( وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ )

( وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ )


المكر لغة: " مصدر قولهم مكر به يمكر وهو مأخوذ من مادة ( م ك ر ) التي تدل على الاحتيال والخداع ", وفي لسان العرب المكر: احتيال في خُفية، قال الله تعالى (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)النمل50 وقيل المكر الخديعة والاحتيال " وقال الخليل بن أحمد في العين  المكر: احتيال بغير ما يُضمر، والاحتيال بغير ما يُبدي هو الكيد، والكيد في الحرب حلال، والمكر في كل حلال حرام ".
والمكر اصطلاحاً: إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر, وعرّفه بعضهم بأنه صرف الغير عمّا يقصده بحيلة.
        أن أصل المكر يعني: الاحتيال والخداع، ويعني كذلك: صرف الغير عما يقصده بحيلة. ويَذكُر أهل العلم هنا، أن المكر نوعان: نوع محمود، وذلك أن يتحرى بذلك فِعْلَ جميل ، والنوع الثاني: مكر مذموم  وهو أن يتحرى به فعل قبيح .( وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ )أي وما يعود وبال ذلك إلا على أنفسهم دون غيرهم، قال محمد بن كعب القرظي‏:‏ ثلاث من فعلهن لم ينج حتى ينزل به، من مكر، أوبغي، أو نكث، وتصديق ذلك قول اللّه تعالى‏‏ ‏{‏وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}‏فاطر43،‏{‏إنما بغيكم على أنفسكم‏ْ‏}يونس23، ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه )الفتح10  " مختصر ابن كثير.
     وجاء بسط ذلك في الدر المنثور لجلال الدين السيوطي رحمه الله قال : ـ [ أخرج أبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم والخطيب في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏" ثلاث هن رواجع على أهلها، المكر، والنكث، والبغي، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏( ‏يا أيهاالناس إنما بغيكم على أنفسكم‏ ) يونس23 ، ‏‏( ‏ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله‏)‏‏(‏فاطر الآية 43‏)‏‏ ( ‏ومن نكث فإنما ينكث على نفسه‏)‏‏(‏الفتح الآية 10‏)‏ ‏"‏‏.‏ وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن نفيل الكناني رضي الله عنه قال‏:‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث ‏‏قد فرغ الله من القضاء فيهن لا يبغين أحدكم، فإن الله تعالى يقول (‏يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ‏)‏ ولا يمكرن أحد فإن الله تعالى يقول‏(‏ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله‏)‏‏(‏فاطر الآية 43‏)‏ ولا ينكث أحد فإن الله يقول‏(‏ومن نكث فإنما ينكث على نفسه‏)‏‏(الفتح الآية 10)‏‏"‏‏.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بكر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ لا تبغ ولا تكن باغيا، فإن الله يقول ‏(‏إنما بغيكم على أنفسكم‏)‏ ‏"‏‏.وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏لا يؤخر الله عقوبة البغي فإن الله قال ‏(‏إنما بغيكم على أنفسكم‏)‏"‏‏.‏وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي بكر رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله لصاحبه العقوبة من البغي وقطيعة الرحم‏"‏‏. وأخرج أبو داود والبيهقي في الشعب عن عياض بن جابر‏.‏ إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد‏.‏وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما‏"‏‏.‏
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه قال‏:‏ ما من عبادة أفضل من أن يسأل، وما يدفع القضاء إلا الدعاء، وإن أسرع الخير ثوابا البر، وأسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه، وأن يؤذي جليسه بما لايعنيه‏"‏‏.
    إذا رأيت من يمكر بالإسلام أو بالمسلمين أو بك في خاصة نفسك فتذكر هذه الآية (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله )فإنها لم تُنزل لتتلى فقط ؛ بل نزلت تحذيرا لأهل المكر السيء وبردا وسلاما على كل من يُمكر به بسوء وهو بريء من السوء
فالحياة في نظر البعض غابة ؛ يأكل فيها القوي الضعيف ؛ ويستعمل صاحب الذكاء ذكائه مكرا بغيره متذرعا بان (الشطارة والفهلوة)لازمة حتى يعيش في الدنيا واذا لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب,فيمكر ويدبر ويخطط للوصول لغايته بغض النظر عن الوسيلة فهمه الغاية,متناسيا انه ما وجد في هذه الحياة الدنيا الا لعبادة ربه,وان الاصل في علاقة المؤمنين بعضهم ببعض هي الاخوة والمحبة لله,وان المجتمع الاسلامي متميز عن غيره من المجتمعات بعلاقات افراده المتميزة بعضهم ببعض,ويشرح هذا الامر حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ها هنا وأشار إلى صدره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) (أحمد ، ومسلم عن أبى هريرة)
    لكن ليس الأمر كذلك ؛ بل هناك رب عليم حكيم بشّر من يُمكر به من المؤمنين ببشارتين الأولى أنه جل وعلا هو من يتولى التعامل المباشر مع أصحاب المكر فاذا كنت تسير في طريق الحق وتخشى الله في السر والعلن فالله هو يدافع عن الذين آمنوا فقال تعالى(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)الحج وليس الدفاع وحسب بل تولي امر من مكر بك ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)الانفال30.
والبشارة الثانية : أن هذا المكر السيء لا يحيق إلا بأهله قال تعالى ( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ).فلا تقلق من المكر وأهله , فقط كن في الطريق الصحيح وفي المسار المخصص لك ولا تحمل هما لهم أبدا,فالذي يمكر بك ادنى منك مرتبة وانت اعلى واشرف منه وهو جبان لا يستطيع المواجهة ولو كان يستطيع لما مكر وما خدع فالذي يُُطعن او يُضرب من الخلف قطعا هو في المقدمة, عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المكر والخديعة والخيانة في النار) الحاكم في مستدركه  فكم من الماكرين أرادوا اسقاطك أو إلحاق الأذى والضرر بك ورد الله كيد الماكر في نحره وأنت لم تعلم عنه حتى مجرد العلم,وكم من مكر علمت عنه وحملت همه وإذا به يعود عليك بردا وسلاما ورفعة ونجاة, وكم من شخص سعى لإفساد سمعتك أو الحديث في نيتك فلم تزد سمعتك مع الأيام إلا علوا ولا نيتك إلا إخلاصا وإخباتا.
     ولعل من أكبر قصص المكر الكبار التي ذكرها الله في القران مكر فرعون ثم ماذا؟,ثم لا يحيق المكر السيء إلا بأهله .
قتل أطفال بني اسرائيل خوفا من موسى فربى موسى في بيته وأمام عينيه,وأراد قتله بعد ذلك فكان غرقه وموته بسبب موسى ,وسعى ليقتل موسى فكان حتفه وهو يلهث خلف موسى يتوعد ويهدد .
     ثم هذا أبو جهل خطط لقتل النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لبدر مزمجرا فرمي في قليب بدر بسبب معاندته لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن العجب تمألوا أهل المكر السيء عليه لأغراض فاسدة منشأها الحسد والكبر
فقد يمكر أصحاب صنعة بأحدهم لتميزه عليهم أو لتمسكه بمبادئ لا يريدونها او لعلمه او لحب الناس له,وهذا موجود وهو من آفات المجتمعات كالحسد والبغض والعين وغيره,فكانت هذه الآية لتطمئن بها يا من يمُكر به غاية الطمأنينة فاذا كنت على الحق فان الله سيدافع عنك ويكفيكهم وسيعود المكر السيء على أهله ومن أصدق من الله قيلاوصدق الله العظيم(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137البقرة) .

 جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14
2016



إرسال تعليق

5 تعليقات

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  4. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  5. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف