(وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)

(وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران : 159

الفَظّ : السيء الخلق ، الجافي الطبع  رجل فظّ  شديد غليظ القلب يقال منه ( فَظَّ ) ( يَفَظُّ ) من باب تعب ( فَظَاظَةً ) إذا غلظ, ورجل فَظٌّ ذو فَظاظةٍ جافٍ غليظٌ في مَنطقِه غِلَظٌ وخشونةٌ, والفَظُّ ماء الكرش يُعتصر فيُشرب منه عند عَوَزِ الماء في الفلوات وبه شبه الرجل الفظ الغليظ لغِلَظِه وقال الشافعي إِن افتظَّ رجل كرش بعير نحره فاعتصر ماءه وصَفَّاه لم يجز أَن يتطهر به, وقيل الفَظُّ الماءُ يخرج من الكرش لغلظ مَشْرَبِه والجمع فُظوظ قال الشاعر:
كأَنهُمُ إِذْ يَعْصِرون فُظوظَها       بدَجْلةَ أَو ماءُ الخُرَيبةِ مَوْرِدُ
َو ماء الخُرَيْبةِ مَوْرِدٌ لهم يقول يستبيلون خيلَهم ليشربوا أَبوالها من العطش فإِذاً الفُظوظُ هي تلك الأَبوال بعينها, فَظُعَ: الأمر ( فَظَاعَةً ) جاوز الحدّ في القبح فهو ( فَظِيعٌ ) و ( أَفْظَعَ ) ( إفظَاعاً ) فهو ( مُفْظِعُ ) و ( أُفِظعَ ) الرجل بالبناء للمفعول نزل به أمر شديد.
والغلظة مجاز عن القسوة وقلّة التسامح ، كما كان اللين مجازاً في عكس ذلك ، وقالت جواري الأنصار لعمر حين انتهرهنّ ( أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله ) يردن أنت فظّ وغليظ دون رسول الله . وفي قوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)الاعراف199ضابط عظيم لمقدَار تخصيص الأمر بالعفو,  ثم العفو عن المشركين المقصود هنا أسبقُ أفراد هذا العموم إلى الذهن من بقيتها ولم يَفهم السلف من الآية غير العموم ففي ( صحيح البخاري ) عن ابن عباس قال ( قدِم عُيينة بن حصن المدينة فنزل على ابن أخيه الحُر بن قَيس ، وكان الحُرُ بن قيس من النفر الذين يُدنيهم عمر ، وكان القراءُ أصحاب مجالس عمر ومشاورته ، فقال عُيينةُ لابن أخيه لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه فأستأذن الحُر لعُيينة فأذِن له عمر ، فلما دخل عليه قال ( هِيهْ يابنَ الخطاب ما تُعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل ) فغضب عمر حتى همّ أن يُوقِع به فقال له الحُر : ( يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه : ( خذ العفو وأمُر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، واللَّهِ ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقّافاً عند كتاب الله.
تقتضي مهمة الرسول أن يتعامل مع أصناف مختلفة من البشر يمثلون مجمل الخصال البشرية حسنها وسيئها ونتيجة لطبيعة دعوته فإن الرسول مأمور بتبليغ ما أرسل به للناس ، وذلك يستلزم ضرورة أن يمكث فيهم ويصبر على أذاهم ويحتمل كل أنواع المضايقات التي تصدر من كثير منهم . وقد لبث نبي الله نوح عليه السلام 950 سنة يدعو قومه بالحوار والمجادلة الحسنة فما آمن معه مع ذلك إلا قليل وقال الله تعالى حكاية عنه { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) }نوح, وهكذا بقية الرسل عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم . فإذا كان الأمر كذلك لزم أن يكون الرسول على قدر عال من الكمال الخلقي حتى يصبح أهلا لتبليغ رسالته مع ما يلاقيه من المكاره .
لقد بلغ الأنبياء عليهم السلام مبلغا عظيما في الأخلاق حتى أثنى الله تعالى عليهم بقوله : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) }الاعراف, وقال الله تعالى في وصف إبراهيم { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) }التوبة, وقالت ابنة شعيب عليه السلام تصف موسى في قول الله تعالى { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26 }القصص, وقد ذكر الله تعالى أن الملائكة بشرت مريم عليها السلام بعيسى { وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) } مريم, وقال الله تعالى في وصف محمد صلى الله عليه وسلم : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) }القلم, وقال تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }آل عمران 159,
ولو لم يكن الرسل عليهم السلام على كمال الأخلاق لما انقادت لهم الجموع البشرية ذلك أن الناس لا ينقادون عن رضى وطواعية لمن فحش خلقه وضاق صدره وكثرت نقائصه وقلت فضائله . ومن تصفح سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يجد المثال الأعلى للكمال الأخلاقي عند الرسل حتى إن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم وصفته حين سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت للسائل : « ألست تقرأ القرآن قال نعم قالت كان خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن » ولا شك أن جميع الرسل كانوا مثالا راقيا للكمال الخلقي بمدح الله لهم في القرآن .
إن المؤمنين بالرسل يكونون جماعة, والجماعة لا يستقيم لها أمر إلا أن تكون تحت إمرة قائد تدين له بالطاعة وتوكل إليه تدبير شؤونها ورعاية مصالحها وتحقيق غاياتها وأهدافها, ولما كان الرسول هو رمز الأمة وهاديها في شؤون دينها إلى ربها لزم أن يكون قائدها في شؤون دنياها حتى لا تنفصم عراها وتوهن قواها بالصراع الموهوم بين السلطة الدينية والسلطة السياسية وفصل الدين عن الحياة وما شاكلها من الدعوات البراقة, فالرسول يؤسس لرعاية الشؤون جميعا بهدى من الوحي كما قال الله تعالى لداود عليه السلام { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ }ص 26, وقال الله تعالى{ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ }المائدة44, وقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ }المائدة49, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي قام نبي »الجمع بين الصحيحين,
    والأنبياء في سياستهم هذه يمتازون بالآتي :
