قوة الإرادة وحامل الدعوة
تقول العرب :بمحض إرادته : من تلقاء نفسه
/ طوعًا / بلا إكراه ،أرادَ يُريد ، أَرِدْ ، إرادةً ، فهو مُريد ، والمفعول مُراد.
أراد اللهُ الشَّيءَ : شاءَه { إِنَّ اللهَ
يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }الحج 14 ,وأراد الشَّيءَ :
راده ؛ تمنَّاه ، طلَبه وأحبَّه ورغِب فيه ، وأراد بهذه الكلمات كذا : قصَد بها كذا
في قوله تعالى {فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً}البقرة26,ويقول عز وجل(من كان يريد العاجلة عجلنا
له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ومن أراد الآخرة
وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) الإسراء 18-19).
ان
معنى الارادة :انها تصميمٌ واعٍ على أداء فعل
معين بقوة وعزم, وضده فاقد الإرادة . فقُوَّة
الإرادة هي المثابرة على القيام بعمل ما برغم العوائق والمصاعب التي تعترض القائم بهذا
العمل وتذليلها,ويقول في الموسوعة الفلسفية م.روزنتال ب.يودين - ص 15 (أن الطابع الإرادي
لفعل ما، يظهر بوضوح شديد حينما يتعين على شخص أن يتغلب على عقبات معينة، خارجية أو
داخلية، ليحقق هدفه ,فالارادة هي شعور داخلي, لكن القليل من الناس يستطيع تطبيقه في
الواقع وهي احساس رائع لا يشعر به الا الاقوياء).
ان القوة العسكرية اوالسياسية مثلا لا تنفصل عن إرادة استعمالها ، فقوة الإرادة
قوة لها ، وضعف الإرادة ضعف لها (وهذا الامر بالنسبة للفرد او للدولة) . وتضعف إرادة
دولة ما في استعمال قوتها العسكرية ضد دولة أقوى منها بكثير ، أو عندما تصل القوة العسكرية
لدولتين إلى مأزق ، وذلك عندما يؤدي سباق التسلح بينهما إلى قدرة كل منهما على تدمير
الأخرى تدميراً أكيداً وشاملاً . وهنا تبرز أهمية العناصر الأخرى في قوة الدولة ، مثل
قوة المبدأ والقوة الاقتصادية والدبلوماسية والأعمال السياسية .
ان الارادة بالنسبة لحامل المبدأ(أي مبدأ)هي المحرك والدافع له لايجاد مبدأه
حيا في واقع الحياة, فالارادة المنبثقة عن المبدأ هي التي تضبط ادوات الانسان من سمع
وبصر وطريقة عقل للامور وللاحداث ضبطا يتوافق مع مبدأه,وليس هذا فحسب بل صياغة هذه
الادوات لتتحمل هذه الاعباء,كالرياضي الذي يروض اعضاءة لتتهيأ للقفز العالي مثلا,لتكون
الارادة هي التي توجه الاستطاعة توجيها يتوافق مع الهدف والغاية,فقوة الارادة عند مريدي
التغيير هي زادهم في دربهم لشحذ عزيمتهم لتذليل الصعاب(فغير ممكن)ليس في قاموسهم فكيف
ان كانوا من المؤمنين بربهم,وهذه احد اهم عوامل استمرار وجودهم وثباتهم.
