لتلبية حاجياته الضرورية,ونستقبله كمسلمين على انه من القضاء وان الله عز وجل هو القابض الباسط وانه هو الرزاق ذو القوة المتين.

 أما الافقار فهو أن تتوفر للأنسان وسائل الانتاج من أرض و زرع و حيوانات وقدرة علي العمل وعملا يعمل فيه ويكسب من ورائه , لكن علي الرغم من ذلك لا يستطيع توفير حاجياته الضرورية وحاجيات اسرته للعيش الكريم بل أن جل كسبه ومردود عمله يذهب لجهات أخرى تمتص ما يكسب وتتركه نهبا لعاديات الأيام وقد يضطر الى العمل فى عدة جهات على حساب صحته وراحته في محاولة لسد الثغرات ولا يستطيع, وناخذ السودان مثلا فانه وبرغم مساحته ووفرة الماء ومناخه الدافىء ونشاط اهله فان نسبة الفقر تصل الى 95% من عدد السكان يعيشون تحت خط الفقرمع الاسف , واليمن(الذي كان سعيدا كذلك) اذ ان اكثر من ربع سكانه يعانون من حالة الفقر المدقع وهم قرابة الخمسة ملايين وليس هذا فقط وانما تتحدث المنظمات(اليونسيف) اليوم(23\5\2012)ان اكثر من مئتي الف طفل في اليمن مهددون بالموت بسبب سوء التغذية,فاليمن السعيد ليس فقيرا وانما هنالك من افقره واوصله لهذه الحالة,وقس على ذلك جل بلاد المسلمين.

أن سبب الظلم الاقتصادي المتفشي في عالم المسلمين  يكمن في النظام المطبق عليهم فالجور والظلم ملموس في الفقر المدقع الذي أحاط بالأمة في معظم بلدانها إن لم يكن جميعها ، إلا عند فئة قليلة ممن تتحكم في رقاب العباد وأرزاقهم من حكام واصحاب نفوذ فان سياسة افقار الامة والتي يمارسها الغاشم من فرض للضرائب واحتكار للسلع ووهب الامتيازات لفئة دون اخرى قد افسد الامة حتى تفشى بسبب هذا وذاك في الأمة آفة الفقر ، فكثر بين الناس الجوع والهلع ، وانتشرت فيهم السرقة والاختلاس والنصب والاحتيال والرشوة وغير ذلك من الآفات . وكل هذا مرده إلى النظام الاقتصادي المهترئ المطبق على الأمة في كل دويلاتها حتى تظل الامة في وضع لا تستطيع التفكير الا بلقمة العيش.

اننا ان رضينا بالفقر لانه من الله ولا اعتراض على قضائه فهذا لا يعني ان نرضى عن سياسة الافقار التي تمارس ضدنا فنعتبرها من القضاء,بل واجب شرعي علينا العمل الجاد لرفع الظلم عنا ليس لبحبوبة العيش كما في الدول الغربية وانما لكوننا وجدنا في هذه الدنيا لعبادة ربنا وحمل دعوته في حالة الفقر وحالة الغنى,وبحبوبة العيش في مفاهيمنا ان نستظل بظل دولتنا.

ان الغاشم حين مارس سياسة الافقار ضدنا فانه وبنفس الوقت قد عمل على تركيز الثروة في يد الملأ من اتباعه ومناصريه ,وذلك بتيسير الامور لهم ومنحهم الامتيازات التي تساعدهم على ذلك وقد وجدت على الانتر نت امثلة اود ان اقدم لكم واحد منها فقط :- أجمل مزرعة في السعوديه تقع في محافظة القويعية غرب الرياض وهي للامير خالد بن سلطان بن عبد العزيز شيء ولا في الخيال صور فوق الوصف وهذه بعض المعلومات عن المزرعة                        :
يطوق المزرعة (لاحظوا يطوق) 70 ألف شجرة  بها 12526 نخلة تنتج 618 طنا من التمور فيها 31900 أشجار موالح تنتج سنوياً 700 طنا من البرتقال 400 طنا من الليمون بها مئات البيوت المحمية تنتج 650 طنا من الطما طم و 1200 طنا من الخيارتنتج 4000 طنا من التبن  أكرمكم الله فيها 300 ألف زهرة   إنتاج عشرة آلاف نبته داخليه  توفر أكثر من مليون شتله سنوياً  يوجد بها 70 خلية نحل تنتج طن من العسل سنوياً تنتج سنوياً مليون وسبعمائة ألف طائر سمان  تنتج 16 ألف دجاجة سنوياً . بها 35 ألف رأس من الماشية تنتج 18 ألف رأس سنوياً . بها مصنع كامل للتغليف والتعبئة . بها حديقة حيوان برية بها متحف للأسلحة والسيوف  يعمل بها 600 عامل . يوجد بها 25 بئراً . بها قصور وفلل وسكن عمال ومسجد ومركز طبي وناد رياضي وترفيهي ومطار صغير.)اننا لا ننكر الغنى ولكن هل الكيف الذي تملك بموجبه ما تملك موافقة لامر الله ونهيه ....؟؟؟.

