ظل
القوة
يقول نعوم نشومنسكي يجب ان يظهر ظل القوة
على طاولة المفاوضات ولقد فهم الربيع هذا الامر قبل اربعة عشر قرنا حين اراد خصمه ان يفاوضه فكان لا بد من اعداد مكان التفاوض
وهو امر مهم بالنسبة لهذه العملية فقد كان القادة المسلمون غاية في الذكاء وقطعا لا
يستخفون في خصومهم وهذه صورة من صور تفاوضهم واعدادهم لموقع التفاوض.
لما بَدرَت أولُ بادِرةٍ من بوادِرِ النصرِ
للمسلمين رأى مرزبان (رئيس القوم وهي كلمة فارسية) القومِ المدُعو «بَرويز» أن يسعَى
لمصالحةِ الربيع، وهو ما تزال فيه بَقيَّةٌ من قُوةٍ، لعلَّه يحظى لنفسِه ولقومه بشروطٍ
أفضلَ. فبعث إلى الربيع بن زيادٍ رسولاً من عنِده يسأله أن يَضربَ له موعداً للقائه
ليفاوضَه على الصُّلحِ فأجابه إلى طلبِه.
أمَرَ الربيع رجالَه أن يُعدُّوا المكانَ
لاستقبالِ «برويزُ» وطلب منهم أن يكدِّسوا حَولَ المجلسِ أكوِاماً من جُثثِ قتلى الفُرسِ،
وأن يطرَحوا على جانبي الطريق الذي سيمر به «برويز» جُثثاً أُخرى منثورةً في غيرِ نظامٍ.
وكان الربيعُ طَويلَ القامةِ، عظيمَ الهامةِ،
شديدَ السُّمرةِ، ضخمِ الجُثَّةِ، يبعثُ الروع في نفسِ من يرَاهُ. فَلمَّا دَخلَ عليه
«برويز» ارتَعدتْ فرائِصُهُ جَزعَاً منهُ، وانخَلعَ فُؤادُهُ هَلعاً من مَنظر القَتلى،
فَلم يَجرُؤ على الدُّنوِّ وخافَ فلم يَتقدم لمُصافحتِهِ. وكلمَهُ بلِسانٍ مُتلجِلجٍ
مُلتاثٍ، وصَالحَهُ على أن يُقدمَ لهُ ألفَ وَصيفٍ (غلام) وعلى رأسِ كُلِّ وصيفٍ جامٌ
(كأس) من الذهب، فَقَبلَ الربيعُ وصَالحَ «برويز» على ذلك. وفي اليومِ التالي دخلَ
الربيعُ بن زيادٍ المدينَةَ يَحُفُّ بهِ هذا الموكبُ من الوُصفَاءِ بين تَهليلِ المسلمين
وتكبيِرهم، فكان يوماً مَشهوداً من أيَّام الله.
0 تعليقات