ان الارادة في الفكر الراسمالي فقد جعلت السيادة للشعب ، والشعب هو الذي يملك
الإرادة ، ويملك التقرير ، فيملك التشريع ويملك الحكم . فقالوا أن السيادة للشعب ،
فهو الذي يشرع ، وهو الذي يحكم فجعلوا التشريع لمجلس منتخب من الشعب ولكنه لا يشرع
وإنما الذي يشرع هو الحاكم ومجلس الوزراء أو
رئيس الجمهورية هو الذي يحكم, وذلك أن الشعب في أي بلد يقوم جميع أفراده بإيجاد الاتحاد
بينهم لإيجاد الإرادة العامة لهم ، وذلك بأن يتعاقد كل فرد منهم مع نفسه بأن يكون للجماعة
التي يعيش فيها ، وهذا هو العقد الاجتماعي . وبموجب هذا العقد يتنازل كل فرد تنازلاً
كاملاً عن جميع حقوقه للجماعة كلها ، ويسهم كل فرد من الشعب بشخصه وبكل قدرته تحت إدارة
الإرادة العامة العليا ، وينتج عن هذا العقد هيئة معنوية جماعية ، هي الهيئة السياسية
، أو هي الدولة ، سواء سميت جمهورية ، أو سميت غير ذلك ، فالديمقراطية تعني أن يكون
جميع الناس هم الدولة ، وأن لكل واحد منهم من الحق ما للآخرين في إيجاد الدولة ونصب
الحكام ، وسن القوانين وغير ذلك مما يتعلق بالحكم والدولة , فالعقد الذي عقده كل واحد
مع نفسه ، تنازل بموجبه عن جميع ما له من حقوق وحريات ، تنازلاً كاملاً للجماعة التي
هو منها, إلاّ أن هذه الإرادة العامة هي شيء معنوي ، وحتى يكون قادراً على قضاء مصالحه
يختار حكومة تكون القوة التنفيذية . لذلك يكون في الدولة هيئتان : هيئة تشريعية وهي
التي تضع القوانين وهيئة تنفيذية وهي التي تختارها هذه الجماعة لتنفذ إرادتها أي قوانينها,وكذلك الامر بالنسبة للمبدأالاشتراكي من
حيث تعلق الارادة به.
والنظرة الصحيحة لطبيعة الإنسان هي أنه لديه
غرائز وحاجات عضوية تتطلب الإشباع , وبفضل ما وهبه الله من عقل ، صارت لديه الإرادة
ليختار الطريقة التي يُشبِع بها غرائزه وحاجاته , فإنْ أشبعها بطريقة صحيحة يَفعل الخير
، وإنْ أشبعها بطريقة خاطئة أو شاذة يَفعل الشر . فالإنسان بذلك مهيَّأ بطبيعته للخير
والشر معاً ، وهو الذي يختار الخير أو الشر بإرادته ,في قوله تعالى " وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
" العنكبوت آية (69) . فيدل على أن مواهب
الله لا تعطى جزافاً ، و لا تهبط اعتباطاً ، و إنما هي كِفاء جهاد كريم ، و تضحية غالية
,فالمجاهدة إنما هي ثمرة قوة الإرادة ، و التمرس بالصبر ، و الثبات و الجلد و تحدي
المثيرات ، و التغلب على المغريات ، و الوقوف فيها كالصخرة الصماء الراسخة،أمام الريح
العاتية.
يقول شارح العقيدة الطحاوية علي بن ابي العز
الدمشقي في هذا الموضوع (وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع ، والتمكين وسلامة الآلات
- فهي قبل الفعل ، وبها يتعلق الخطاب ، وهو كما قال تعالى " لا يكلف الله نفسا
إلا وسعها" البقرة : 286 فالاستطاعة والطاقة
والقدرة والوسع ألفاظ متقاربة وتنقسم الاستطاعة إلى قسمين فمنهم من قال (لا تكون القدرة
إلا قبل الفعل) وقابلهم طائفة فقالوا (لا تكون إلا مع الفعل) فأن للعبد قدرة(استطاعة)
هي مناط الأمر والنهي والقدرة التي بها الفعل
لا بد أن تكون مع الفعل ، فلا يجوز أن يوجد الفعل بقدرة معدومة, وأما القدرة التي من جهة الصحة والوسع ، والتمكن
وسلامة الآلات فقد تتقدم الأفعال . وهذه القدرة
المذكورة في قوله تعالى( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران
97 ,فأوجب الحج على المستطيع
, وكذا قوله تعالى (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) المجادلة 4 . والمراد
منه استطاعة الأسباب والآلات,وكذا ما حكاه سبحانه من قول المنافقين (لو استطعنا لخرجنا معكم ) التوبة 43 . وكذبهم في ذلك القول ، ولو كانوا أرادوا الاستطاعة
التي هي حقيقة قدرة الفعل ما كانوا بنفيهم عن أنفسهم كاذبين , وكذلك قوله تعالى ( ومن
لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) النساء 25 والمراد استطاعة
الآلات والأسباب . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (صل قائما فإن
لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب)
وإنما نفى استطاعة الفعل معها.