لقد حث الاسلام على العمل فقال صلى الله عليه وسلم (لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق به ويستغني به عن الناس خيرٌ من أن يسأل رجلاً أعطاه أو منعه ذلك بأن اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى وابدأ بمن تعول)الجمع بين الصحيحين فالفقر هو الاحتياج لما هو من ضرورات الحياة حسب حاله وامثاله، وسواء عرف الفقير بانه من لا يملك شيئا، او عرف الفقير بانه من كان يملك اقل من حاجته.

 ان الفقر هو الاحتياج ,ويتساوى في هذا الامر من ملك مالا ومن لم يملك المال اذا جمعهما الاحتياج,فالتاجر الذي توسع في تجارته اكثر من حجمه والتزم لغيره ويسابق الزمن يقترض من هذا ويستلف من ذاك ليسد ثغرة لشك التزم به او لدفعة ثمنا لبضاعة يرجو رواجها فهو فقير وان ملك لاحتياجه الدائم وهلعه ومن جميل ما قرأت عن الخليل بن احمد الفراهيدي رغم هذا العلم الغزير وتلك العقلية الخلاقة المبتكرة المتجاوزة حدود الزمان والمكان ظل الفراهيدي زاهداً ورعاً واسع العلم فلا يوجد عالم لغوي أتفق المؤرخون على نبل أخلاقة وسماحه روحه كما اتفقوا على الخليل فصار حقا ابن الأمة المسلمة التي أثر فيها فكراً وسلوكا وخلقاً, فرغم غزارة علمه فقد تميز الفراهيدي على سابقيه ولاحقيه وتفرد بين اترابه بالزهد فقد أقام الخليل في خُص له بالبصرة لا يقدر بفِلْسَين وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال، فأرسل إليه سليمان بن علي -والي منطقة البصرة- ليأتيه يؤدب ولده، فأخرج الخليل خبزًا يابسًا، وقال ما عندي غيره وما دمت أجده فلا حاجة لي في سليمان، ثم قال لرسول سليمان:                               


أبلغ سليمان أني عنه في سعة

 
وفي غنى غير أني لستُ ذا مال


والفقرُ في النّفس لا في المال تعرفه

 
ومثل ذاك الغِني في النفس لا المال


                          

لقد اوجب الاسلام على الدولة تحقيق اشباع الحاجات الاساسية لكل فرد بعينه من ماكل ومسكن وملبس, واوجب كذلك اشباع الحاجات الاساسية للرعية , وهي الامن والتطبيب والتعليم , فتحفظ الدولة امن الجميع وتؤمن التطبيب والتعليم للجميع , لا فرق بين غني وفقير ولا بين موظف وغير موظف , وتدفع جميع النفقات المترتبه على ذلك من بيت المال اي من خزينتها

وباشباع الحاجات الاساسية من ماكل وملبس ومسكن لكل فرد بعينه اشباعا كاملا وحقيقيا بالمعروف , لا فرق بين محمد وجورج ولا بين فاطمة وجورجيت وتمكين كل فرد من اشباع حاجاته الكمالية بتسهيل الحصول عليها , وباشباع الحاجات الاساسية للامة ايضا من امن وتطبيب وتعليم, يقضي على الفقر قضاء حقيقيا ويسار بالمجتمع نحو الرفاهية الحقة

واما الفقر عند الراسمالية فانه بني على مفاهيم الاقتصاد فان ما عانته اوروبا من ظلم الاغنياء والتفاوت الفاحش بين الناس في العيش، قد اوجد عند المفكرين فكرة توفير المال للناس يأخذونه بمقدار قدرتهم على تحصيله وتوصلوا الى ان المشكلة الاقتصادية هي الندرة للمال، اي عدم كفاية المال الموجود لحاجات الناس المطلوبة، ومن هنا كان الفقر هو حاجة البلاد للمال وليست حاجة افراد الناس له، فصار الفقير هو المجتمع حسب فهمه وليس الافراد، اي هو مجموعة الناس وليس افراد هؤلاء الناس، وبناء على ذلك انصب التفكير على ايجاد المال في البلد بكميات تكفي لحاجات مجموعة الناس، وليس توفير حاجة كل فرد من الناس.

