ضغان المنافقين

ضغان المنافقين

يقول تعالى: { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج اللّه أضغانهم}29محمد
الاضغان ما يضمر من المكروه,واختلف في معناه، فقال السدي: غشهم,وقال ابن عباس: حسدهم,وقال قطرب: عداوتهم، وأنشد قول الشاعر:
قل لابن هند ما أردت بمنطق     ساء الصديق وشيد الاضغانا
 وقيل: أحقادهم: أي يعتقد المنافقون أن اللّه لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين.
 بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمه ذوو البصائر، وقد أنزل اللّه تعالى في ذلك سورة المنافقين فبين فيها فضائحهم، ولهذا كانت تسمى الفاضحة، والأضغان جمع ضغن وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره، وقوله تعالى:{ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ }30 محمد ، يقول اللّه عزَّ وجلَّ: ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عياناً، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين، ستراً منه على خلقه، وحملاً للأمور على ظاهر السلامة، ورداً للسرائر إلى عالمها { ولتعرفنّهم في لحن القول}30 محمد أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم، يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول، كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللّه عنه: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها اللّه على صفحات وجهه، وفلتات لسانه، فعن الحسن قال : رأيت عثمان على المنبر قال أيها الناس اتقوا الله فى هذه السرائر فإنى سمعت رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  يقول والذى نفسى بيده ما عمل أحد عملا قط سرا إلا ألبسه الله رداء علانية إن خيرا فخير وإن شرا فشر)جامع الاحاديث, وقد ورد في الحديث تعيين جماعة من المنافقين، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم خُطْبَةً فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ فِيكُمْ مُنَافِقِينَ فَمَنْ سَمَّيْتُ فَلْيَقُمْ ثُمَّ قَالَ : قُمْ يَا فُلاَنُ ، ثُمَّ يَا فُلاَنُ ، ثُمَّ يَا فُلاَنُ , حَتَّى سَمَّى سِتَّةً وَثَلاَثِينَ رَجُلاً ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ فِيكُمْ ، أَوْ مِنْكُمْ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ قَالَ : فَمَرَّ عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ مِمَّنْ سَمَّى مُقَنَّعٍ قَدْ كَانَ يَعْرِفُهُ ، قَالَ : مَا لَكَ ؟ قَالَ : فَحَدَّثَهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، فَقَالَ : بُعْدًا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ)رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. . وقوله عزَّ وجلَّ: { ولنبلونكم} أي لنختبرنكم بالأوامر والنواهي { حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} ، وليس في تقدم علم اللّه تعالى بما هو كائن شك ولا ريب، فالمراد حتى نعلم وقوعه، ولهذا يقول ابن عباس في مثل هذا: إلا نعلم، أي لنرى.
قال سعود  الشريم في تغريدة له على موقع "تويتر: "لا تحزن لأنك رأيت في ديار الإسلام من يشمتون بمسلمين غزاهم عدوهم، بل اسجد شكرا لله إذ فضحهم (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم)"29 محمد. وكتب ايضا: "لا عجب أن تموت غيرة بعض المسلمين، لكن العجب أن يكون الجماد أغير منهم، ففي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي".
 ان الذين رجعوا الى الكفر بعد أن ظهر لهم طريق الحق والهداية ، انما زين لهم الشيطانُ الكفر واغراهم بالنفاق ، ومد لهم في الآمال الباطلة . ولقد جاءهم ذلك الضلال من جيرانهم اليهود من بني قريظة والنضير الذين كرهوا الاسلام والقرآن ورسالة الرسول الكريم . فهؤلاء المنافقون مالأوا اليهود فأطمعهم أولئك ببعض الامر ، والله يعلم اسرار المنافقين .
هذه الحيل وذلك النفاق وان نفعت في حياتهم فلن تنفع آخر الأمر . (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ }50محمد انها خاتمة سيئة ، ومشهد مخيف مفزع .
