(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد) (الحشر18)

   فرق العلماء بين الأذكياء والأغبياء، فالفرق أن الأغبياء يعيشون الماضي، والأذكياء يعيشون المستقبل، ووازن أنت بين إنسانيين إنسان يفكر في مواجهة التحديات المستقبلية، وإنسان يتغنى بالماضي وواقعه سيئ جداً، أيهما أذكى ؟ فالله عز وجل في هذه الآية يلفت نظرنا ليسأل كل واحد منا نفسه, هل أعددت العدة لساعة الموت ؟ هل أعددت العدة ليوم تنتقل من بيت إلى قبر ؟ هل أعددت العدة حينما تنقطع الشهوات كلها ؟ لا زوجة، ولا أهل، ولا أولاد، لا يوجد إلا القبر، وهذا القبر سوف نرده ونسكنه فلا ينكر الموت احد , البطولة والكياسة والذكاء أن تعد العدة للغد وأن تعيش المستقبل، فأن تعيش المستقبل دليل رجاحة العقل، وأن تعيش الماضي دليل ضيق الأفق فاعمال العقل في الماضي لا يغير الواقع، فالانسان اذا ألمّ به الم من أسنانه مثلا اذا تذكر ألف وليمة أكل منها أطيب الطعام فهذا التذكر لا ينهي الألم الحالي ؟ فالبطولة أن تعيش المستقبل.
اننا في حياتنا الدنيا نحصي بضاعتنا وما نكسبه او ما نخسره بعد كل صفقة او في بداية كل شهر وما هو مطلوب منا وما يمكننا ان نوفره اوما ندخره,وهذه الاعمال جزء من حياتنا اليومية ويحصل اليسر تارة والعسر تارة,ويشغل هذا الامر من وقتنا وتفكيرنا,القليل او الكثير من الوقت في خضم هذه الحياة التي صبغتها المادية بصبغتها,وننشغل بما نحن فيه عما نحن مقبلون عليه ومع الاسف فلا يشغل ما نحن مقبلون عليه عشر حيز ما نحن فيه,فكان لا بد من وقفة تدبر وتفكر في خضم هذه الحياة حتى لا ننجرف بتيار الحياة ويحرفنا عما خلقنا اصلا من اجله فنقلق لاجل ذرياتنا وبناتنا واولادنا وننسى في لجة قلقنا عليهم انفسنا.
ان ذكر ما ترك من مال وعقار واراضي هو ما يتداوله القوم حين وفاة احدهم وان ورثته سوف يستمتعون بما ترك ,واما ذكر ما قدم لنفسه فلا يكاد ان يذكر والاصل ان يعمل الانسان لنفسه ويقدم لها ,فلا يعمل للغير,ولا تخدعه الدنيا ورحم الله شوقي حين وصف الدنيا قال:
           لها نظر القيان الى غبي            ولي نظر الذكي اذا تغابى
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ , قَالَ ( جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا لِي لا أُحِبُّ الْمَوْتَ ، قَالَ : " هَلْ لَكَ مَالٌ ؟ " ، قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَقَدِّمْ مَالَكَ بَيْنَ يَدَيْكَ " ، قَالَ : لا أُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَإِنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَالِهِ ، إِنْ قَدَّمَهُ أَحَبَّ أَنْ يَلْحَقَهُ ، وَإِنْ خَلَّفَهُ أَحَبَّ أَنْ يَتَخَلَّفَ مَعَهُ ) .
وروى ابن حميد ، حدثنا حكام بن سلم ، عن عمرو بن أبي  قيس ، عن عبد ربه ، أن الحسن كان يقول : ابن آدم ، صاحب الدنيا ببدنك ،  وفارقها بهمك وقلبك ، فإنك موقوف على عملك ، فخذ مما في يديك لما بين  يديك ، وعند الموت يأتيك الخبر . 
وروى الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - : قال : «يُقْرَأُ على الطفل فاتحةُ الكتاب، ويقول : اللهم اجعله سَلَفا وفَرَطا وذُخرا وأجْرا». أخرجه البخاري
سلفا وفرطا : إذا مات للإنسان ولد صغير قيل : جعله الله لك سلفا وفرطا ، فالسلف : من سلف المال في المبيعات ، كأنه قد أسلفه وجعله ثمنا للأجر والثواب ، والفرط ، المتقدم على القوم لطلب الماء ، أي جعله الله متقدما بين يديك ، وذخرا عنده.
وعن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" إني ضربت للدنيا مثلا ولابن آدم عند الموت مثله مثل رجل له ثلاثة أخلاء، فلما حضره الموت قال لأحدهم: إنك كنت لي خلا وكنت لي مكرما مؤثرا وقد حضرني من أمر الله ما ترى فماذا عندك؟ فيقول خليله ذلك: "وماذا عندي! وهذا أمر الله قد غلبني عليك ولا أستطيع أن أنفس كربتك ولا أفرج غمك ولا أوجر سعيك ولكن ها أنا ذا بين يديك فخذ مني زادا تذهب به معك فإنه ينفعك" ثم دعا الثاني فقال: إنك كنت لي خليلا وكنت آثر الثلاثة عندي وقد نزل بي من أمر الله ما ترى فماذا عندك؟ فيقول: "وماذا عندي! وهذا أمر الله قد غلبني ولا أستطيع أن أنفس كربتك ولا أفرج غمك ولا أوجر سعيك، ولكن سأقوم عليك في مرضك، فإذا مت أنقيت؟ غسلك وجددت كسوتك وسترت جسدك وعورتك"؛ ثم دعا الثالث فقال: نزل بي من أمر الله ما ترى وكنت أهون الثلاثة علي وكنت لك مضيعا وفيك زاهدا فماذا عندك؟ قال: "عندي أني قرينك وخليفك في الدنيا والآخرة، أدخل معك قبرك حين تدخله وأخرج منه حين تخرج منه، ولا أفارقك أبدا"؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا ماله وأهله وعمله، أما الأول الذي قال "خذ مني زادا" فماله، والثاني أهله، والثالث عمله" كنز العمال.

ومن أحسن هذه الأمثال وأبلغها وأعظمها تقريبا إلى الأفهام ما رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله - سبحانه - أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات ليعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ، وإنه كاد أن يبطئ بها ، فقال عيسى : إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم ، فقال يحيى : أخشى إن سبقتني أن يخسف بي أو أعذب فجمع الناس في بيت المقدس ، فامتلأ المسجد وقعدوا على الشرف ، فقال : إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن : أولاهن : أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق . فقال : هذه داري وهذا عملي ، فاعمل وأد إلي ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده ، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ؟ وإن الله أمركم بالصلاة ، فإذا صليتم فلا تلتفتوا ، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت ، وأمركم بالصيام ، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك ، وكلهم يعجبه ريحها ، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وأمركم بالصدقة ، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه ، فقال : أنا أفتدي منكم بكل قليل وكثير ، ففدى نفسه منهم ، وأمركم أن تذكروا الله ، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم ، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن : السمع ، والطاعة ، والجهاد ، والهجرة ، والجماعة ; فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه إلا أن يراجع . ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثاء جهنم ، قالوا : يا رسول الله وإن صلى وإن صام ؟ فقال : وإن صلى وإن صام ، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله } ، حديث صحيح .

جواد عبد المحسن

حديث رمضان -12 


إرسال تعليق

0 تعليقات