مفهوم الإنصاف


مفهوم الإنصاف

الإنصاف لغة : مأخوذ من ( النِّـصْـف ) . وأصل استعماله من الشيئ يكون مشتركا على التساوي بين اثنين ، فمن أخذ نصفه بلا زيادة فقد أنصف ، ومن أعطى شريكه نصفه بلا نقصان فقد أنصف . ومن حَكمَ أو قَسَم بين شريكـين ، فأعطى كل واحد نصفه بلا زيادة ولا نقصان فقد أنصف . ثم اتسع استعمال اللفظ ومشتقاته ، للدلالة على السَّوِية بين الناس ، فيما لهم وما عليهم ، سواء كان النصفَ أو غيرَه مما هو مستحق ، وسواء كان ذلك في الأشياء ، أوفي الأفعال ، أوفي الأقوال .
وأما الإنصاف بمعناه العلمي والخُلقي فالمراد به إعطاء الناس ما يستحقونه كاملا ، بلا بخس ولا ولا تحيز ولا محاباة . وقد يكون ذلك بالأقوال ، وقد يكون بالأفعال ، أو بهما معا في آن واحد . ولا شك أن هذا المفهوم يتشابه ـ ويكاد يتطابق ـ مع مفهوم العدل. ولذلك قال بعض العلماء : العدل والإنصاف توأمان (التوقيف على مهمات التعاريف ، للمناوي)
وعلى الرغم من كون العدل والإنصاف من معدن واحد ، فالظاهر أن بينهما عموما وخصوصا في الاستعمال . فالعدل يستعمل في مواطن التنازع والتخاصم  ويكون ممن له صلاحية الحكم والتصرف في الأمر. وأما الإنصاف فأعم من هذا وأوسع ، حتى إن العلماء يتحدثون عن إنصاف العبد مع ربه ، وعن إنصافـه مع نفسه ، وعن إنصاف غيره من نفسه ، وعن الإنصاف بين الناس . كما أن استعمال الإنصاف دخل كثيرا في المسائل والخلافات العلمية والفكرية.
ولعل الإنصاف يكون أخص من العدل  من حيث يجري استعماله خاصة في مواطن تكون عادة مَظِنَّةً للميل والتحيز . فالفعل أو القول يوصف بالإنصاف  إذا وقع حيث كان يُخشى أو يفترض عدمه ، كأن يعطي الإنسان الحق لغيره على حساب نفسه ، أو ينصف البعيد على القريب ، أو ينصف المخالف على الموافق . بينما العدل يكون في هذه الأحوال وفي غيرها . ولعل هذا ما عناه الراغب الأصفهاني بقوله  " والإنصاف من العدل "( المفردات).
ان وجود الاختلاف بين الناس ـ عامتهم وخاصتهم ـ هو غالبا مظنةٌ للخصومات والحزازات وإفراط المتخالفين بعضهم على بعض ، مما يفقدهم الإنصاف وحتى القدرة على الإنصاف مع وجود الحقد والانتصار للنفس. ويشتد هذا كله ، بقدر شدة الاختلاف وحساسيته عند المختلفين ، وبقدر ما تسوء أخلاق المتخالفين وأخلاق أتباعهم وأنصارهم . وها هنا تشتد الحاجة إلى الإنصاف والمنصفين وتشتد هذه الحاجة أكثر، حين يتحول هذا الاختلاف إلى عداوة وصراع .
لقد قدم لنا القرآن الكريم دروسا بليغة راقية في الإنصاف بشتى صوره وفي مختلف مجالاته .تارة في صيغة أوامر ونواهٍ ، وتارة من خلال وصفه وإنصافه لأعدائه والمكذبين به ، وتارة من خلال وقائع فعلية تطبيقية .
فمن أوامره ونواهيه في الموضوع قوله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)النساء.وقوله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)المائدة,فقد تضمنت الآيتان الأمر بالتزام القسط والإنصاف ، والنهيَ عن تركه وتنكبه ، وذلك في أشد المواطن على النفس وأدعاها إلى الميل والتحيز.وهي عموما تتمثل في حالات الحب والبغض .
ففي الآية الأولى : أمرٌ بغاية ما يمكن من القسط الإنصاف ، ولو كان ضد نفسك  أو ضد والديك  أو أقربِ الناس إليك . وبمثل قوله (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) [الأنعام/152].
وفي الآية الثانية : أمرٌ مماثل بالقسط  لكنه مؤكد بالنهي عن الضد , ومحل الأمر والنهي هنا  هي حالات العداوة والكراهية فكما لا يجوز التحيز لفائدة النفس وهواها  او ذوي القرابة والمودة  فكذلك لا يجوز التحيز ضد ذوي الخصومة والعداوة والبغضاء.
           ومن إنصافه لأعدائه ومناوئيه  إنصافـه في آيات عديدة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، منها :
قوله سبحانه في حق بني اسرائيل (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ )  [الأعراف/159] . فالتاريخ المجلل بالسواد لبني إسرائيل ، وكونُهم أشدَّ الناس عدواة للإسلام والمسلمين ، لم يمنعا من إنصافهم.
وقوله عن النصارى ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)  [المائدة/83-86].
ومن قواعد الإنصاف المؤصلة في القرآن الكريم ، ماجاء حديث أَنَسٍ ، عنِ النبي صلى الله عليه وسلم « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ »
وفي صحيح مسلم وغيره :"حتى يحب لِجارِهِ ..."وفي صحيح ابن حبان : "لا يبلغ عبدٌ حقيقة الإيمان ، حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير".
فأصْلُ هذا الحديث في القرآن الكريم ، كما يوضح ذلك ابن عاشور بقوله : " وقد تكرر في القرآن الترويض على قياس المرء حق غيره على حق نفسه . قال تعالى في  (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ ) [النساء/9 في معرض التحذير من أكل مال اليتيم
والمغزى المشترك في الحديث وفي الآيتين الأخيرتين ، هو أن من أراد أن ينصف غيره في حالة من الحالات، وفي معاملة من المعاملات ، فليتخذ نفسه معياراً لذلك ، أي لِيضعْ نفسه في مكانهم وفي حالتهم ، ولينظر كيف يحب أن يعامَل وهو ، لو كان في مكانهم ، ثم ليفعل ذلك وليحكم به على غيره ,ولا شك أن الالتزام الفعلي بهذا المبدإ ليس بالأمر الهين على النفس  ولذلك فهو يحتاج إلى " ترويض " حسب تعبير ابن عاشور .