ان هذا الهول الذي سوف يرونه عند الوفاة انما سببُه أنهم اتّبعوا الباطل الذي لا يرضى الله عنه ، وكرهوا الحق الذي يرضاه ، فأبطل أعمالَهم جميعها .
قال ابراهيم بن الاشعث : كان الفضيل بن عياض ، شيخ الحرم واستاذ زمانه ، اذا قرأ هذه الآية بكى وقال : اللهمّ لا تبتلينا ، فإنك اذا بَلَوْتنا فضحْتَنا وهتكتَ أستارنا .
   ان من يتامل هذه الآيات الكريمات سيصل الى حقيقة كبيرة وعظيمة الا وهي ان الانسان (المريض) في عقيدته ومنهجه ودينه مهما تستر (زورا) بمنهج الاسلام الحق ودين الصدق الا ان الله سيفضحه لا محالة .
والاعجب من ذلك ان الذي سيفضح هذه الفئة المختبأة وراء عباءة (الوسطية) ومنهج اهل السنة والجماعة وشعارات تستهوي قلوب العامة من الناس هم انفسهم وبلسان حالهم ومقالهم سيكشفهم الله للعامة عاجلا وصدق الله العظيم(وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)محمد. فقد استطاع البعض ان يخترق الاعلام ويظهر للناس بصورة الواعظ المشفق والناصح المحب والحقيقة ان في جنباته منهج ملوث وعقيدة متارجحة فتراه يرتل الآيات ليبكي السامعين ويغرق عينه ليؤثر في المشاهدين ويصرخ بعباراته ليستهوي الحاضرين حتى اذ كسب قلوب الجماهير والتف حوله سفهاء الاحلام في مجالسه الخاصة أخرج عليهم سمومه بعد ان احسنوا فيه الظن.
يقول د. خالد سلطان السلطان (ان من سنن الله الكونية تقديره جل وعلا للابتلاء وانزاله للفتن والمحن ليكتشف الانسان نفسه ويكتشف الناس بعضهم لبعض وهذا مفهوم الآية  فالمحن التي تمر علينا تخرج لنا نتيجتين لا ثالث لهما فالاولى تظهر المؤمنون والصابرين لله والمتبعين لشريعة الله وهم الناجون والثابتون والراسخون والذين لا يتلونون او يتغيرون لهوى انفسهم او جماعاتهم واحزابهم.
والنتيجة الثانية رسوب وسقوط من في قلبه مرض ممن أحسنوا التمثيل واجادوا الدور ولعبوه باتقان فتقمصوا الشخصية الوسطية ثم تراهم ينكشفون امام الفتنة والمحنة لتنتهي الاعيبهم ويذهب الله بزيفهم ويظهر الله للناس حقيقتهم.
ومن امثلة هؤلاء المخترقين للاعلام والذين حققوا الصيت العالي والصوت الرفيع وتجمهر حولهم صغار الاسنان وسفهاء الاحلام ,ولما جد الجد واتت لحظة وجوب بيان حكم الله رايتهم يروغون ويلفون ويدورون (فالحمد لله) الذي أخرج أضغانهم وكشف للناس سترهم ليحذر الناس من نتن منهجهم وشر معتقدهم .
وهؤلاء يعلمنا الله - تعالى - مَن هم، ويظهر ما في قلوبهم لنا،فقد أخرج البخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم معاً، في الطب وابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله"، ثم قرأ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}، قال: "للمتفرسين"، وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن، فإن المؤمن ينظر بنور الله"، وأخرج ابن جرير عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إحذروا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله وينطق بتوفيق الله"، وأخرج الحكيم الترمذي والبزار وابن السني وأبو نعيم عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم". ، وفي ذلك قوله - سبحانه -: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75].
وفي الحديث: ((لا يُلدغ المؤمنُ من جُحر واحدٍ مرَّتين))الجمع بين الصحيحين.وفي موضوع الحديث فقد قال الربيع عن الشافعي (ولم يؤسر من المشركين سوى أبى عزة الجمحى، وقد كان في الاسارى يوم بدر، فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا فدية واشترط عليه الا يقاتله، فلما أسر يوم أحد قال: يا محمد امنن على لبناتي، وأعاهد ألا أقاتلك.فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أدعك تمسح عارضيك بمكة وتقول: خدعت محمدا مرتين. ثم أمر به فضربت عنقه.

وذكر بعضهم أنه يومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ؛ لذا قال الله - تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 29 - 31])


جواد عبد المحسن
حديث رمضان 13
2015

إرسال تعليق

0 تعليقات