ان الذي يختبىء خلف ذريعة عجزه وعدم استطاعته ففعله هو الجبن, وإذا كثر الجبناء
في أمة أصابها الله بالذل كنتيجة حتمية لهذا الخلق الذميم و الذل هو طريق العبودية
والضعف والهوان ، بل انه طريق الموت و الفناء و الزوال ، قال تعالى : " أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ
لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ " (البقرة43) والمقصود بالموت هنا الموت المعنوي الذي يذهب
بمجد الأمة و شرفها وهو الذي يمكن غيرها فيها
، فيذيقها لباس الجوع و الخوف ، فحياة الأمة مرهونة بعزتها و شجاعتها ، فإذا انسلخت
من معاني الشرف و العزة ، دمر الله عليها ، و سلبها أسمى ما تعتز به,يقول عليه الصلاة
و السلام : " إذا رأيت أمتي تهاب فلا تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم
"وكما تتمثل العزة في شرف النفس ، و مقاومة الظلم ، تتمثل كذلك في عدم تنازل المرء
عن شيء من الدين ، بما فيه من وجوب الولاء لله و الجماعة المؤمنة ,و لهذا فإن الإسلام
يوجب على المسلم أن يكون عزيزاً ، يأبى الذل و الهوان و الخنوع,ورحم الله الشافعي و
هو يعتز بنفسه و يفاخر بشجاعته و لا يبالي بأي شيء من أجل احتفاظه بكرامته :
أنا إن عشت لست أعدم قوتاً و إن أنا
مت لست أعدم قبراً
همتي همة
الملوك و نفسي نفس حر
ترى المذلة كفراً
وصدق الله العظيم " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ
"سورة المنافقون (8) ويقول رسولنا الأعظم
عليه الصلاة و السلام :" من أصبح وهمه الدنيا فليس من الله في شيء ومن لم يهتم
بأمر المسلمين فليس منهم ومن أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس منا "مجمع
الزوائد.
ان الكفاح السياسي القائم على الفكر انما هو حوار فكر وحوار إرادة، لا بل صراع
فكر وصراع إرادة, وقوة الإرادة ليست بأقل أهمية من قوة الفكر، إذ لا جدوى من الفكر
إذا لم يحمله أحد للتغيير به، ولا مجال للتغيير إذا كان حامل الفكر ضعيفاً لا ارادة
له على التغيير واتخاذ المواقف الصلبة في معترك التحدي، إذ ان من الطبيعي أن يستعمل
صاحب السلطان ما لديه من قوة وما يملك من قدرات لشل حركة التغيير وتجميدها بل القضاء
عليها واقتلاعها من جذورها بحيث لا تترك أثراً، فيرغِّب ويرهِّب، ويعد ويتوعد، ويستعمل
التعذيب والتجويع بل ويتفنن في ذلك، وهنا يبتلى دعاة التغيير وتمتحن إرادتهم، فإن هم
وهنوا وضعفوا ذوت دعوتهم واندثرت، وإن هم صمدوا وصبروا فقد بلغوا غايتهم.