ومن الوقائع التطبيقية للإنصاف القرآني ، أذكر هذين النموذجين :
• النموذج الأول من قصة ملكة سبأ مع سليمان عليه السلام . فقد نوه القرآن الكريم بهذه المرأة في مشورتها وحصافة رأيها وحسن تدبيرها ، وهي على شركها  (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)النمل.
قال العلامة القرطبي عند تفسيره هذه الآيات : "فأخذت في حسن الأدب مع قومها، ومشاورتهم في أمرها، وأعلمتهم أن( مَا كُنتُ قَاطِعَةً)ذلك مُطَّرِد عندها في كل أمر يـعرض ، بقولها:   فكيف في هذه النازلة الكبرى . فراجعها الملأ(أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ)  بما يُقـر عينها، من إعلامهم إياها بالقوة والبأس، ثم سلموا الأمر إلى نظرها". قال القرطبي: "وهي محاورة حسنة من الجميع." الجامع لأحكام القرآن ، 13/194 ـ ط1967 ـ دار إحياء التراث العربي ببيروت) .
كما أقر (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا)القرآن الكريم قولها حين قالت :   فعقب(قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً  ( النمل: 34). قال ابن عباس:(وكذلك يفعلون)سبحانه مؤيدا كلامها بقوله :  هو من قول الله عز وجل، معرِّفاً لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته بذلك ومخبرا به .
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي: " ألا ترى أن ملكة سبأ، في حال كونها تسجد للشمس من دون الله، هي وقومها، لما قالت كلاما حقا، صدقها الله فيه، ولم يكن كفرها مانعا من تصديقها في الحق الذي قالته، إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواقَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً " (وكذلك يفعلون)قال تعالى مصدقا لها في قولها: وذلك قولها فيما ذكر الله عنها:   اضواء البيان، 1/5 ـ طبعة عالم الكتب ـ ببيروت ـ د ت .
• النموذج الثاني من الإنصاف القرآني ، يتمثل في واقعة شهيرة وقعت بالمدينة أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم . وملخصها: أن نفراً من الأنصار - قتادة بن النعمان وعمه رفاعة - غزوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته . فسُرقت درع لأحدهم ( رفاعة ) . فحامت الشبهة حول رجل من الأنصار من أهل بيت يقال لهم : بنو أبيرق . فأتى صاحبُ الدرع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن طعمة بن أبيرق سرق درعي . ( وفي رواية : إنه بشير بن أبيرق . وفي هذه الرواية : أن بشيراً هذا كان منافقاً يقول الشعر في ذم الصحابة وينسبه لبعض العرب! ) . فلما رأى السارقُ أن التهمة قد اتجهت إليه ، عمد إلى الدرع فألقاها في بيت رجل يهودي ( اسمه زيد ابن السمين ) . وقال لنفر من عشيرته : إني غيبت الدرع ، وألقيتها في بيت فلان . وستوجد عنده . فانطلَقوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا نبي الله : إن صاحبنا بريء ، وإن الذي سرق الدرع فلان . وقد أُحِطنا بذلك علماً . فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس ، وجادل عنه ، فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك ... ولما عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الدرع وجدت ـ فعلا ـ في بيت اليهودي ، قام فـبَـرأ ابن أبيرق وعذره على رؤوس الناس . وكان أهله قد قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ظهور الدرع في بيت اليهودي - إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا ، أهلِ إسلام وصلاح ، يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت! قال قتادة : فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمته . فقال : « عمدتَ إلى أهل بيت يُذكر منهم إسلام وصلاح ، وترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة؟ » قال : فرجعت ، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك . فأتاني عمي رفاعة فقال : يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : الله المستعان ... انظر تفسير الطبري 9 /182 ـ 184ـ تحقيق أحمد شاكر ـ مؤسسة الرسالة ـ 1420/2000)
فـعندها نزلت آيات الإنصاف والقسطاس المستقيم ، الآياتُ التي برَّأت اليهودي الذي لُفقت ضده التهمة الكاذبة ، وفضحت الخيانة والتزوير وأهلهما من المسلمين ، وتوجهت باللوم والتنبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكي يحْذَر المبطلين ولا يقع في أحابيلهم ، فيدافعَ عنهم ويبرئهم من حيث يظنهم مظلومين . ثم توجهت الآيات بالنكير الشديد إلى من وقعوا في الظلم والزور إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ)ضد اليهودي ...قال الله تعالى  بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا (لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا).
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في شأن هذه الواقعة : " ... إنه في الوقت الذي كان اليهود في المدينة يطلقون كل سهامهم المسمومة ، التي تحويها جعبتهم اللئيمة ، على الإسلام والمسلمين ؛ والتي حكت هذه السورة ، وسورة البقرة وسورة آل عمران ، جانباً منها ومن فعلها في الصف المسلم . .

