عالم وتلميذ
ان العلامات الفارقة بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة
ونعني بعلماء الدنيا علماء السوء الذين قصدهم من العلم التنعم بالدنيا والتوصل إلى
الجاه والمنزلة عند أهلها قال صلى الله عليه وسلم " إن أشد الناس عذاباً
يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه " رواه ابن عساكر عن أبى هريرة , قال سفيان : إن أنا عملت بما أعلم فأنا
أعلم الناس وإن لم أعمل به فليس في الدنيا أجهل مني, وقال أبو الدرداء : لا يكون المرء
عالما حتى يكون بعلمه عاملا, فالعلم علمان: علم على اللسان فذلك حجة الله تعالى على
خلقه وعلم في القلب فذلك العلم النافع . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم:"فقيه واحد أشد على الشيطان من آلف عابد".رواه الترمذي وابن ماجة. وعن أبي بكر رضي الله عنه قال:سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم يقول:"أُغد عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً، ولا
تكن الخامس فتهلك والخامس أن يبغض العلم وأهله "رواه الطبراني.
أن المتعلم لا بد ان يتأدب بآداب طلب العلم وكيفية
التعامل مع العلماء, لانها أدب مع الله سبحانه
وتعالى وتعظيم لشعائره، في قوله تعالي:" ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ
اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" (32) الحج,وتوقير حملة العلم الشرعي وحماته من توقير الله
سبحانه وتعالى قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يجل كبيرنا،
ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه"رواه أحمد ، والطبرانى.
وتوقير العالم سنة ماضية:- قال طاووس بن كيسان:"
من السنة أن يوقر أربعة: العلم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد". قال الشعبي:
صلي زيد بن ثابت رضي الله عنه علي جنازة ثم قربت له بغلة ليركبها، فجاء ابن عباس فأخذ
يركبه، فقال له زيد: "خل عنك بابن عم رسول الله، فقال ابن عباس رضي الله عنهما:
هكذا يفعل بالعلماء والكبراء". قال الناظم:
وقر مشايخ أهل العلم قاطبة حتى
توقر إن أفضى بك الكبر
واخدم أكابرهم حتى تنال به مثلا إذا ما شارف العمر
وروى نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم (الاقتصاد فى النفقة نصف المعيشة والتودد إلى الناس نصف العقل وحسن السؤال
نصف العلم)رواه الطبرانى فى الأوسط ، وابن عساكر وهذه قصة استاذ وتلميذه تشرح ما نحن بصدده:
روي عن حاتم الأصم - تلميذ شقيق البلخي رضي الله عنهما - قال الذهبي في العبر: حاتم
الأصم أبو عبد الرحمن الزاهد صاحب المواعظ والحكم.. وكان يقال له لقمان هذه الأمة.
أنه قال له: شقيق منذ كم صحبتني قال حاتم: منذ ثلاث وثلاثين سنة قال: فما تعلمت
مني في هذه المدة قال: ثمان مسائل قال شقيق له: إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب عمري
معك ولم تتعلم إلا ثماني مسائل قال: يا أستاذ لم أتعلم غيرها وإني لا أحب أن أكذب,
فقال هات هذه الثماني مسائل حتى أسمعها قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد
يحب محبوباً فهو مع محبوبه إلى القبر فإذا وصل إلى القبر فارقه فجعلت الحسنات محبوبي
فإذا دخلت القبر دخل محبوبي معي.
فقال: أحسنت يا حاتم فما الثانية فقال: نظرت
في قول الله عز وجل " وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ
عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)النازعات فعلمت أن قوله سبحانه وتعالى هو الحق فأجهدت
نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى.
الثالثة أني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل من معه
شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه ثم نظرت إلى قول الله عز وجل " مَا عِنْدَكُمْ
يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) النحل فكلما وقع معي شيء له قيمة ومقدار وجهته إلى الله
ليبقى عنده محفوظاً.
الرابعة: أني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد
منهم يرجع إلى المال وإلى الحسب والشرف والنسب فنظرت فيها فإذا هي لا شيء ثم نظرت إلى
قول الله تعالى " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات فعملت
في التقوى حتى أكون عند الله كريماً.
الخامسة: أني نظرت إلى هذا الخلق وهم يطعن بعضهم
في بعض ويلعن بعضهم بعضاً وأصل هذا كله الحسد ثم نظرت إلى قول الله عز وجل
" أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
الزخرف فتركت الحسد واجتنبت الخلق وعلمت أن القسمة من
عند الله سبحانه وتعالى فتركت عداوة الخلق عني.
السادسة: نظرت إلى هذا الخلق يبغي بعضهم على بعض
ويقاتل بعضهم بعضاً فرجعت إلى قول الله عز وجل " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ
عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ
السَّعِيرِ (6) فاطر فعاديته وحده واجتهدت في أخذ حذري منه
لأن الله تعالى شهد عليه أنه عدو لي فتركت عداوة الخلق غيره.
ا لسابعة: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم
يطلب هذه الكسرة فيذل فيها نفسه ويدخل فيما لا يحل له ثم نظرت إلى قوله تعالى
" وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ
مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) هود فعلمت أني واحد من هذه الدواب التي على الله رزقها
فاشتغلت بما لله تعالى علي وتركت ما لي عنده.
الثامنة: نظرت إلى هذا الخلق فرأيتهم كلهم متوكلين
على مخلوق, هذا على ضيعته وهذا على صحة بدنه
وكل مخلوق متوكل على مخلوق مثله فرجعت إلى قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ
لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) الطلاق فتوكلت
على الله عز وجل فهو حسبي قال شقيق: يا حاتم وفقك الله تعالى.
وقال حاتم الأصم رحمه الله ليس في القيامة أشد حسرة
من رجل علم الناس علماً فعملوا به ولم يعمل هو به ففازوا بسببه وهلك هو.
وقال مالك ابن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه
زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا.
يا واعظ الناس قد أصبحت متهماً إذ
عبت منهم أموراً أنت تأتيها
أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهداً فالموبقات
لعمري أنت جانيها
تعيب دنياً وناساً
راغبين لها وأنت
أكثر منهم رغبة فيها
جواد عبد المحسن
حديث رمضان -12
0 تعليقات