فأن تكون إرادتك قوية معناه أنك تريد شيئاً وتقرر اختياره وتصر على تنفيذه حتى
النهاية كقول الرسول(حتى يظهره الله او تنفرد هذه السالفة) وان تسعى لتغيير
الواقع.. تريد ذلك وتنتقل من مجرد الرغبة إلى الإرادة ومن الأرادة إلى التطبيق والاستمرار
ومواجهة الصعوبات وتذليلها والمضي في ذلك حتى النهاية.
ان الحزب هو تكتل يقوم على مبدأ آمن أفراده به يراد إيجاده في المجتمع، وبتعبير
آخر يقوم على فكرة يراد إيجادها في المجتمع، فعمل الحزب هو إيجاد الفكرة في المجتمع,
والعمل للحزب هو إيجاد أفراد يؤمنون بمبدئه أي يؤمنون بفكرته، لذلك لا قيمة لكثرة عدد
الأفراد في قوة الحزب أو ضعفه ولا في قيامه بعمله أو عدم قيامه به، بل الأصل هو وجوده
في الأمة، فبقدر وجوده تكون قوته والذي يجعل له وجوداً هو تحركه وارادته الصلبة، فتحركه
بارادته هو الذي يدل على قوته .
أما إرادة القوة فليست هي ما يمارسه الفرعون اليوم بالمركز أو بالسيطرة على
الآخرين بدوس الناس من أجل أن يكون أقوى اجتماعياً وإدارياً وسياسياً,ومن أجل الحصول
على القوة ومزيد من القوة يتجرد من انسانيته فلا يرحم أحداً, كفعل كل الطغاة في التاريخ
شرقا وغربا, فلا يختلف الإسكندر عن هتلر ولا هتلر عن نابليون ولا نابليون عن نيرون
ولا عن الفراعنة الاقزام في بلادنا.
ان ارادة القوة عندنا هو توظيفها لحفظ مهابة الامة والدولة,فطلب القوة من الله
لنا في قوله(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ
الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)الانفال60 فالاعداد مطلوب لايجاد الرهبة عند العدو وليس
للبطش والاستبداد ولكن للوصول بالامة الى قمم المنعة والعزة ليقول امير المؤمنين كما
قال (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ
وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)النمل, ورب سائل
يسأل هل من الممكن أن تكون قوة الإرادة هي إرادة القوة؟ والجواب نعم. ففي حالة الطغاة
فانهم بإرادتهم القوية ذهبوا إلى أبعد من ذلك
وجعلوا إرادتهم فوق إرادة الشعب بل الغوا ارادته
وعلقوها بشخوصهم.. ثم دلسوا عليه وجعلوه يتوهم أنه هو القوي الذي يريد وإذا أراد فلا
إرادة لأحد سواه,واما امير المؤمنين فانه يريد القوة لانها حكم شرعي ويطلبها بقوة ارادته
ويستمدها من الامة الواثقة به فالامة قوية به وهو قوي بها ولا فصل او انفصال بينه وبينها.
ان الامة اذا صدقت ذلك المدلس الفرعون واستكانت
واستمرأت الجور والظلم حين سرق الطغاة إرادتها وقوتها وثروتها وجيروها لشخوصهم فحالها
من السيىء الى الاسوا لا محالة,فواقع افعالهم يقول لكل فرد من الامة لا تنظر لابعد
من انفك او الى اعلى لانك لا تستطيع الوصول لان هذا حجمك, وقد علمونا في المدارس البيت
الشعري التالي :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
لكننا بقوة ارادتنا المبنية على عقيدتنا وكثرة
الادلة المتجددة بصدق وسلامة مسيرتنا ودعوتنا وتوكلنا المطلق على ربنا وبشارته ووعده
لنا حق لنا ان نقول:
تجري الرياح كما تجري سفينتنا نحن الرياح ونحن البحر والسفن
ان الذي يرتجي شيئا بهمته
يلقاه لو حاربته الانس والجن
فاقصد الى قمم الاشياء تدركها تجري الرياح كما رادت لها السفن
جواد عبد المحسن
حديث رمضان 13
2015
0 تعليقات