هل الرسول يعلم الغيب؟
الجواب
على كل حال، الرسول وغيره لا يعلمون الغيب،
لأن علم الغيب من خصائص الله تبارك وتعالى، ((قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب
إلى الله))، وأبو حنيفة رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها قبل أبي حنيفة كما في الحديث
المتفق عليه: "من أخبرك أن محمدا يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية"،
فلعله بدل من كلمة "لعل"، فأخذ كلمة يتوقع من قوله صلى الله عليه وسلم:
"لعل الحياة" لأن لعل للتوقع، فلعله أخذها من هذا، والرسول ما يقدر أن يتوقع
شيئا -عليه الصلاة والسلام- وأما إذا أخبر عن الله خبرا جازما، فهذا لا يجوز إلا تصديقه،
هو أخبر عن أشياء في المستقبل كثيرة جدا وحصل كثير منها كما أخبر، فهو لا ينطق عن الهوى
عليه الصلاة والسلام، لكن في مثل هذا، ما قال له الرسول: إن الله أخبرني، وإلا قال:
ستطول بك الحياة، لو قال: ستطول بك الحياة، نقول هذا خبر عن الله عز وجل، لكن قال:
"لعل الحياة تطول بك"، فربما أخذ كلمة يتوقع من كلمة لعل.
وقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ
عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) يعني بعالم الغيب: عالم
ما غاب عن أبصار خلقه، فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدا، فيعلمه أو يريه إياه إلا من
ارتضى من رسول، فإنه يظهره على ما شاء من ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
.* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني
معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ
ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما
أوحي إليهم من غيبه، وما يحكم الله، فإنه لا يعلم ذلك غيره.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد،
عن قتادة، قوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ
ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) فإنه يصطفيهم، ويطلعهم
على ما يشاء من الغيب.
وقال ابن جبير : ( إلا من ارتضى من رسول
) هو جبريل - عليه السلام - . وفيه بعد ، والأولى أن يكون المعنى : أي لا يظهر
على غيبه إلا من ارتضى أي اصطفى للنبوة ، فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه : ليكون ذلك
دالا على نبوته .
ومن هذه الاخبار جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوما،
وحوله جماعة من المسلمين وبينما الحديث يجري، أطرق الرسول لحظات، ثم وجّه الحديث لمن
حوله قائلا:
" ان فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم
من جبل أحد"..
وظل الخوف بل الرعب من الفتنة في الدين،
يراود ويلحّ على جميع الذين شهدوا هذا المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم... كل
منهم يحاذر ويخشى أن يكون هو الذي يتربّص به سوء المنقلب وسوء الختام..
ولكن جميع الذين وجّه اليهم الحديث يومئذ
ختم لهم بخير، وقضوا نحبهم شهداء في سبيل الله. وما بقي منهم حيّا سوى أبي هريرة والرّجّال
بن عنفوة.
ولقد ظلّ أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من
أن تصيبه تلك النبوءة. ولم يرقأ له جفن، وما هدأ له بال حتى دفع القدر الستار عن صاحب
الحظ التعس. فارتدّ الرّجّال عن الاسلام ولحق بمسيلمة الكذاب، وشهد له بالنبوّة.
هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى الله
عليه وسلم بسوء المنقلب وسوء المصير..
والرّجّال بن عنفوة هذا، ذهب ذات يوم الى
الرسول مبايعا ومسلما، ولما تلقّى منه الاسلام عاد الى قومه.. ولم يرجع الى المدينة
الا اثر وفاة الرسول واختيار الصدّيق خليفة على المسملين.. ونقل الى أبي بكر أخبار
أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة، واقترح على الصدّيق أن يكون مبعوثه اليهم يثبّتهم
على الاسلام، فأذن له الخليفة..
وتوجّه الرّجّال الى أهل اليمامة.. ولما
رأى كثرتهم الهائلة ظنّ أنهم الغالبون، فحدّثته نفسه الغادرة أن يحتجز له من اليوم
مكانا في دولة الكذّاب التي ظنّها مقبلة وآتية، فترك الاسلام، وانضمّ لصفوف مسيلمة
الذي سخا عليه بالوعود.
وكان خطر الرّجّال على الاسلام أشدّ من
خطر مسيلمة ذاته.
ذلك، لأنه استغلّ اسلامه السابق، والفترة
التي عاشها بالمدينة أيام الرسول، وحفظه لآيات كثيرة من القرآن، وسفارته لأبي بكر خليفة
المسلمين.. استغلّ ذلك كله استغلالا خبيثا في دعم سلطان مسيلمة وتوكيد نبوّته الكاذبة.
لقد سار بين الناس يقول لهم: انه سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول:" انه أشرك مسيلمة بن حبيب في الأمر"..
وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات، فأحق الناس بحمل راية النبوّة والوحي بعده،
هو مسيلمة..!!
ولقد زادت أعين الملتفين حول مسيلمة زيادة
طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال هذا. وبسبب استغلاله الماكر لعلاقاته السابقة بالاسلام
وبالرسول.
وكانت أنباء الرّجّال تبلغ المدينة، فيتحرّق
المسلمون غيظا من هذا المرتدّ الخطر الذي يضلّ الناس ضلالا بعيدا، والذي يوسّع بضلاله
دائرة الحرب التي سيضطر المسلمون أن يخوضوها.
وكان أكثر المسلمين تغيّظا، وتحرّقا للقاء
الرّجّال صحابي جليل تتألق ذكراه في كتب السيرة والتاريخ تحت هذا الاسم الحبيب زيد
بن الخطّاب.. انه أخو عمر بن الخطّاب..
أجل أخوه الأكبر، والأسبق..جاء الحياة قبل
عمر، فكان أكبر منه سنا..وسبقه الى الاسلام.. كما سبقه الى الشهادة في سبيل الله.
0 تعليقات