في الوقت الذي كانوا فيه ينشرون الأكاذيب؛ ويؤلبون المشركين؛ ويشجعون المنافقين ، ويرسمون لهم الطريق ؛ ويطلقون الإشاعات ؛ ويضللون العقول ؛ ويطعنون في القيادة النبوية ، ويشككون في الوحي والرسالة ؛ ويحاولون تفسيخ المجتمع المسلم من الداخل ، في الوقت الذي يؤلبون عليه خصومه ليهاجموه من الخارج . . والإسلام ناشىء في المدينة ، ورواسب الجاهلية ما يزال لها آثارها في النفوس؛ ووشائج القربى والمصلحة بين بعض المسلمين وبعض المشركين والمنافقين واليهود أنفسهم ، تمثل خطراً حقيقياً على تماسك الصف المسلم وتناسقه . .
في هذا الوقت الحرج ، الخطر الشديد الخطورة . . كانت هذه الآيات كلها تتنزل ، على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى الجماعة المسلمة ، لتنصف رجلاً يهودياً ، اتهم ظلماً بسرقة ؛ ولـتُدين الذين تآمروا على اتهامه ، وهم بيت من الأنصار في المدينة . والأنصار يومئذ هم عدة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجنده ..." (في ظلال القرآن 2 / 231 ( عند تفسير الآيات المذكورة ) ـ المكتبة الشاملة ـ الإصدار الثاني).


حديث رمضان 16
جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. المقال منقول من موقع إسلام أون لاين مقال للدكتور أحمد الريسوني بعنوان "من معالم الوسطية الإنصاف عند الاختلاف"

    ردحذف