1- أنهم لا يعبرون بمواقفهم وسياستهم عن أهوائهم وتصوراتهم الخاصة بل هم في ذلك منقادون لوحي الله تعالى العليم الخبير بشؤون عباده قال الله تعالى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) }النجم, وقال الله تعالى : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }المائدة50, فما يدعون الناس إليه من مثل وقيم ومبادئ وسلوك عملي ليسوا متأثرين برؤيتهم الشخصية كالزعماء والمصلحين العاديين ولا بالقصور البشري الذي يعتري أفهام البشر وسلوكهم .
2- أن دعوتهم لا تتعلق بالحلول الجزئية والمشكلات العارضة, وإنما هي لتغيير المفاهيم المغلوطة المخالفة لفطرة الانسان وعلاج الداء لاجتثاثه من أصله,فالله الذي خلق الانسان اعلم بما يصلحه وصدق الله العظيم(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)الملك,فالخالق هو العالم بطبائع النفوس البشرية .
3- إن الحلول التي يقدمها الرسل ليست حلولا نظرية أو تصورات عقلية مجردة كما يفعل الفلاسفة وإنما هي مناهج عملية منزلة من لدن حكيم خبير عليم بأحوال البشر والمجتمعات البشرية كما قال الله تعالى : { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14, ولذلك قدم الرسل نماذج راقية في قيادة المجتمعات إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة . وهذا النجاح مكفول لكل من سلك سبيل الأنبياء في هديهم وقيادتهم للأمم قال الله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا }النور55.
4- إن الأنبياء في سياستهم يمثلون القدوة الصالحة لأممهم حيث تتمثل مبادئهم وقيمهم في سلوكهم وسياستهم فهم يرتفعون عن النقائص والعيوب الشائنة التي تشوب المصلحين العاديين بما فيهم من بذور حب التزعم والسيطرة والاستغلال والتسخير للمصالح الشخصية وغير ذلك من النقائص وقد وصف الله رسوله صلى الله عليه وسلم مثنيا عليه وعلى المؤمنين بقوله{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }آل عمران159.
إن الأنبياء وهم يسوسون رعيتهم لا يجعلون حياتهم منصرفة لمتاع الدنيا أو التعلق الشديد بالماديات غافلين عن النواحي الروحية ، بل يذكّرونهم بالله تعالى ويربطون قلوب العباد بخالقهم فتسموا نفوسهم وتصفوا قلوبهم وترقى غاياتهم كما قال الله تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) 77القصص, وقد ترسخت هذه القيم العالية والأهداف السامية حتى إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلوها ضمن أهدافهم عند دعوة عباد الله تعالى في الأرض إلى دين الله تعالى فهذا : ( ربعي بن عامر حين دخل على كسرى عظيم الروم عندما سأله كسرى : من أنتم ؟ فأجابه لقد بعثنا الله تعالى لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن ظلم الحكام إلى عدل الإسلام ) ثم إن خلفاء الرسل يخلفونهم في تولي شئون العباد فيحكمون بمنهج الرسل ويسوسون الناس على سنن من هديهم كما قال الله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ 105 }الانبياء, والذين يتولون الأمر من بعد الرسول يجب عليهم الالتزام بقواعد الشرع في سياساتهم وأن يتبعوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فعن عرباض بن سارية ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وعضوا عليها بالنواجذ » مشكل الآثار للطحاوي, فطاعة أولي الأمر ليست طاعة مستقلة بل هي تبع لطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومقيدة بها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة »رواه مسلم, وروى الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِى ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم« إِنَّهُ سَيَلِى أَمْرَكُم قَوْمٌ يُطْفِئُونَ السُّنَّةَ ، وَيُحْدِثُونَ بِدْعَةً ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا ». قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : فَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُهُمْ؟ قَالَ :« يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ لاَ طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ ». قَالَهَا ثَلاَثًا »رواه البيهقي في السنن, فهذه القيادة ليست حكما يقوم على مفهوم ( الدولة الدينية ) المستقرة في أذهان الغرب نتيجة لترسبات تاريخية سابقة عن فترة كنسية مرتبطة بظروفها التاريخية والموضوعية وإنما الدولة في مفهوم الإسلام تقوم على أسس ومبادئ وقيم يلتزم بها كل من الحاكم والمحكوم وليس لحاكم عصمة في أن يفعل مايشاء أو أن يتفرد بسلطة التشريع بالنيابة عن الله تعالى ولا يتحكم في رقاب العباد باسم الوصاية والولاية على الشعب ، بل هو مأمور بالمشاورة وأخذ الرأي في القضايا التي تمس جموع الأمة ويلتزم فيها برأي الجماعة ولو كان رأيهم خلافا لرأيه هو كما قال الله تعالى آمرا رسوله عليه الصلاة والسلام : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }آل عمران 159, وقال تعالى : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }الشورى 38,
قال أنس -رضي الله عنه-: (خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين فما قال لي أف قط ولا قال لي شيء فعلته لم فعلت هذا ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته وكان أحسن الناس خلقًا, وما مسست خزًا ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا شممت مسكًا ولا عطرًا أطيب من عرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-).

وقالت خديجة -رضي الله عنها- عندما جاءها في أول بدء الوحي خائفًا: كلا والله لا يخزيك الله أبدًا: إنك لتصل الرحم وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين على النوائب.

جواد عبد المحسن
حديث رمضان -12 

إرسال تعليق

0 تعليقات