العــيــد

العــيــد

العيد لغةً : كل يوم فيه جمع ، و اشتقاقه من عادَ يعود كأنهم عادوا إليه و قيل من العادة لأنهم اعتادوه .

و عيَّد المسلمون : شهدوا عيدهم ، و قال ابن الأعرابي سُمِّي العيد عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح متجدد .

و يُطلق العيد على كلّ من يومي الفطر و الأضحى ؛ فالأول فرحة تتجدد كل عام للصائم ، و الثاني نوال مغفرة الله عزّ و جل للحجيج في كل عام ، فقد قال صلى الله عليه و آله و سلم ( أفضل الدعاء يوم عرفة و أفضل ما قلت أنا و النبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) و روى الدار قطني عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال ( ما من يومٍ أكثر أن يُعتِقَ الله فيه عدداً من النار من يوم عرفة . و إنه ليدنوا عز و جل ثم يباهي بهم الملائكة يقول ما أراد هؤلاء ) . و في الموطأ عن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال ( ما رُؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر و لا أحقر و لا أدحر و لا أغيظ منه في يوم عرفة و ما ذاك إلا لِما رأى من تنـزّل الرحمة و تجاوز الله عن الذنوب العظام الا ما رأى يوم بدر ، قيل و ما رأى يوم يا رسول الله ، قال : أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة ) .

فهل مفهوم العيد هو نفسه أم تغيَّر ..؟؟ هل يأتي العيد بفرح متجدد كل عام ..؟؟ أم أنه أصبح مفهوماً لا واقع له من حيت تجدد الفرح لا من حيث نوال مغفرة الله عز و جل

و قد شرح المتنبي هذا المعنى حين قال :

عيد بأيةِ حال عدت يا عيد لأمرٍ مضى أم فيك تجديد ..؟

إن المفهوم هو ما كان متصوراً في الذهن و له واقع ، و مفهوم العيد أنه فرح متجدد كان له واقع عندما كان للمسلمين أب و أم و دولة تملأ العين و القلب ... ثم زالت فهل بقي بعد زوالها فرح متجدد ..؟

هل بقي العيد هو هو أم أنه قد اختلف عندما اختلف واقع المسلمين و أصبحوا شتاتاً بعد جمع و قزعاً بعد غَيْم و ضعفاً بعد قوة حتى أصبح عيد المسلمين أشبه ما يكون بأعياد الكفار – و العياذ بالله – فتنشط البرامج الترفيهية في كل وسائل الإعلام و دور السنما بمناسبة الأعياد و يتدافع الناس نحو المسارح و النزهات بمناسبة الأعياد و أشياء و أفعال لا علاقة لها مطلقاً بالأعياد و إنما هي انخلاع من الأحكام الشرعية بمناسبة الأعياد .

فكأنّ المفهوم المتصور في الذهن للأعياد قد أصبح أكلاً و شرباً و لهواً و انفلات و ايذاء للآخرين فلا بأس ... لأن كل ذلك بمناسبة الأعياد ، و غاب عن الذهن المفهوم الشرعي للعيد من أنه يوم شكر لله عز و جل لأنه أعاننا فصمنا و أعاننا فحججنا ففرحنا و شكرنا ربنا فلا يكون وداعنا لرمضان كما قال الشاعر :

رمضان و لى هاتها يا ساقي مشتاقةٌ تسعى إلى مشتاقِ

و كما غاب عن الأذهان المفهوم الحقيقي للعيد و برز مفهوم آخر ، أيضاً برز مفهوم آخر للتهنئة بالعيد و غاب المفهوم الحقيقي و الشرعي للتهنئة ، فالكلمة المستعملة للتهنئة ( كل عام و أنتم بخير ) أو ( كل سنة و أنت سالم ) مفهوم له دلالة أم أنها جملة اعتدنا قولها دون التفكير بمعناها ..؟

( كل سنة و أنت سالم ) نتشدق بها دون سبرغورها و لا حتى التدبر بمعناها ... ألا تدل على مفهوم ..؟ و هل هذا المفهوم موافق لأحكام الله أم مخالف ...؟؟

و نقرأ قول الحق سبحانه و تعالى (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا)(البقرة: من الآية96) ، أية حياة ..؟ لا يهم المهم أنهم يعيشون بغض النظر عن وضعهم ذلّ أم عزّ في طاعته جل و علا أم في معصيته ... لا يهم المهم أنهم يعيشون و ( كل سنة و أنت سالم )

ألا يعنيك ما يدور حولك و ما هي أوضاع أخوتك ..؟ أقامت قيامتهم أم قيامة غيرهم ..؟ ألا يهمك أن ذبح الشيشان أم لم يذبحوا ، أمات اطفال العراق أم لم يموتوا ..؟ ، أرفع العناء عن أهل البوسنة أم لم يرفع ، المهم (كل سنة و أنت سالم ) .

إنها فكرة يجب أن تحارب لأنها فكرة من أفكار الكفر قد استوطنت أذهان كثير من المسلمين .

( كل عام و انت بخير ) و ( كل سنة و انت سالم ) فهي تعبّر تعبيراً واضحاً عن تمني البقاء و صدق الله العظيم (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ)(البقرة: من الآية96) تمني البقاء لمن يعتبر الدنيا نهاية المطاف فهي كل المتع .

هذا هو مفهوم يحمله من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر ؛ فهو يعتبر أن الدنيا هي بداية كل شيء و نهايتها نهاية كل شيء . فهي همه يطلبها للذتها و للتمتع بها فكلما طال بقاؤه بها زادت لذته و متعته ... فمن كان هذا مفهومه عنها كان تعبيره ( كل سنة و انت سالم ) أو ( كل عام و أنت بخير ) .

