(إن الولد مبخلة مجهلة مجبنة)

(إن الولد مبخلة مجهلة مجبنة)

     ان القضية التي اريد طرحها هي سؤال لكل اب (كم ياخذ ولدك من تفكيرك ,وكم تاخذ انت من تفكيره..؟؟) فيشاهد أن الرجل متى رزق أولادا من ذكور أو إناث فإنه ينشغل بشأنهم ، ويهتم بتحصيل الرزق ، ويسعى في جمع المال ، ويكدح ويشقى في الطلب والتكسب ، وينشغل بذلك عن التعلم والتفقه ، ويؤثر البقاء والمقام معهم أو بقربهم ، ولو فاتته الفضائل والأعمال الصالحة ، فقد روى الترمذي عن عمر بن عبد العزيز قال: زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم قالت: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته وهو يقول: إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون ، وإنكم لمن ريحان الله) قال الترمذي : " لا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا من خولة " أي: فهو منقطع ، لكن عمر جزم به ، وقد لقي في المدينة من روى عن خولة يقينا ، ومعناه أن محبة الولد تحمل أباه على البخل بالمال ، والحرص على جمعه؛ ليخلفه لولده ، أو لينفقه عليه في حياته ، وكذا على الجبن الذي هو ضد الشجاعة ، فلا يخرج للجهاد خوفا من القتل وضياع أولاده ، فإن خرج لم يكن معه الجرأة على الإقدام ، وكذا على الجهل لإكبابه على التكسب ، والانشغال بالتجارات أو الحرف ، أو الأعمال التي يتحصل منها على المال ، فيبقى على جهله ، ويفوته التعلم والتفقه في الدين . وقوله: وإنكم لمن ريحان الله أي: كالريحان الذي هو طيب الريح؛ لأنهم يشمون ويقبلون ، فكأنهم من جملة الرياحين ، فقد روى الترمذي عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه ، وروى الطبراني في الأوسط عن أبي أيوب قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحسن والحسين يلعبان بين يديه ، فقلت: أتحبهما يا رسول الله؟ قال: وكيف لا وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما ، وروى البزار عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الولد ثمرة القلب ، وإنهم مجبنة مبخلة محزنة ، وروى أيضا عن الأسود بن خلف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ حسنا فقبله فقال: إن الولد مبخلة مجهلة مجبنة ، وروى الإمام أحمد عن الأشعث بن قيس قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " هل لك من ولد؟ " قلت: غلام ولد لي في مخرجي إليك ، ولوددت أن مكانه شبع القوم . قال: " لا تقولن ذلك ، فإن فيهم قرة عين ، وأجرا إذا قبضوا ، ثم إنهم لمجبنة محزنة ، إنهم لمجبنة محزنة ، وعن يعلى بن مرة الثقفي قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فضمهما إليه ، وقال: " إن الولد مبخلة مجبنة فهذه الأحاديث وما في معناها تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نبه الأمة على ما هو أمر طبيعي واقعي من أن الآباء في الغالب يتصفون بالجبن والبخل؛ لتأثير محبة الولد ، والشفقة عليه ، فإذا كانت محبة الولد ركيزة في القلب ، وظهر أثرها في العمل ، بشدة الطلب والجمع والتكسب ، ثم الإمساك والتقتير على النفس وعلى الأهل والضيف ، والتوقف عن الإنفاق في وجوه الخير ، فإن من الواجب والمؤكد أن يعنى الوالد بولده في التهذيب والسعي في الإصلاح ، والتعهد في الصغر وبعد الكبر؛ ليكون قرة عين لأبويه ، وتثمر التربية الصالحة بالاستقامة والبعد عن الانحراف والزيغ,حتى اذا انتسب امام قوم ترحموا على والده وصدق الشاعر:   
اذا المرء اعيته المروءة يافعا            فمطلبها كهلا عليه ثقيل
      ان القضية المهمة في هذا الموضوع هو ليس الانجاب وانما التاديب والتربية فكما زرعت تحصد فلا يكون كل الهم على السعي للجمع لهم ماديا فقط بل لا بد من حسن التاديب.
قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنت ومالُك لأبيك))؛ حديث صحيحٌ رواه جابر - رضِي الله عنه - عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأخرجه ابن ماجه.
    ورواه أيضًا سمرة وأبو مسعود - رضي الله عنهما - وأخرجه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة"، وصحَّحه ابن حجر والألباني.والرواية الأخرى للحديث: ((أنت ومالُك لوالدك، إنَّ أولادكم من أطيَبِ كسْبكم، فكُلُوا من كسْب أولادكم))؛ رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
ولهذا الحديث قصَّةٌ مُؤثِّرة وردَتْ في رواية الطبراني والبيهقي لهذا الحديث من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابرٍ - رضِي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، إنَّ أبي أخَذَ مالي، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - للرجل: ((اذهَبْ فأتِني بأبيك))، فنزل جبريل - عليه السلام - على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يُقرِئك السلام ويقول لك: إذا جاءَك الشيخ فسَلْه عن شيءٍ قالَه في نفسه ما سمعَتْه أذناه، فلمَّا جاء الشيخ قال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما بال ابنك يَشكوك، أتريد أخْذ ماله؟ قال: سَلْهُ يا رسول الله، هل أُنفِقه إلا على إحدى عمَّاته أو خالاته أو على نفسي! فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إيهٍ! دَعْنا من هذا، أخبِرنا عن شيءٍ قُلتَه في نفسك ما سمعَتْه أذناك))، فقال الشيخ: والله يا رسول الله ما يَزال الله يزيدنا بك يقينًا! لقد قلتُ في نفسي شيئًا ما سمعَتْه أذناي فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قُلْ وأنا أسمع))، قال: قلت:
غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا وَمُنْتُكَ يَافِعًا                 تُعَلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ
إِذَا لَيْلَةٌ ضَافَتْكَ بِالسُّقْمِ لَمْ أَبِتْ            لِسُقْمِكَ إِلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ
  كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي            طُرِقْتَ بِهِ دُونِي فَعَيْنَايَ تَهْمُلُ
  تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإِنَّهَا            لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ وَقْتٌ مُؤَجَّلُ
    فَلَمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي               إِلَيْهَا مَدَى مَا فِيكَ كُنْتُ أُؤَمِّلُ
        جَعَلْتَ جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً               كَأَنَّكَ أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ
    فَلَيْتَكَ إِذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي                فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ
قال: فحينئذٍ أخذ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتلابيب ابنه وقال: ((أنت ومالُك لأبيك)).
وذكر أنَّ رجلاً قال لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: إنَّ أبويَّ بلغا من الكبر أنِّي ألي منهما ما وليا منِّي في الصِّغَر، فهل قضيتهما؟فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم (لا؛ فإنهما كانا يَفعَلان ذلك وهما يُحِبَّان بقاءَك، وأنت تفعَل ذلك وأنت تريدُ موتهما)). كره الزمخشري في "الكشاف"
    ان الوالد والوالدة تغمرهما السعادة وهما يشتريان للمولود ما يحتاجه لكف الاذى عنه حين يخرج فضلاته ويتمنيان له طول العمر,وحين تنقلب الصورة ويشتري لاحدهما ما يكف الاذى عنة لا يشعر بالسعادة وانما يقول اللهم عجل بالفرج وارحه او اللهم اختر له,هذا ان لم يقل اكثر.



جواد عبد المحسن
حديث رمضان - 13
2015

إرسال تعليق

0 تعليقات