ان صندوق النقد الدولي هو اداة الكافرلافقار الشعوب ولكنه يقدمها كعلاج ، ولكن الدواء يودي بحياة المريض ومثاله أندونيسيا حيث تردى الوضع الاقتصادي (بعد وصفة العلاج) من نمو بنسبة 10% إلى تراجع اقتصادي بنسبة 15% خلال عام واحد فقط وبحلول نهاية عام 1999 كان أكثر من نصف سكان أندونيسيا أي ما يقارب 100 مليون نسمة على مستوى خط الفقر أو دونه ولا أمل يلوح في الأفق حتى الآن ، وعندما شكك سوهارتو في نجاعة وصفة العلاج أرسل كلنتون رسالة تخلو من اللباقة معززة بمكالمة هاتفية مع وفد من كبار المسؤولين ومن بينهم ويليام كوهن وزير الدفاع الأمريكي في منتصف كانون الثاني من عام 1998 يقول فيها "إن الاستقرار في أندونيسيا وهي الدولة التي يعيش على أرضها 198 مليون نسمة له أولوية حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة وإن ذلك الاستقرار يعتمد على قبول سوهارتو شروط صندوق النقد الدولي وأن يقبل الدواء المر الذي وصفه الصندوق للشعب الأندونيسي والأخذ به كأمر مسلم كما لو كان من السماء" عن مجلة نيوزويك في 2/2/1998 صفحة 38 .

إنه من التضليل الفكري أن يقال إن الفقر قضية اقتصادية، لأن هذا يعني أن الفقر هو سبب انحطاط الأمة، والغنى هو سبب رفعتها، وهذا باطل لا شك فيه. فالغنى لا ينهض بالفرد ولا ينهض بالأمة، لأن النهضة هي الارتفاع الفكري، والنهضة الصحيحة هي الارتفاع الفكري على الأساس الروحي، فإذا وجدت الأفكار وجدت النهضة، وإذا عدمت الأفكار كان الانحطاط. فإذا دمرت ثروة الأمة المادية فسرعان ما يمكن تجديدها ما دامت الأمة محتفظة بثروتها الفكرية، أما إذا تداعت الثروة الفكرية وظلت الأمة محتفظة بثروتها المادية فسرعان ما تتضاءل هذه الثروة وترتد الأمة إلى حالة الفقر.

ان الفقر ليس مبرّراً للتذمّر عند المؤمن والمؤمنة بل في معظم الأحيان يكون الصبر على الفقر طريقاً للجنّة وإذا أدرك المؤمن أنّ الرزق من الله يؤتيه من يشاء بقيت حياته في الدنيا نعيماً رغم فقره ونال الجنّة بصبره على مرارة عيشه. وإن لم يصبر تحوّلت حياته إلى جحيم وكان تذمّره طريقاً إلى جهنّم في الآخرة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن سرّك اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب، وإيّاك ومجالسة الأغنياء، ولا تستخلفي ثوباً حتى ترقعيه". أخرجه الترمذي. وزاد رزين فقال: قال عروة: فما كانت تستجدّ ثوباً حتى ترقع ثوبها ولقد جاءها يوماً من عند معاوية ثمانون ألفاً، فما أمسى وعندها درهم. فقالت جاريتها: فهلا اشتريت لنا منها بدرهم لحماً؟ فقالت رضي الله عنها: لو ذكرّتني لفعلت.

وعن عبد الله ابن أخت مسلم بن سمعدان أنّه قال: أردتُ الحجَّ فدفع إليَّ خالي عشرةَ آلافِ درهم وقال لي: إذا قدمتَ المدينة فانظر أفقر أهل بيت في المدينة فأعطهم إيَّاها. فلمّا دخلتُ سألتُ عن أفقر أهل بيتٍ في المدينةِ فدللتُ على أهل بيتٍ فطرقتُ البابَ فأجابتني امرأةٌ: مَن أنتَ؟ قلتُ: رجلٌ من أهل بغداد أودعتُ عشرةَ آلاف درهم وأُمرتُ أن أسلِّمها إلى أفقر أهل بيتٍ بالمدينة وقد وُصفتم لي فخذوها فقالت: يا عبد الله إنّ صاحبك اشترطَ أفقر أهل بيتٍ وهؤلاء الذين بإزائنا أفقر منّا. فتركتهم وأتيت أولئك فطرقتُ الباب فأجابتني امرأة فقلت لها ما الذي قلتُ لتلك المرأة فقالت: يا عبد الله نحن وجيراننا في الفقر سواء فاقسمه بيننا وبينهم.

ان تطبيق الحكم الشرعي رحمة للمسلمين . قال عليه الصلاة والسلام (لأن يقام حد في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا)سنن ابن ماجه وقال تعالى {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون}البقرة 179 فإذا كان الخير في العمل بحكم واحد من أحكام الله يعادل الخير الذي يحصل من نزول المطر أربعين صباحا ، فكيف يكون الخير فيما لو كان العمل بكل أحكام الله ، لذلك لا عجب ولا غرابة أن نرى أن الخير أخذ ينقص عن أمتنا وينتابها الفقر والجوع منذ تركنا العمل بكتاب الله ، وكلما ازددنا بعدا ازددنا فقرا وقحطا . لقد خسرت أمتنا كل هذا الخير منذ توقفت عن العمل بكتاب الله ، هذا في الحياة الدنيا ، وأما في الآخرة فخسرانها وعذابها أشد وأعظم . قال سعيد بن جبير : إني لأعرف آية ما قرأها أحد قط فسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ، قوله تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } الزمر46 .

 
حديث رمضان 11

جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات