إذا
جاءك المنافقون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كُنْتُ
فِي غَزَاةٍ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَقُولُ لَا تُنْفِقُوا عَلَى
مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ وَلَئِنْ رَجَعْنَا
مِنْ عِنْدِهِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي
أَوْ لِعُمَرَ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَانِي
فَحَدَّثْتُهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا فَكَذَّبَنِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَّقَهُ فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي
مِثْلُهُ قَطُّ فَجَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ لِي عَمِّي مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ
كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقَتَكَ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ فَبَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ)
أخرجه مسلم والبخاري.
ان من قضاء الله على امة الاسلام انه تعالى اختبرها بامر لم يكن موجودا في غيرها
من الامم,وما عرفه رسول من الرسل قبل رسولنا صلى الله عليه وسلم وهذا الامر هو النفاق
,فلم يعرف بل ولم يكن في مكة نفاق ولا منافقون وانما اسلام او كفر ولا بين بين البينين
ولا لون بين اللونين بل ترافق وجوده مع وجود الدولة.
فبعد ان انتشر الاسلام في المدينة المنورة واخذ طريقه الى النفوس واصبحت لهذه
الدولة الفتية قوة سياسية وعسكرية بدأ النفاق
يظهر في المدينة على شكل تكتل وكيان فكري وسياسي, فالمنافقون اظهروا الاسلام خوفا وطمعا
وابطنوا الكفر في نفوسهم وكانوا يشكلون قوة حليفة لليهود والمشركين وعنصرا من عناصر
التخريب والهدم في المجتمع الاسلامي الوليد. وقد عملوا على اثارة الفتن والخلافات بين
المسلمين ونشر الاشاعات والاكاذيب وشن حرب دعائية ونفسية وتجسسية لأضعاف المسلمين وتحجيم
انتشار الاسلام. وقد ذكر القرآن الكريم كثيرا عن النفاق والمنافقين وخطرهما على الاسلام
وبنية المجتمع الاسلامي كما تحدث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن ذلك وبذل جهدا
مضنياً وحكيما من اجل القضاء عليه ومنعه من تنفيذ المخططات والمؤامرات الهدامة التي
كان يعدها ويعمل على تنفيذها. وكان من ابرز قادة النفاق عبدالله بن أبي سلول وقد لعبت
هذه الفئة دورا خطيرا في التنسيق والتآمر مع اليهود في المدينة والمشركين في مكة والروم
في الشام، كما لعبت دورا خطيرا في التجسس وبث الاشاعات واثارة الفتن وطعن المسلمين
من الخلف. ان اخطر ما شنه المنافقون مع حلفائهم اليهود والمشركين ضد الدعوة الاسلامية
والدولة الاسلامية وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، الحرب الدعائية وحرب الاشاعات
لاضعاف كيان المسلمين والنيل من قوتهم ووحدتهم وبث الرعب والشكوك وزرع روح الهزيمة
في نفوسهم وكانت الاوامر الإلهية {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون
في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا
تقتيلا سُنَّة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسُنَّةِ الله تبديلا} (الاحزاب
60 – 62).
وقد حاول المنافقون شق الصف الاسلامي وتمزيق
وحدة المسلمين واثارة الفتن والخلافات والاحقاد القبلية بينهم فقد سجل القرآن الكريم
بعض الحوادث الشاهدة على هذا العمل التخريبي الهدام كما في قوله تعالى {هُمُ الَّذِينَ
يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ
خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ
(7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا
الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لَا يَعْلَمُونَ (8) } (المنافقون: 7 و8) وتحدث القرآن عن النشاط السياسي والتآمري
للمنافقين الذي حاولوا التستر عليه واخراجه بصيغة مشروع خيري عبادي فقد اتفق المنافقون
على ان يبنوا مسجدا ليتخذوه مركزا للتجمع والتآمر على المسلمين وليغطوا نشاطهم المعادي
ولينسقوا مع الروم للاغارة على المدينة واسقاط الدولة التي بناها رسول الله صلى الله
عليه وسلم والقضاء على الدعوة الاسلامية لذلك سماه القرآن (مسجدا ضرارا) فأنزل الله
تعالى في تلك الحادثة { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا
بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ
وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
} (التوبة: 107). وبعد نزول الوحي وانكشاف المؤامرة امر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بحرق ذلك المسجد الضراري واستئصال تلك البؤرة الخبيثة فاحرق وقضى عليه وبقيت الحادثة
معلما بارزا في تاريخ النفاق ودرسا للمسلمين وموعظة لهم ليعرفوا كيف يتعاملون مع المشاريع
والمؤسسات النفاقية التي تتظاهر بالصلاح والاخلاص وتقديم الخدمات الانسانية والخيرية.
شَهِدَ هؤلاء المنافقون أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، والله جلَّ
جلاله يقول﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ﴾ فأنت حينما تقر بحقيقة، ولا
تتخذ موقفاً بناءً على هذا الإقرار فأنت لم تفعل شيئاً، فلو أن إنسانًا في أشد حالات
العطش، وهو على وشك الموت، عرف أن هناك نبع ماء، ولم يتحرك إلى هذا النبع، ماذا نفعته
هذه المعرفة ,وهذا ما سماه علماء المنطق تحصيل حاصل، فإذا قلت: الشمس ساطعة، وهي ساطعة،
ماذا فعلت إن قلت: ساطعة، فهي ساطعة، وإن قلت: ليست بساطعة، فهي ساطعة، ففي كلا الحالين
إن جاءت كلمتك موافقةً للحقيقة لم تفعل شيئاً، وإن جاءت مخالفةً للحقيقة سقطت من أعين
الناس، أما حينما تكون في أشد الحاجة إلى أشِعَّتها وتقول: هي ساطعة، وتعرض جسمك لأشعتها،
فتشفى من بعض أمراضك، فانت الآن أخذت موقفاً، فالمنافقون قالوا﴿ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ
اللَّهِ ﴾ قالوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾المنافقون 1.
ان هناك واقع فإذا جاء الخبر عن هذا الواقع
مطابقاً له فأنت صادق في أقوالك، وإذا جاء القول مخالفاً للواقع، جاء الخبر عن الواقع
مخالفاً له، فهذا قولٌ كاذب، صادق وكاذب فتوافُق الخبر مع الواقع صدق، عدم موافقة الخبر
للواقع كذب، فإذا جاء عملك مطابقاً لقولك فهذا صدق الأفعال، وإذا جاء مخالفاً لقولك
فهذا كذب الأفعال، فهناك صدق الأقوال، وكذب الأقوال، وصدق الأفعال، وكذب الأفعال، بقي
نوعان آخران، إذا قلت: إن هذا الإنسان هو رسول الله، فكلامك هذا صحيح مطابق للواقع،
لكنك لا تعتقد أنه رسول الله، هذا كذب من نوع آخر، هذا كذب مع النفس، فالمنافق كاذبٌ
مع نفسه فكل ما يقوله لا يعتقد به وكل ما يقوله لا يُصَدِّقُهُ، وقد مدح الله عزَّ
وجل الصادقين في القرآن الكريم لصدق الأفعال فقال ﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا
مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ
وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾
الأحزاب: 23 جاءت أعمالهم مطابقةً لأقوالهم
وجاءت أفعالهم مُصَدِّقةً لأقوالهم، إذاً هم صادقون، أما الذي جاءت أفعالهم مكذبةً
لأقوالهم فقد قالوا في معركة الأحزاب﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)
الأحزاب: 12,وقضية اخرى انهم في البداية
قالوا(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)وحين
وقع الجد وقيل لهم(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ
لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾المنافقون5,وهذا
منتهى التناقض في نفوسهم .
ان وسائل الاعلام التابعة لأذناب أمريكا
من المنافقين واعوانهم تحاول بكل جهدها اظهار العناوين الملفتة للنظر لتضليل الرأي
العام وتشويه الاسلام وقلب الحقائق وهذا ليس جديدا عليهم فهي حرفتهم منذ وصول الرسول
الى المدينة ,فنقول لهم إن مجتمعنا قد تثقف بالثقافة الاسلامية ونتعامل معكم ومع ما
ياتي من عندكم التعامل القرآني ونصنفكم بتصنيف القران (منااااافقون) وقد أخبرنا القران
أنكم تستخدمون العناوين المزيفة لتضليل الناس فتشهدون بالحق وأنتم كاذبون، حيث أخبرنا
أن المنافقين جاءوا إلى الرسول وقالوا نشهد إنك لرسول الله فاخبرهم الله أنه يعلم أن
محمدا رسوله ولكنه سماكم كاذبون لتصبح منهجية في التعامل معكم.
لو قالوا حقاً فنقول لهم كاذبون لييأسوا من خداعنا
فلن نصدقهم لو قالوا حقاً فكيف سنصدقهم في افتراءاتهم وباطلهم قال تعالى (إذا جاءك
المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين
لكاذبون )المنافقون1 وأخبرنا القران أن المنافقين قد يستخدمون المساجد لتضليل الناس
فلا نصدقهم حتى لو بنوا مسجداً قال تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا
وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ
يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) التوبة.
بل أخبرنا القران أنكم تستخدمون اسم الإصلاح للتغطية
على فسادكم وإفساحكم المجال للمفسدين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ
لَا يَشْعُرُونَ (12)البقرة,| فلوا شهدتم أن الرسول حق وبنيتم مسجداً وطبعتم مصحفاً
وسميتم أنفسكم إصلاح ومصلحين فأنتم حسب التصنيف القراني منافقون، لن نصدقكم ولو فعلتم
ذلك فكيف سنصدق تضليلكم وكذبكم.
وهذه هي منهجية القران التي يجب أن نتعامل مع المنافقين
على أساسها فلا ننشغل بالرد على افتراءاتهم فقد علمنا القران أنهم كاذبون لو فعلوا
مافعلوا من الاعمال التي ظاهرها البر وباطنها النفاق والكفر والتفريق,وان كل مؤسساتكم أسست على شفا جرف هار ولسوف تنهار في الدنيا وستنهار
بكم في جهنم كما أخبرنا الله في كتابه.
ان الحرب المعلنة اليوم التي يشنها المنافقون بالوكالة عن الكافر المستعمر والتي
ترفع شعاراتهم ما هي الا الصورة الحقيقية لوجودهم في مراكزهم اصلا لحرب الاسلام والمسلمين
والله جل وعلا بقدرته يهيأ ويدبر فلم تعد حيلهم تنطلي على احد من المسلمين بل انه قد
انعكس ايجابا واحدث هزة للمسلمين فادركوا ان هؤلاء المنافقين هم الداء العضال الواجب
استأصاله حتى تصح الامة وتعود لها عافيتها.
بقيت للموضوع مسألة وهي ان للكافر موقف وللمؤمن موقف ولكن المنافق لا موقف له
ولا يمكن ان تحدد حدوده فعيشه في اللا موقف فهو كحبة العدس لا يمكنك ان تحدد موقفه
تجاهك امقبل عليك ام مدبر عنك,وهنا تبرز البشارة فوجود اصطلاح النفاق يعني وجود قوة
فاعلة للمنافَق له (يعني للاسلام)فترفع امريكا واوروبا وكل الكفر واعوانهم من المنافقين
شعار محاربة التطرف ولا نحارب الاسلام,وهذا النفاق بعينه,فالجاهلي في مكة حارب الاسلام
وعاداه صراحة وعلنا واما هؤلاء فانهم جبناء لا يقوون على اتخاذ موقف بل يروغون ويتحايلون
وينافقون لانهم لا يستطيعون المواجهة وعندهم ما يمنعهم عنها وهو تأكدهم من الحق الذي
يدعو له مبدأ الاسلام.
حديث رمضان 16
جواد عبد المحسن
0 تعليقات