أما من كانت الدنيا بالنسبة له دار الإمتحان للآخرة كما أخبرنا سيدنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم ( الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر ) فالدنيا دار ممر لا دار مقر و هي عمل و لا حساب ليوم حساب و لا عمل فلا ينبثق عنها (كل سنة وانت سالم) فليس طول العمر وقصره عاملا مساعدا او فاعلا لدخول الجنة او للنجاة من النار بل هو العمل الصالح بما امر به ربنا عز وجل لنيل رضوانه أطال العمر او قصر المهم ان يكون في طاعته عز وجل .

فكان لا بد من ان يتغير ما انطبع في اذهان الناس ويتغير بحسب عقيدتهم تغييرا يتفق مع مفاهيمهم التي يحملونها.

لقد كانت دولة الخلافة ثم زالت وكانت تطبق فيها وتحمل مفاهيم الاسلام فزالت هذه المفاهيم بزوالها ولسوف تعود باذن الله ونشهدها ونشهد عودة تلك المفاهيم ومن ضمنها مفهوم المسلمين عن العيد وفرحته؟

ان فرحتنا لن تتجدد الا بها ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم .وعد الله لايخلف الله وعده ولكن اكثر الناس لا يعلمون.يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون)

وفي الاثر (كان الرجل اذا لقي الرجل قال تقبل الله طاعتكم)

ولا نقول لكم(كل سنة وانت سالم ) بل نقول (تقبل الله طاعتكم)

هل فرحنا لان رمضان قد انتهى فكان الباعث على الفرح هو انتهاؤه ام الفرح لان الله اعاننا فاطعناه ونسأله جل وعلا ان يتقبل... ان الموضوع مختلف والفرح مختلف فلا بد من وضع ضوابط شرعية للفرح حتى لا نذم ان فرحنا فنحن نقرا قول الحق سبحانه وتعالى ( فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) ونقرأ( حتى اذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة) ونقرا (لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين) ونقرأ ( لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون).

ان الفرح هو خفة في القلب تعتري الانسان في حال ووضع وفعل معين فكان لا بد من اساس يكون هو القاعدة لتحديد الفعل الذي ينتج عنه الفرح او الحال او الوضع فاذا كان هذا الاساس هو العقيدة ففرح المؤمن منبثق عنها ولا يخالفها ، فيفرح بانعام الله عليه بالنصر وبالفهم وبالهداية فيكون فرحه بشكر المنعم عليه بدوام ذكره وشكره.

وأما ان كان اساس فرحه هواه فهو يفرح بكل ما يوافق هذا الهوى من اقبال الدنيا عليه بكثرة ماله وعياله وجاهه وما ينطبق على الفرح ينطبق ايضا على الحزن فهو يحزن لكل ما يخالف هواه ويحزن لفقده وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انما الدنيا لاربعة: رجل اتاه الله علما ومالا فهو يتقي الله في ذلك المال وبه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل . وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو ان لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فاجرهما سواء . وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل . وعبد لم يرزقه الله مالا وعلما فهو يقول لو ان لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء) رواه الترمذي وصححه من حديث ابي كبشه .

فتوحد الفرح والحزن والرضى والغضب والحب والكره كلها تتوحد على قاعدة فكرية واحدة لا تتغير ولا تتبدل تبعا لمصلحة آنية بل تنبثق عنها جميعا وهي التي تحدد مفهوم الفرح فكل سنة وانت سالم لا تنبثق عن هذه القاعدة الفكرية ولا تمت لها بصلة بل هي منبثقة عن قاعدة فكرية تخالف قاعدتنا الفكرية الاسلامية فالزمن والعمر طوله او قصره لا يحدد فرحا او حزنا بل الذي يحدده انه كان هذا العمر في طاعة الله ام ام يكن طال او قصر فالموت آت لا محالة وصدق الشاعر وأجاد حين قال:

ضعوا خدي على لحدي ضعوه === و من عفر التراب فوسّدوه

و شـقوا عنه أكفانا رقاقا === و في الرمس البعيد فغيـبوه

فلـو أبصرتموه إذا تقضّت === صبـيحه ثالثٍ أنكرتموه

و قـد سالت نواظر مقليته === على وجناته و انفضَّ فـوه

حبيـبكم و جاركم المفدى === تقـادم عهـده فنسيتموه


جواد عبد المحسن

من كتاب حديث رمضان 3

إرسال تعليق

2 تعليقات

  1. عيد ..

    بأيةِ حال عدت يا عيد لأمرٍ مضى أم فيك تجديد ..؟!

    ويبقى .. ذاك نداء قلوبنا ..

    لكن عزائنا .. طالما هناك من يملك نبضا خالصا وصوتا قويا وقلما صادق .. ليسطر مثل تلك الحروف
    فإن عيد أمة الإسلام آجلا بإذن الله ..

    :)

    تقبل الله طاعتكم وطاعة المسلمين

    وأعاده على أمة الإسلام بأمر جديد

    ردحذف
  2. عيد ..

    بأيةِ حال عدت يا عيد لأمرٍ مضى أم فيك تجديد ..؟!

    ويبقى .. ذاك نداء قلوبنا ..

    لكن عزائنا .. طالما هناك من يملك نبضا خالصا وصوتا قويا وقلما صادق .. ليسطر مثل تلك الحروف
    فإن عيد أمة الإسلام عاااجلا وليس ببعيد بإذن الله ..

    :)

    تقبل الله طاعتكم وطاعة المسلمين

    وأعاده على أمة الإسلام بأمر جديد

    ردحذف